الإنسان ذلك المعلوم 21- «خلق هلوعا» - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 11:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم 21- «خلق هلوعا»

نشر فى : الجمعة 13 يونيو 2014 - 4:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 13 يونيو 2014 - 4:40 ص

(1)

«الهلوع» هو الذليل الضعيف «أمام المال أو بسببه»، والعاجز عن حسن التصرف مع المال، فتراه مهزوزا مع المال واقعا تحت تأثيره، فبدلا من أن يكون الشخص سيدا على ماله ينقلب الشخص عبدا للمال خادما له. فتراه دائما مرهقا بجمع المال واكتنازه، فهو يعيش فى فقر ويزعم لنفسه أنه يخاف الفقر. فهو «من خوف الفقر يعيش فى فقر» وتخوف وحذر، وكذلك يقضى عمره باحثا عما لا ينفقه ولا يتمتع به، بل يتعب فى حراسته ويحزن لفراقه، فهو من حيث لا يشعر قد ضعفت ثقته فى الرازق.

لذلك يقرر أهل الأخلاق أن شهوات المال وأمراضه أسرع تأثيرا فى الشخصية الضعيفة التى ترتبط إرادتها بحيازة المال فتصاب بشدة الخوف والهلع إذا نقص المال، ولهذا يسمى بالـ«هلوع».

(2)

ومن حكمة الله ورحمته أن جعل «أسماء المسخرات» أسماء معبرة عن الأشياء لمن أراد أن يفهم.. فها هى جميع المخلوقات المنظورة (النباتات/ الحيوانات/ العقار/ الأرض)، كل ذلك يطلق عليه اسم «مال»، ولفظ «مال» يحمل دلالة واضحة على طبيعته، فلو قلت (مال يميل) لعرفت تأثير المال على الشخصية الضعيفة إذ يميلها فيجعلها مائلة حيثما يميل المال. فإذا قل المال اضطربت النفس وتحسبت العجز وعدم القدرة، ثم تتخيل الفقر وآلامه، ولا تهدأ ولا تستقر إلا إذا ظهرت بوادر المال فى أى شكل. فلماذا ينسى «الهلوع» أن الله قد تكفل بالأرزاق وضمنها؟

(وَفِى السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)

فإذا كان لابد للمال أن يميل بحامله وصاحبه، فلا مانع ولكن يميل إلى الأفضل وإلى الخير حتى لا يميل إلى القصور والشرور، فليكن الميل إلى الإعمار وإلى التجديد وإلى تنشيط الحياة والأحياء.

(3)

و«الهلع» «خلع نفسى» خطير يفرز للإنسان أعراضا وأمراضا كثيرة. فبسبب «الشبق المالى» يهيم الإنسان جامعا للمال وكانزا له، وهذا مرض عضال إذا لم يبادر الإنسان بالشفاء منه، فهو يلقى بنفسه فى نار جهنم (..وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، وبسبب الحرص على المال، ترى الإنسان يجمد أمواله فى عقارات وودائع، ثم يقترض بضمان الودائع! أليس من العجب أن يقترض الأغنياء؟ فإذا كان صاحب الوديعة يقترض، فماذا يفعل الفقراء؟ وكيف يعيشون؟

وبسبب الحرص على المال ترى «الغنى القادر» يماطل فى سداد ما عليه، رغم تحذير النبى «مماطلة الغنى ظلم»، والبخل خلل نفسى خطير إذا استسلم الإنسان له ألقاه فى موارد التهلكة، فالبخيل يعتمد على المال ولا يعتمد على الله. ويتوكل على نفسه ولا يتوكل على الله (الَّذِى جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ*يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ) فقد ذهب قارون وأمواله، وذهب كل البخلاء الممسكين، وقد حذر القرآن كثيرا من البخل (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابا مُّهِينا)، فانظر كيف يذهب البخل بأصحابه حتى يضعهم فى مستوى الكافرين.

أما السحت الذى عابه القرآن فالمقصود به حصول الإنسان على مال لم يستحقه ولم يعمل به كما يجب، فمثل هؤلاء الذين يزاولون أعمالا يكتسبون منها أموالا، وهم غير متقنين لتلك الأعمال ولا يضمنون صلاحيتها وجودتها، وكذلك هؤلاء القوم الذين يحصلون على أموال من ناتج عمل غيرهم، فهذه كلها بعض الأمراض المالية النفسية (الشح/ المماطلة/ البخل/ السحت إلخ) وكل هذه أمراض إذا تمكن أحدها من الإنسان افترسه وجعله مهزوزا هلوعا.

(4)

وللمال أمراض أخرى لها أعراض تبدو فى سلوك الإنسان، فالشح مرض يفوق البخل، فإذا كان البخيل لا يعطى الناس ويحرمهم، فإن الشحيح يحرم نفسه! فهل تتصور أن يرزقك الله ما يصلحك ثم تحرم أنت نفسك بنفسك مما أتاحه وأباحه الله لك؟!

ومن أبرز نماذج الشح أن يشهد أحد الزوجين على شح الآخر كما اشتكت زوجة أبى سفيان إلى الرسول، فقالت: «إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل آخذ من ماله دون إذنه؟» فأجابها الرسول: «خذى ما يكفيك وولدك بالحق».

ومع المال نجد سلوكيات كثيرة يجب التنبه لها والحذر منها.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات