خلطة لولا السحرية! - بلال فضل - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خلطة لولا السحرية!

نشر فى : الإثنين 13 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 13 مايو 2013 - 8:00 ص

لكي تكون نصير الفقراء وبطل أحلامهم، هناك طريق آخر غير سحق الأغنياء وتطليع دينهم وتأميم أموالهم، تبدو تلك معادلة مستحيلة، لكن لولا دي سيلفا حققها، خاصة بعد أن صوره إعلام اليمين بأنه اليساري الذي يحمل الخراب لكل صاحب ثروة في البلاد،وأنه مجرد غوغائي يشتري عطف الفقراء ليصل إلى الحكم، وأخذت تنتشر عملية مقارنته بالديكتاتور غيتوليو فارغاس الذي وصل إلى السلطة عبر صناديق الإقتراع بلقب «أبو الفقراء» ثم قام بممارسات إجرامية قضت على محبة الناس له تماما.

 

يعلق المؤرخ بيري أندرسون على المقارنات التي شبهت لولا بالديكتاتور فارغاس وبالسياسي الأرجنتيني الشعبوي بيرون بأنها خاطئة من الناحية التاريخية، صحيح أن كلا من الإثنين قام بحشد وتجييش الجماهير الفقيرة في صفه، لكن بطرق مختلفة عن تلك التي اتبعها لولا، فخطاب فارغاس للجماهير كان أبويا وعاطفيا لجأ إلى إسالة دموع الفقراء لكي يحتشدوا خلفه في وجه أعدائه، بينما كان خطاب بيرون السياسي محرضا وعدائيا بحيث شجع الفقراء على أن يحاربوا معه ضد أعدائه من المتنفذين الجامعين بين المال والسلطة، أما لولا فلم يلجأ في حكمه إلى تلك الأساليب، لأنه ارتكز في حكمه على حركة نقابية وحزب سياسي أكثر عصرية وديمقراطية، ناضل من خلاله ثلاث مرات محاولا الوصول إلى الرئاسة، وعندما نجح في المرة الرابعة لم يرتكب لولا خطيئة الإعتماد على أعضاء حزبه فقط في ترسيخ دعائم حكمه بل قرر أن يتوجه نحو قطاعات أوسع من البرازيليين كانت تنتخب اليمين دائما، مع أن أغلبهم كان من الفقراء.

 

لم يلجأ لولا إلى التحليلات الحمضانة التي تدين الفقراء، بل حاول فهم أسبابهم واستعان بالعالم والسياسي أندري سنجر الذي عينه مستشارا له إدراكا منه لأهمية أن تحيط نفسك بالمفكرين الصادقين وليس بالصيّع والمهللاتية، وبعد دراسة مستفيضة تبنى لولا سياسة جديدة تعتمد على تحليل سنجر الذي رأى أن فقراء البرازيل الذين يبلغون نحو 48 في المائة من السكان، يدفعهم لإتخاذ قراراتهم السياسية إنفعالان أساسيان أولهما الأمل بأن تخفف الدولة من ظلمها لهم، وثانيهما الخوف من أن تقوم الحركات الإجتماعية اليسارية بخلق مناخ من الفوضى وعدم الإستقرار قد يؤدي إلى حدوث نزاعات مسلحة تؤدي إلى تدهور أحوالهم أكثر، كانت الشعارات العنيفة الحادة التي يرفعها بعض اليساريين تخيف منهم الفقراء الذين كانوا يرغبون في حدوث أي تحسن سريع في نمط معيشتهم، ولذلك كانوا يرون في خطاب اليمين الحافل بوعود الإستقرار أملا أقرب للتصديق، ولذلك رأى سنجر أنه طالما ظل اليسار عاجزا عن إبتكار حلول سياسية تشجع الفقراء على تأييده، غير الإضرابات التي يكرهونها أكثر من الأغنياء لأنها تهدد رزقهم اليومي، فإنه لن يستفيد أبدا من تبنيه لمطالب الفقراء، وسيظل اليمين يحصد أصواتهم إلى الأبد، وكانت هذه هي الرؤية التي استند عليها لولا فور وصوله إلى الحكم حيث فاجأ الجميع بتبني خطاب إصلاحي عاقل هادئ يطمئن الفقراء قبل الأغنياء بأنه لن يحدث تغييرات عنيفة تؤدي إلى نشوب صراعات في البلاد.

 

كانت السياسة التي اتبعها تقوم على تحسين أحوال الفقراء دون صدام حاد مع أصحاب رؤوس الأموال، من خلال سياسة الإستهلاك الشعبي التي يصفها أندرسون بأنها كانت طريقا أيديولوجيا جديدا جمع بين استقرار الأسعار وتوسيع السوق الداخلي، حيث قام لولا باحترم مزاج الجماهير وثقافة البلاد السياسية التي تميل إلى تجنب النزاعات التي طالما أرهقت الشعب، مع الحرص على تمتين علاقاته مع الجماهير مستغلا جذوره الشعبية كمهاجر معدم قادم من الشمال الشرقي والتأكيد الدائم على صدق تعهداته الديمقراطية بألا يرتكب ما يدفع الناس للشك فيه، بإستخدامه للقمع أو إظهار رغبته في الإستبداد أو الصدام مع مؤسسات الدولة، لذلك يرى أندرسون أنه إذا كان يمكن تشبيه لولا بزعيم، فلن يكون سوى الأمريكي فرانكلين روزفلت الذي تجسدت عبقريته في تبديل المشهد السياسي الذي لم يكن في صالحه، من خلال مجموعة إصلاحات أدت إلى أن ينتقل ملايين العمال والموظفين الغارقين في الفقر إلى صفوف الطبقة الوسطى في أمريكا، وهو الدرس الذي حرص عليه لولا ومستشاروه عندما أدركوا أن أي طرف يطلق حركة إجتماعية تدفع ملايين الفقراء نحو الأعلى ولو قليلا سيسيطر على الساحة السياسية وقتا طويلا مهما كانت قوة خصومه.

 

لكن لولا وهو يتحرك ظل حريصا على عدم إستعداء أصحاب رؤوس الأموال، بل أثبت من خلال قرارته الذكية التي أدت إلى تنشيط الإقتصاد أنه سيشكل أكبر فائدة لهم، فلم تزدهر رؤوس الأموال بالقدر الذي عرفته في عهد لولا، فبين 2002 و2010 طبقا لأندرسون فاق أداء بورصة ساو باولو أداء أي بورصة أخرى في العالم محلقة بنسبة 523 في المئة، وأصبحت تشكل في نهاية عهده ثالث أكبر مجمع للسندات المالية والعقود الآجلة والسلع في العالم، ومع أنه لم يقم بإتخاذ خطوة راديكالية لجعل الضرائب تصاعدية على أصحاب الثروات، إلا أنه قام بخفض الفقر إلى حد كبير، وانتقل حوالي 25 مليون شخص في عهده إلى صفوف الطبقة الوسطى، وازدادت مداخيل العُشر الأفقر من الشعب بمعدل بلغ ضعف معدل مداخيل العشر الأغنى تقريبا، وفي حين أصبحت تكلفة برنامج بولسا فاميليا تبلغ حوالي 9 مليارات دولار، فقد تضاعف عدد أصحاب الملايين خلال عقد حكم لولا أكثر من أي وقت مضى، ليتحول معظم الممولين والصناعيين البرازيليين إلى مؤدين بإندفاع لحكم لولا مثلهم مثل الفقراء الذين وجدوا أن الإنتقال إلى الطبقة الوسطى حلم ممكن التحقق.

 

تضيق المساحة عن إستعراض تفاصيل السياسات الإقتصادية التي تمكن لولا بفضلها من تحقيق هذا الإنجاز، وعن تفاصيل الحروب والمصاعب التي خاضها في كل يوم من أيام رئاسته ليحقق ذلك، لكن إذا كان يمكن تلخيص ما حققه في سبب واحد فهو أنه لم ينشغل بمحاربة أعدائه بقدر ما انشغل بخلق مستفيدين من سياساته، ولذلك فقط لم تضره حروب الإعلام الشرسة من قريب ولا من بعيد، ولنا في ذلك حديث آخر غدا إن شاء الله.

 

belalfadl@hotmail.com