الهيش! - بلال فضل - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 12:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الهيش!

نشر فى : الخميس 13 يونيو 2013 - 5:50 م | آخر تحديث : الخميس 13 يونيو 2013 - 5:50 م

لم يعد الإنسان يحتاج إلى تأكيد قدرة جماعة الإخوان على بث الطاقة السلبية في نفس الإنسان بحيث يفقد قدرته على التفكير المنطقي السليم، ومع ذلك فقد ساقت لي مشاهدة خطاب محمد مرسي الأخير دليلا إضافيا على ذلك، عندما أخذت أتأمل الخلفية الضخمة التي تصور جزءا من نهر النيل والتي وقف مرسي أمامها ليلقي خطابه الذي لا يقل عن تلك الخلفية ركاكة وقبحا، ووجدتني أقول لنفسي بحرقة: «ياسلام لو ربنا يحول المية دي فجأة لمية حقيقية ويغرق فيها هو وكل اللي يحاول ينقذه». 

 

يقولون أنه لا يخشى الحرب أحد مثلما يخشاها المحارب المتمرس، لأنه اكتوى بنارها ويعرف معاناتها، ولذلك فهو لا يخوضها إلا بعد أن تنعدم أمامه كل الخيارات، وتصبح الحرب وسيلته الأخيرة للدفاع عن نفسه ووطنه، لذلك لم أستغرب أبدا أن يقف مرسي في خطابه التعيس ملوحا بشعارات الحرب فيهلل له حشد من أفراد عشيرته ظنا منهم أن الحرب مع أثيوبيا ستكون نزهة سيطيب خوضها والعودة منها بما لذ وطاب من الجواري والأسلاب. أخذت أتأمل وجوه المهللين وأحجامهم فلفت إنتباهي أن أغلبهم ينتمون إلى حزب أشجار الجميز الذي أتشرف بعضويته، لكن ما يفرقني عنهم أنني أدرك أن في الحياة إختيارات أخرى غير أن نعيش أذلاء خانعين أو أن نموت حمقى مهزومين، وأننا لن نبدأ في وضع أقدامنا على طريق الخلاص إلا إذا أدركنا جميعا أننا تعساء، كلنا تعساء لكن بعضنا لا يعلم بعد، وبعضنا يتصور أن التعاسة لعنة أصابت فقط معارضيه دون أن تصيبه، لكن بالتأكيد أشدنا تعاسة من يهلل عندما يسمع أن هناك دماءا ستراق، دون أن يسأل أولا: دماء من التي ستراق ولماذا وكيف وأين ومتى وإلى متى؟، وأتعس التعساء من يهلل وهو أصلا لا يعلم أنه لن يكون هناك حرب ولا يحزنون، وغاية ما هنالك أن خيرت الشاطر يدرك أهمية أن يتقمص بديله دور السلطان محمد فاتح الصدر وقاهر الأحباش ومجري النيل في حلوق العطاش، ليصبح حلالا بعد ذلك إسالة دماء من يرفض استمرار بقائه على كرسي الحكم ليواصل تخريب البلاد وتدمير «نفسيات» العباد.

 

بعض أفراد عشيرة مرسي بدا أنهم غير راغبين فقط في إسالة الدماء الأثيوبية، بل توّاقون إلى الدماء المحلية أولا، فعندما أعلن مرسي ـ بعد فوات الأوان كعادة أي حاكم قصير النظر ـ أنه مستعد للذهاب إلى الجميع من أجل المصالحة الوطنية، أتحفتنا الكاميرا برؤية بعض أنصار الشعارات الإسلامية وهم يلوحون بأيديهم بعلامات الرفض والإشمئناط، بل وهتف أحدهم «كفاية حلم ياريس»، ومرسي بمعدلات ذكائه الخارقة أجابه بتلقائية القائد الملهم «الحلم ليس له نهاية وسنظل نحلم إلى الأبد»، ثم عندما شاهد الأيدي المتوضئة تواصل التشويح والتلويح فهم المعنى متأخرا فأضاف «أما إذا كنت تتحدث عن الحلم والصبر فحلمنا وصبرنا بلا حدود». 

 

عندما شاهدت هذا المشهد القميئ كان أول ما تبادر إلى ذهني كيف سيكون وقعه على أم شهيد نزف دمه على الأسفلت من أجل أن يكون سببا في أن ينال كثير من الجالسين في القاعة حقهم في الحرية، نعم أقول حقهم في الحرية رغم أن طلب الحرية للجميع ليس الموضة السائدة الآن، ولذلك ينسى البعض ممن يزعمون أنهم يحاربون الإخوان من أجل الحرية، أن كثيرا من الذين تتم معايرة الثورة بأنها أخرجتهم من السجون ظل مرميا في السجن لسنوات بعد أن أنهى مدة عقوبته، وأن تلك العقوبات نالها كثير منهم دون أن يُحاكم أمام قاضيه الطبيعي أصلا، لذلك كانت الحرية حقا منحته له الثورة بفضل تضحيات رجّالة ونساء مصر الأحرار الذين كان لديهم من الرقي والتحضر والنبل والجدعنة ما يجعلهم يطلبون الحرية للجميع دون إستثناء.

 

للأسف خاض ويخوض هؤلاء الأحرار امتحانات قاسية في مدى إيمانهم بمبادئهم، منذ أن ظهر منذ استفتاء 19 مارس وانت نازل ومتدحدر أن جزاءهم على أيدي تجار الشعارات الإسلامية لن يكون سوى التكفير والتخوين والخوض في الأعراض. نعم، لا زال الكثير من هؤلاء متمسكين بمبادئ العيش المشترك وقبول الآخر والحرية للجميع، لكن هناك أيضا بينهم من كفر بهذه المبادئ وهو يرى الإنحطاط الذي يتردى فيه الإخوان وحلفاؤهم في تعاملاتهم مع من كانوا رفاقا لهم في ميادين الثورة، منذ أن صدّق الإخوان أكذوبة أنهم «حكام منتخبون» ونسوا أنهم ما وصلوا إلى الحكم إلا بفضل عهود عندما أخلفوها سقطت شرعية بقاء رئيسهم الكذاب في الحكم. 

 

للأسف أصبحنا الآن بفضل الندالة الإخوانية تحت رحمة «الهيش»، وكل من رأى الحرائق المخيفة التي تندلع في الغابات والغيطان والمزارع يدرك أن ما يبدأ في إشعالها هو «الهيش» الذي كان في الأصل نباتا تمتلئ عروقه بالماء، لكنه عندما جف وخسر كل ما به من مياه، فقد الحياة وصار ميتا وقابلا لتدمير ما حوله مع أي شرارة تشعله، وما رأيته في مؤتمر العشيرة كان رئيسا مصنوعا من الهيش يقف أمام أنصار من الهيش يلوحون بالموت ولا يعرفون أن الموات يسكنهم، يهللون لما يسمعونه من كلام ركيك ومستفز، ولا يدرون أنهم ساهموا ويساهمون هم وقادتهم في تجفيف المياه داخل عروق مواطنين كثيرين كانوا مشبعين بحب الحرية وراغبين في العيش المشترك للجميع، لكن الغباوة الإخوانية المتصاعدة دون توقف منذ إصدار الإعلان الدستوري اللعين حولتهم للأسف إلى هيش مستعد للإشتعال في أي لحظة أيا كان الثمن فادحا. وللأسف الشديد، لم يعد أمام من يتمسك بإنسانيته فيرفض غباوة الإخوان التي تشعل البلاد ويرفض أيضا تعطش بعض كارهيهم لارتكاب حماقات تزيد النار اشتعالا، سوى أن يرضي ضميره فيُذَكِّر نفسه ومن حوله بأن السلمية وحدها هي التي ستقهر استبداد الإخوان، لأنه لا شيئ في الدنيا يسعد الهيش أكثر من بدء اشتعال الحريق.

 

ما الذي يمكن أن يقوله المرء وكل هذا الحزن يعتصره على ما صرنا إليه، سوى ما هتف به أجدادنا من قبل: يا خفيّ الألطاف، نجنا مما نخاف