أفراح القبة.. المراوغة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أفراح القبة.. المراوغة

نشر فى : الإثنين 13 يونيو 2016 - 11:00 م | آخر تحديث : الإثنين 13 يونيو 2016 - 11:00 م

هى أقل أعمال نجيب محفوظ حظا فى الكتابات النقدية، ربما، لأنها شأن عدة مؤلفات قليلة أخرى، تختلف عن الروايات الراسخة التى أبدعها أديبنا الكبير.. هنا، يختفى الحكاء، العالم ببواطن الأمور، المتفهم لدوافع أبطاله، الراصد لحركة المجتمع، برصاعاته، تطوراته، بآثاره التى يخلفها، بالضرورة، فى فكر ووجدان شخصياته.. كذلك تتلاشى معالم البناء الروائى الراسخ، القائم على بداية ووسط ونهاية، سواء جاء مصدرها من الواقع، مثل الثلاثية، خان الخليلى، اللص والكلاب.. أو تاريخية، أسطورية، ذات طابع ملحمى، تمتد من أعماله الأولى، كـ«رادوبيس»، «كفاح طيبة»، لتصل إلى درته الفريدة «الحرافيش».

فى «أفراح القبة» يتلاشى اليقين. معظم الأحداث، المواقف، محل شك، لا تسرد علينا من المؤلف، لكنها تروى، بطريقة «المنولوج» الفردى، الداخلى، حيث يناجى المرء نفسه، خاصة حين يكون حائرا فى مفترق طرق، تحيط به أزمات «يحكى، بذاكرة قد تكون مخادعة، عن مسار ومسيرته حياته.. غالبا، صاحب المنولوج، يبرئ ذاته. بالتالى، يبدو ضحية، حتى لو كان جلادا.

فضاء الرواية يتكون من مجالين: مسرح «سرحان الهلالى»، الرجل القوى الصارم، المهيمن على كل الأمور، المتسم بطابع وحشى.. ثم مسرح الحياة، الذى لا يقل قسوة عن مسرح «الهلالى».

أربعة منولوجات تتوالى فى الرواية، أولها، من الممثل الثانوى، طارق رضوان، الذى يرى أن حظه العاثر لم يكتب له دور البطولة.. ثم الملقن، كرم يونس، المهزوم، المأزوم، الكاره للبشر، المقتنع بأن زوجته، الفاسدة تماما، هى سبب نكباته.. أما زوجته، خلال منولوجها، تبدو طيبة، بناءة، تعرضت لرياح عاتية، غيبتها وزوجها، سنوات فى السجن.. أخيرا، يأتى المنولوج، بلسان أو قلم ابن الملقن، مشروع كاتب مسرحى، عباس كرم يونس، الحائر، الحزين، الذى تمت الموافقة، أخيرا، على تنفيذ مسرحيته، بعنوان «أفراح القبة». أبطالها، من قلب المسرح، مما أزعج الممثلين كثيرا.

المسرحية، كما الرواية، تخلو تماما من المباهج، لذا، لابد للمرء أن يتساءل عن مغزى العنوان، فلا هو يعبر عن زمان أو مكان.. نجيب محفوظ، نشرت له الرواية عام ١٩٨١، لا يشير فيها بوضوح عن تاريخ وقائعها، كما لا علاقة لها بسراى القبة، أو حمامات القبة، أو كوبرى القبة.. فهل هى القبة السماوية، بأفراحها، حين يدفع الأوغاد فاتورة آثامهم.

الرواية، بما فيها من ثغرات، بإبهام بعض أحداثها، بالإضافة لغموض شخصياتها الثانوية، تتمتع بقدر كبير من النضارة، بفضل قدرة عمنا الكبير، نجيب محفوظ، على إدارة حوارات بالغة الثراء، الجملة الواحدة تفتح أفقا قد لا يخطر على بال، فتعليقا على مثالية «عباس»، يقول مدير الفرقة «المثاليون هم الأشد وحشية»، وحين تقول والدته «إنه ولد رائع مؤلف مرموق.. ابنى».. يعلق والده ساخرا «إلى معجب بوحشيته».. فى موقف لاحق، يسأل أحد الزملاء عن «كرم عباس»، تجيب زوجته «حى..يمارس هوايته فى إتعاس البشر».

يتعمد نجيب محفوظ، أحيانا، الإيحاء دون التصريح، مع شىء من الإبهام المقصود، بما فى ذلك مصير الكاتب المسرحى المأمول، بالرسالة التى يعلن فيها قراره بالانتحار.. السطور الأخيرة تحتمل أكثر من توقع، وإن كنت أرجح استمراره فى الحياة.

رواية «أفراح القبة»، فى ظنى، تنتمى إلى ما يسمى «المعالجات السينمائية»، يعتبرها البعض نوعا فريدا من الأدب، قدمه آرثر ميللر وتنسى وليامز، والعديد من فنانى إيطاليا وفرنسا، ونشرت فى كتب، قبل تقديمها على الشاشة.. قد لا تكون هذه الأعمال ملتزمة تماما بالقواعد الروائية، لكنها تفتح مجال الإبداع لمن سيدخلها عالم الأطياف.. ربما، أدرك سينمائيونا صعوبة «أفراح القبة»، فتجاهلوها، لعدة عقود.. إلى أن جاءت نشوى زايد، ومعها محمد ياسين، ليمسكا بتلابيب العمل، فماذا فعلا؟

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات