تأملات فى رحيل كاتب «محبوب»! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تأملات فى رحيل كاتب «محبوب»!

نشر فى : الجمعة 13 أبريل 2018 - 8:55 م | آخر تحديث : الجمعة 13 أبريل 2018 - 8:55 م

انقشع قليلا بعض الغبار عن المعركة اللا أخلاقية التى اندلعت عقب وفاة المغفور له الكاتب والإنسان الطيب أحمد خالد توفيق.. أصفها بالمعركة «اللا أخلاقية»؛ لأنها لم تراعِ حرمة ولا ذمة لرجل أراد الله أن تستقر محبته فى قلوب الملايين، وأن تبكيه الملايين، وأن تتحول جنازته ــ ومن بعدها عزاؤه ــ إلى مظاهرة حب حاشدة؛ حقيقية، نبيلة، دافعها الوفاء والإخلاص والتقدير، لرجل تعامل باحترام وبساطة ومودة مع آلاف الشباب.

أما المعركة ــ ببساطة ــ فقامت على «المتاجرة» و«المزايدة» باسم الراحل الكريم أو عليه! الساعات الأولى التى أعقبت إعلان الخبر الصادم بوفاته كانت ساعات خالصة للحزن النبيل التلقائى العفوى، تحول الفضاء الأزرق والفضاءات الموازية للسوشيال ميديا إلى سرادقات عزاء جماعية؛ اتشح الفضاء الافتراضى بالسواد، بلا اتفاق ولا ترتيب تغيرت بروفايلات الآلاف الشخصية إلى صور الراحل الكريم، تدفق الحزن كاسحا وغامرا التايم لاين بذهول وصدمة!
ساعات لم تتجاوز نصف يوم، أو أقل، وبدأت المتاجرة الرخيصة والمزايدة القذرة تطل برأسها كالأفعى التى تفح عند رؤيتها لفريسة منتظرة! وظهر أول البوستات معلنا «وماذا كان بينك وبين ربك يا أحمد خالد توفيق يا من أعلنت عن رفضك لمذبحة رابعة وما جرى فيها!».

وكان ذلك أول إعلان عن توظيف سياسى فج ومقيت وغير مقبول لوفاة الراحل، وبدا أن فصيلا معروفا بانتهازيته التاريخية وكما هى عادته فى السطو على الحدث الذى فاجأ الجميع واستلابه لحسابهم الخاص، لا جديد فهم أساتذة فى تفسير وتوجيه وتوظيف كل حدث لحساب رؤيتهم وأهدافهم! وكان ذلك إعلانا عن بدء معركة غير شريفة دارت رحاها بين من «سيترمم» على واقعة وفاة أحمد خالد توفيق، ويحاول أن يوظفها لحساب تياره السياسى، خاصة بعدما تفجرت مشاعر الملايين التلقائية والعفوية والخالصة من جمهوره، وبين الشباب على وجه الخصوص.

ولأن الرجل كان بعيدا بل عزوفا تماما عن الدوائر الرسمية والمؤسسة الثقافية، وبعيدا عن الشلل والجيتوهات المغلقة والتجمعات المتثاقفة المتعالية، ظهر لهؤلاء أنهم لا يعرفونه، فهو مجهول تماما لهذه الدوائر أو على الأقل فوجئوا وجوبهوا بهذا الحضور العارم، وهذه الشعبية الجارفة، وهذه الحشود الطاغية، وقوامها الأبرز أيضا: الشباب.

ودخل على الخط من المزايدين ــ خارج دائرة التيار الدينى ــ من أراد أن يوظف هذا الانفجار الشعورى والعاطفى ضد السلطة، وضد حدث الانتخابات الرئاسية وما تمخضت عنه من نتائج، وبدأت تعليقات «السف» و«السفه» غير النبيلة والمجافية لجلال الحدث لتعلن أن وفاة كاتب «مغمور» قد غطى على الحدث السياسى الأكبر!

وكان هذا هو «الطُعم» الذى استدرج كتائب الغوغائية والسفلة من الرعاع الذين يظنون أنفسهم يقدمون خدمات جليلة للسلطة بتنصيب أنفسهم حراسا ومدافعين عنها بحق أو بغير حق، بقصد أو بدون قصد! ومثل «الدبة» التى قتلت صاحبها وهى تريد أن تدفع عنه طنين «ذبابة»! شن هؤلاء حربا شعواء على الرجل وسيرته بغير علم ولا قراءة ولا أى شىء، فقط لأنهم ظنوا أو توهموا أو صدقوا ما قدمه بعض خصومهم من تفسير «سياسى» غير مقبول لوفاة الرجل!! فاعتبروا أنفسهم فى حرب مقدسة دفاعا عن سلطتهم التى لا يجب أن تمس، ودفاعا عن رؤيتهم الدوجماطيقية التى لا تختلف فى كثير أو قليل عن يقينية التيارات الدينية ورؤيتهم المنغلقة وتوظيفهم الفج لأى حادث أو حدث لحساب أغراضهم الدنيئة.

كما، وفى الآن ذاته، تمت فبركة بوستات وصور وما شابه ذلك من أساليب غاية فى الرخص والتدنى، ذات محتوى متهافت كان الغاية منها التدليل على إخوانية أحمد خالد توفيق وحمله قسرا ــ وهو أبعد ما يكون عن الإخوان وفكرهم بل كان أقرب إلى الفكر الناصرى المحافظ فى صورته الكلاسيكية العتيقة ــ على تيار الإخوان أو التيار الدينى فى أضعف الأحوال، وبذلك يصبح رجيما مرجوما وشيطانا ملعونا ويحق عليه رميه بالخيانة والعمالة وتضليل الشباب وكل ما يمكن أن تقود إليه حبوب الهلوسة والتشنجات المرضية، العصبية والذهنية.. إلخ

وسيصل الأمر ببعض من يطلقون على أنفسهم كتائب الإعلام (لا يفترقون فى كثير أو قليل عن كتائب الإخوان) إلى إعلان مفاضلة لا إنسانية ولا أخلاقية بين أسماء الشهداء الكرام التى هى أجل وأكرم وأعز وأشرف من أن يتم المزايدة بها أو المتاجرة بتصديرها فى سجالات ومقارنات تافهة، ولا تليق بمقامهم الرفيع الغالى، وبين الراحل أحمد خالد توفيق باعتبار من منهم الأفضل كى يكون قدوة للشباب!

هكذا وصل الرخص والابتذال، والرداءة والدناءة إلى أحط مستوى، ولا يمكن أبدا أن يخطر على بال إنسان سوى أن تؤول الأمور إلى هذا الرخص وهذا الابتذال!

لقد كشف رحيل أحمد خالد توفيق ــ طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته ــ عورات من لا ينقصهم كشف عوراتهم! وبان إلى أى حد شيوع البجاحة وسوء الأدب، وانعدام الحس الإنسانى، الفطرى، وغياب تام لفضيلة الصمت حينما يجب أن يسود الصمت!
انكشف من لا يُقدِر للموت حرمة، ولا يحسن تقدير الظرف، ولا يحترم مشاعر الملايين فى مصر وخارجها، ولا يملك حس التعبير المهذب فى موقف له رهبة وجلال، أو افتقد برعونة لملاذ الصمت.. ورحم الله أحمد خالد توفيق ورحمنا معه.