الصحافة أداة الديمقراطية - سمير كرم - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 4:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصحافة أداة الديمقراطية

نشر فى : الجمعة 13 مارس 2015 - 9:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 13 مارس 2015 - 9:45 ص

يقول الكسى دو توكفيل – مؤلف كتاب «الديمقراطية فى أمريكا»، وهو مؤلف انجليزى عاش فى امريكا طوال الفترة التى ألّف فيها هذا الكتاب «إن الذين يعيشون فى ظل الارستقراطيات قد يستطيعون الاستغناء عن حرية الصحافة بعض الشىء، وهذا ما لا يستطيعه أهل البلدان الديمقراطية.

وأنى لضمان استقلالهم الشخصى لا أثق البتة فى المجالس السياسية ولا بالصلاحيات البرلمانية، ولا باعلان سيادة الشعب... العبودية لا تبلغ كمالها اذا كانت الصحافة حرة. فالصحافة هى الاداة الديمقراطية للحرية بأعلى معانيها».

قال دو توكفيل هذا بينما كان يقيم فى الولايات المتحدة يؤلف كتابه الاهم والاشهر. وقال ايضا «ان حرية الصحافة فى الأمم الديمقراطية أعز منها فى جميع الامم الاخرى بما لا يقاس». ان المساواة تجرد كل فرد من عون اقاربه، ولكن الصحافة تتيح له أن يستنجد بمواطنيه أجمعين وبنى البشر».

لقد استغرق دو توكفيل خمس سنوات فى تأليف هذا الكتاب من عام 1835 إلى عام 1840وكان من أهم ما قاله «إن العبودية لا تبلغ كمالها اذا كانت الصحافة حرة. فالصحافة هى الاداة الديمقراطية للحرية باسمى معانيها».

وعلى الرغم من ان من الصعوبة بمكان ان نعرف ما يعنيه هذا المؤلف بقوله إن العبودية لا تبلغ كمالها اذا كانت الصحافة حرة، الا ان دفاعه عن حرية الصحافة قوى بقدر ما هو منطقى، حتى ليمكن التوصية بقراءته واستيعابه فى ظل الظروف الراهنة. أى بعد مالا يقل عن مائة وثمانين سنة من بدء كتابته هذه المعانى الجليلة.

***

وليس ثمة شك فى اننا حين نقرأ ونكتب عن حرية الصحافة فى زمننا الحالى انما نتناول اغلى معانى الحرية وأقدرها على الدفاع عن حريات الانسان الاخرى. حرية الانتقال من مكان إلى مكان وحرية اختيار نوع التعليم وحرية الارتباط مع رفيق فى علاقة صداقة، وحرية اختيار النظام السياسى الذى نعيش فى ظله ويوافق هوانا... الخ.

إن بلدا – أى بلد – لا يستطيع ان يزعم ان الحرية هى مبدأ أساسى فى ادارة شئونه اذا كان محروما من حرية الصحافة. وحين تغيب حرية الصحافة عن شعب فإنه لا يستطيع ان يمارس حرياته الاخرى كاملة غير منقوصة.

لقد استطاعت حرية الصحافة ان تثبت انها الاقوى والاقدر والاكثر قدرة على البرهنة على جدواها وقوتها فى دعم الحريات الاخرى.

ولعل حرية الصحافة فى وطننا مصر قد قدمت برهانا قويا على انها اثمن الحريات واقدرها حتى فى غياب حريات أخرى. فعندما انزلقت حرية الصحافة المصرية فى عهد حسنى مبارك وادرك الشعب – وليس مثقفوه فحسب – ان جانبا كبيرا من حرية الصحافة المصرية قد انزلق من مكانة الحرية إلى مستوى هابط من هذه الحرية فى ظل حكم حسنى مبارك.

وكان من نتيجة ذلك ان النظام الحاكم فقد احدى اهم نقاط استحواذه على السلطة. واضطر هذا النظام تحت ضغوط غياب حرية الصحافة ان يتنازل عن السلطة كلها عند اول تجربة لمواجهة هذا الوضع وبالتالى فانه تنازل فيما بدأ أنه من بدايته الاولى انسحاب من السلطة وتسليمها إلى القوات المسلحة.

لهذا يمكن القول بأن تغيير النظام فى مصر بدأ من نقطة اعتراف بزيف حرية الصحافة التى كانت سائدة. وعندما تغير النظام كان اول دليل على التغيير هو إثبات ان حرية الصحافة هى أساس الحريات جميعا. ان حرية الصحافة بحد ذاتها دليل على ان كل الحريات الاخرى الفردية والجماعية والاجتماعية تصعد إلى مستوى لا يمكن انكاره ما دامت حرية الصحافة غائبة او منقوصة.

ولقد نتصور او يتصور بعضنا ان حرية الصحافة فى بلادنا هى من الحريات التى يمكن الاستغناء عنها. ولو كان ذلك صحيحا ما امكن لثورة 25 يناير 2011 ان تثبت ذاتها ولما أمكن لثورة 30 يونيو 2011 ان تؤكد ذاتها وسابقتها وان تجتذب القوات المسلحة المصرية إلى صف الثورة وبالتالى إلى تغيير النظام بأكمله. الحقيقة الاكيدة هى ان ملايين المصريين خرجوا إلى الميادين فى كل المدن المصرية فى ذلك الوقت ليؤكدوا ان الحريات المصرية تبلورت فى حرية الصحافة. وما كان يمكن للحرية الصحفية ان تكون لها الكلمة المطلقة لولا ان الجماهير المصرية قد ادركت بما لا يدع مجالا لأى شك ان الصحافة العامة تحولت نحو الاعتراف بصورة لا مثيل لها فى هذا البلد من قبل بأن مصر قد دخلت مجال الثورة وليس هناك أى سبيل لاخراجها منه. ولقد عكس هذا – أهم ما عكس – ان القوة العليا التى تمثلها القوات المسلحة المصرية اشتركت فى رفع شعار حرية الصحافة. ودافعت عن هذا الشعار من اليوم الاول لاعلانها تأييد الثورة الجماهيرية. بل يمكننا ان نقول – فى اثبات حقيقى لهذا التطور – ان تأييد الصحافة المصرية للثورة كان حافزا قويا على تأكيد تأييد القوات المسلحة لحرية الصحافة كأساس لكل التغيرات التى توالت.
***
اعتبر جانب كبير من جماهير الثورة أن حرية الصحافة هى الضامن لمواصلة طريق الحرية. وأن حرية الصحافة هى المشهد الاقوى والاقدر على تأكيد الحرية بمعناها العام. المعنى الذى تضمّن وشمل كل الحريات الاخرى. وبطبيعة الحال فاننا نعرف كما تعرف جماهيرنا على نطاق واسع ان «الصحافة الاخوانية» لا تزال مستمرة فى الصدور من نواح سرية لكنها لا تزال تهاجم الحريات العامة التى تدافع عنها الثورة.

ان الصحافة الاخوانية لاتزال مستمرة فى مهاجمة الحريات التى اكتسبتها ثورة الجماهير منذ اللحظة الاولى لانطلاق هذه الثورة. ويساهم هذا الهجوم فى فضح تمسك الصحافة الاخوانية بكل القيود التى لا تزال تمثل نهاية الحريات العامة للصحافة وغير الصحافة. ان القوى الاخوانية لا تزال تخسر فى كل موقع تعلن فيه آراءها – وهذه لا يمكن تسميتها افكارا ــ وهى مواقع تسيطر عليها السرية وتجعلها غير قادرة على التواصل مع الجماهير المصرية بالمعنى العريض للكلمة.

الصحافة الإخوانية ليس لها – فى الحقيقة – وجود. ويمكن أن اعتذر عن التطرق إليها. إنما قصدت أن يعرف القارئ الحقيقة. وأن يؤكد وجود الصحافة الحرة والى اين تقودنا. ان الصحافة الحرة هى اداة الديمقراطية.

 

اقتباس
حين تغيب حرية الصحافة عن شعب فإنه لا يستطيع ان يمارس حرياته الاخرى كاملة غير منقوصة.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات