مصدر الإفتاء العام ومنهجه (1-2) - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصدر الإفتاء العام ومنهجه (1-2)

نشر فى : الجمعة 13 سبتمبر 2013 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 13 سبتمبر 2013 - 8:45 ص

(1)

تراثنا الإفتائى ــ رغم علو قدره ــ فإنه يفتقد «الصلاحية الشرعية» (معاصرة الزمان وملاءمة المكان)، فكل فتوى وليدة عصرها ومصرها، وعلى ذلك فإن معالجة المستجدات بواسطة سوابق الفتوى تستدرجنا للوقوع فى غير المعقول وغير المقبول. فدراية المفتى السابق بأحوال المستجدات أمر مستحيل غير مقبول، وعدم استيعاب الفتوى لمتغيرات الواقع القائم قصور غير مقبول، حيث إن معيار «رشد الإفتاء» هو حسن تطويع وتطبيع الواقع تحت مظلة الواجب.

وكذلك حين سطر الفقهاء شروط ومؤهلات المفتى قصدوا بها «مفتى الشعائر» أو «مفتى القضاء»، فشئون الشعائر والقضاء منتشرة متشابهة فى الغالب الأعم، لذلك كتبوا عن «مفتى المذهب» و«مفتى الجهة» ثم أشاروا إلى «المجتهد المطلق» وقرروا ندرته، وذلك هو «مفتى الشأن العام»، وخروجا من مأزق الندرة أغلقوا باب الاجتهاد صيانة للمتفقه من قصور علمه وهوى نفسه، وكذلك حماية له من ضغوط الإكراه والتسلط.

(2)

ومادام باب الاجتهاد مغلقا فى وجوه الأفراد وحاجات الأمة متعددة ومتجددة، فلا مفر من اجتهاد جماعى تتولاه هيئة «متخصصة مستقلة تحظى بثقة الناس»، وأبرز مسئولياتها:

• دراسة التراث الفقهى، و«استبيانه» فى ضوء تسارع المتغيرات

• دراسة حوائج ومطالب وطموحات الناس ومدى توافقها مع مقاصد الشريعة

• إنتاج وترويج أفضل المناهج والوسائل لإدارة الأزمات وتصفيتها

• رصد واقع الأمة كجزء لا يتجزأ من الواقع العالمى

• استشراف المستقبل ودعوة الأمة إلى الاستعداد له

• التصدى لعوامل التأزيم، وترجيح واقتراح ما يبطل مفعولها

ولا شك أن تلك المسئوليات فوق طاقة أى شخص، كما أنها أشد اتساعا من آفاق أى مذهب أو فئة أو تيار، فمصداقية المؤسسة مرهونة بتقارب وتوافق فتاواها مع جميع المناهج المعتبرة والسائدة، وإلا فكيف يتجاوب الناس معها ويتوحدون حولها؟!

(3)

وتعدد مسئوليات الهيئة يفرض تنوع الأعضاء وتخصصاتهم، وحيث أن قطبى الفتوى هما «الواقع» و«الواجب»، فلابد من تقاسم «علماء الواقع وعلماء الواجب» لمسئوليات الإفتاء. فتضم الهيئة صفوة منتخبة من علماء الواقع كممثلى المهن والحرف والوظائف والعلوم الإنسانية والطبيعية والتطبيقية، ومعهم فقهاء الواجب من «علماء الشرع» فكلاهما «خيار من خيار»

وتتفرغ الهيئة تفرغا تاما لمزاولة عملها الدائم فـ«ترصد» الأزمات ثم «تصدر» الفتاوى، فإذا نزلت بالأمة «أزمة» تلقى الناس حكم الهيئة بثقة وارتياح، فلا يغرق الوطن فى حروب التفاتى التى تحيل «الأزمة» إلى «كارثة». فعمل المفتى يشبه عمل القاضى لابد من تخصيص مسئوليته قبل صدور فتواه.

(4)

وعند دراسة أزمة ما يبدأ علماء الواقع بإجراء الدراسات الآتية:

• دراسة عناصر المشكلة وأطرافها: (أفراد/هيئات/ منظمات/ مؤسسات دولة/ حقائب حكومية)... إلخ

• تحديد العلاقات القائمة بين الأطراف (توافق/ تقاطع/ تضاد/ تناقض)... إلخ

• حساب المصالح المتشابكة (أموال - سياسة)، (إنتاج ــ استيراد)، (حكومة - شعب)... إلخ

• رصد الأبعاد الضاغطة (اقتصادى/ سياسى/ أمنى/ استراتيجى)... إلخ

• الإحاطة بآفاق تفاعل الأطراف (محلية/ وطنية/ أممية إقليمية/ عالمية)... إلخ

• رصد تسارع المتغيرات (سكون/ حركة/ فوران/ تعنت)... إلخ

هكذا يوصف الواقع فى ضوء بيان «مالك بن نبى» مضافا إليه تنقيحات «د.سيف الدين عبدالفتاح».

(5)

وبانتهاء وصف الواقع يتم عرضه على علماء «الواجب» لإنجاز الدراسات الآتية:

• التحقق من دقة وصف الواقع، وذلك بـ«تخريج المناط» و«تحقيق المناط» ثم «تنقيح المناط»

• تنسيب سبب التأزيم لأحد مصدريه: مخالفة «ثوابت الواجب» أم الغفلة عن تسارع «متغيرات الواقع»

• تقرير عناصر المسئولية (الخطأ/ الفاعل/ السبب/ الجزاء) دون إفراط أو تفريط

• اقتراح «المخرج الممكن» وإبراز وجه مشروعيته

• تحديد كيفية إدارة الأزمة لتصفيتها، وتقدير أعباء ذلك ومداه الزمنى

• استنباط «المصل الواقى» من تكرار الأزمة

فهل حظيت أزمتنا الحالية بحقها من «تقدير الواقع» و«تقرير الواجب»؟

أم نزلت الأزمة على مجتمع عشوائى تحولت فيه الفتوى إلى حرب تزيد التحارب بين تضاريس المجتمع والدولة؟!

وسنحاول الإجابة فى المقال التالى إن شاء الل

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات