عن الحقوقيين الخونة! - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 6:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الحقوقيين الخونة!

نشر فى : الجمعة 13 سبتمبر 2013 - 8:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 13 سبتمبر 2013 - 8:55 ص

مصر سنة 3300 قبل الميلاد

أنا لا أقتل، ولا أحرض أحدًا على القتل.

أنا لا أنتقم لنفسى، ولا أحرق مع الغضب على سبيل الانتقام.

أنا لا أتسبب فى الإرهاب.

أنا لا أعتدى على أحد، ولا أسبب الألم لأحد.

أنا لا أسبب البؤس للناس.

أنا لا أتسبب فى ذرف الدموع.

أنا لا أظلم الشعب، ولا أضمر له أى نية فى الشر.

أنا لا أستدعى شاهد زور، ولا أعتمد ادعاءات كاذبة.

أنا لا أستخدم الكلمات الحماسية الكاذبة لأثير أى صراع بين الناس.

•••

خط المصريون هذه المبادئ التى كانت جزءا من قانون «ماعت» إله العدل والحق عند المصريين القدماء، الذين قدموا للدنيا أقدم تجسيد للفكر القانونى لحماية حقوق الإنسان منذ حوالى 3300 قبل الميلاد. وذلك عندما طبقوا قانون «ماعت» ليحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين الناس وبعضهم البعض. قبل ظهور الأديان، قدس المصريون الحقوق والحريات وألزموا بها حكامهم ومجتمعهم، نعم هكذا كان المصريون!

•••

مصر 1881 ــ 1954

محمود عزمى، ابن منيا القمح بالشرقية يرفض الاشتراك فى لجنة وضع دستور، 1923 لشبهة تدخل الملك فيها وفرضه لمواد معينة تتنافى مع الحريات ومأسسة الدولة. وحين سألوه قال: إننا نطلب حقوق الانسان ولا نرضى بسواها، وفى كتاباته طالب بتعليم تلاميذ المدارس مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان وقال: لن يحترم حقوق الانسان إلا من تربى عليها وعرف قيمتها وكيف تحمى المجتمع، هاجم من يطالبون بالقمع ويبررونه من الصحفيين الموالين للسلطة وكتب عن هؤلاء قائلا: هناك من يكتبون فى سبيل الرأى وهناك من يكتبون فى سبيل الجيب.

أسس أول جمعية ومنظمة لحقوق الإنسان عرفها العالم العربى ومصر «الشعبة المصرية لحقوق الإنسان». ونال لها عضوية الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وحين ظهر نشاطها فى الدفاع عن الحقوق وفضح الانتهاكات قرر الطغاة نزع الجنسية عنه وعن رفاقه فكتب متحديا لهم: إن الجنسية ليست قميصا ينتزع ومن يحاول نزع الجنسية عن المدافعين عن حقوق الانسان فهو يثبت أنه عارٍ لأن دعاة حقوق الانسان قد جردوه من أقنعته وزيفه لذلك فهو يخشاهم!!

•••

وبعد قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ عُين رئيسا لوفد مصر الدائم فى الأمم المتحدة، ثم انتُخب بالإجماع رئيسا للجنة حقوق الإنسان وقام بتقديم مشروع ميثاق الشرف الصحفى الدولى، وهو المشروع الذى لم ير النور إلى اليوم، وتوفى محمود عزمى فى ٣ نوفمبر ١٩٥٤، على أثر أزمة قلبية وهو يلقى كلمة مصر فى مجلس الأمن التى كان من بينها عبارته: إن الأمم لا تنهض وهى تطأ على كرامة مواطنيها، ومن يصمتون عن انتهاك الحريات لأى سبب فانهم يمهدون الطريق للظلم والاستبداد أن يصبح هو الأصل!

•••

مصر 2013

هجوم ضارٍ على الحقوقيين وحملات إعلامية مستمرة تهدف التشويه والاتهام والتخوين، مصطلحات ساخرة مثل «الحكوكيين» و«حموم الانسان» تنتشر فى وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعى. ضمن حملة أثبتت فبركة وثيقة ويكليكس الاخيرة أنها منظمة من قبل جهة ما بالدولة ــ وصفتها جريدة الوطن بجهة سيادية تبحث عن فضيحة عبر فبركة ــ ترى أن الحقوقيين يمثلون خطرا على ما تريده من تصور لشكل الدولة المصرية القادمة، ولذلك لا بد من اغتيالهم معنويا وتشويه مفهوم حقوق الانسان بشكل عام حتى يمكن القضاء على استحقاقاته.

ليس غريبا ان يحاول البعض فى أى نظام حاكم تشويه نشطاء حقوق الانسان الذين يكشفون الانتهاكات التى قد يتورط فيها هذا النظام. ولكن الغريب أن ينضم لهذه الحملة العبثية مثقفون وسياسيون واعلاميون بل وحقوقيون مزيفون بلغ الانحطاط ببعضهم لإصدار بيان يقول إن أخطر ما يواجه مصر الآن هو نشطاء حقوق الانسان الخونة الذين يريدون ادخال الاحتلال الأجنبى لمصر!

ندرك أن هناك قلة فى المجتمع المدنى والحقوقى تقوم بالاسترزاق عبر فتح مؤسسات للحصول على منح تمويل دون أن تستغل هذه المنح كما ينبغى. ولكن هذا ليس مبررا لنهيل التراب على كل الشرفاء الذين وهبوا حياتهم للدفاع عن المظلومين.

•••

ان الحقوقيين الشرفاء الذين تسخرون منهم هم الذين يدافعون عن المظلومين بلا أجر، هم من يعتنون بالفقراء والمهمشين الذين لا يهتم بهم أحد، ولا يجدون من ينصفهم حين تنتهك كرامتهم وتهدر انسانيتهم، حين تذوق تجربة الاعتقال أو التعذيب أو الظلم فلن يقف معك الا الحقوقيون لانهم لا يخشون الا الله ولا يخضعون لسلطة ولا يخافون دفع الثمن لأجلك.

اذهب إلى أسرة اُعتقل واحدُ منها واسألهم من الذى وقف معكم وطمأنكم وظل يعمل بجد واخلاص حتى يعود اليكم عائلكم؟ اسأل كل ضحية تعذيب أو تهميش اجتماعى حصلت على حقوقها من الذى دعمكم حتى يرفع عنكم الأذى؟ لو عرفت معنى الجرى من قسم إلى قسم ومن نيابة إلى نيابة ومن محكمة إلى محكمة ومن سجن إلى سجن، حتى تستطيع طمأنة زوجة مكلومة أو أم مصدومة أو أطفال افتقدوا أباهم، ستخجل مما تفعل وستجد نفسك صغيرا وتافها أمام ما يفعله هؤلاء الأبطال.

•••

إن من تسخر منهم اليوم وتخّونهم هم من سيدافعون عنك غدا. فلا تشارك فى نحرهم لأنك ستجد نفسك وحيدا ضعيفا مهزوما بلا ظهر ولا سند.

ويل لقوم يكسرون المدافعين عنهم بأيديهم وألسنتهم، المجد لمن يدافعون عمن لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، المجد لمن يرفعون الظلم عن المقهورين.. ويبقى الانسان.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات