توجس.. فى بيروت - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

توجس.. فى بيروت

نشر فى : السبت 13 سبتمبر 2014 - 8:30 ص | آخر تحديث : السبت 13 سبتمبر 2014 - 8:30 ص

فى طفولتنا، عرفنا لبنان، برونقها الأخاذ، خلال أطياف الأفلام المصرية: جداول المياه الرقراقة، تتدفق ناعمة، بسخاء. أشجار الأرز المزهوة بجمالها ترصع الجبل بمظلتها الخضراء. آفاق مفتوحة، تصدح فيها أصوات أسمهان، صباح، محمد فوزى.. وآخرين.

مع «بشارة واكيم»، سكنت الشخصية اللبنانية، بطيبتها، وشهامتها، فى الأفئدة.

هو، الصديق الحميم، دافئ المشاعر، فى «غرام وانتقام» ليوسف وهبى، والرجل النزيه الثرى الذى يرفض، بحزم، أن يبنى سعادته على حطام قلب زوج تتمرد عليه زوجته، فى «لعبة الست» لولى الدين سامح 1946.

بعد عشر سنوات من تحقيق الفيلمين، لم تعد لبنان مجرد طبيعة خلابة، أو محطة سعادة وشفاء، للبطل أو البطلة، ولكن غدت المنارة الثقافية الأهم، على امتداد البلاد العربية. دور النشر فى حالة نشاط دائم ودءوب، وتدخل الذوق اللبنانى فى شكل أغلفة الكتب وطباعتها، وفى العام 1953 صدرت مجلة «الآداب»، المتمتعة بنكهة حداثة، فضلا عن روح عروبية بناءة، تقف مع إبداعات كل أبناء الأمة، وشكلت جزءا نابضا بالحياة والحيوية، فى ذائقة المتابعين لها، وبرغم العناء الذى تعرضت له، من حكومات دول لا يرضيها إلا الولاء الكامل، صمدت، طوال ستة عقود، إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة، فى خريف 2012.

تلاحقت الوقائع المرة: الاجتياح الإسرائيلى، الإجرامى، عام 1982، ثم اندلاع الحرب الأهلية، قبل وبعد هذا التاريخ.. وحين زرت بيروت، فى أواخر الثمانينيات، هالنى حجم الدمار الذى حل بالمدينة، لكن اللبنانيين، أثاروا إعجابى، بإصرارهم على بهجة التأنق، فى الملبس، والمأكل، والمشرب، بكل أنواعه.

بعد عقدين، فى زيارة جديدة، بدت بيروت، خاصة فى مناطقها الحديثة، آية فى الجمال، وبصرف النظر عن المآخذ التى قيلت عن «السولو دير»، معماريا وسياسيا، فإن البنايات، والمحال التجارية، والمطاعم، والزحام، يعنى أننا فى مدينة عصرية، بالغة الحيوية والنشاط، تنتعش فيها السياحة، حاملة معها فرص العمل لمئات الآلاف.. لقد بدا المستقبل واعدا، مشرقا.

بعيدا عن تفاصيل ما جرى فى «عرسال»، بين داعش والنصرة من ناحية والجيش اللبنانى من ناحية أخرى، يمكن، ومن المهم، رصد أثر الأحداث على المدينة والأهالى، خلال زيارة، منذ أسبوعين، لا تخلو من مفاجآت وتغيرات.

على غير العادة، وجدت حارس العقار أغلق البوابة الحديدية أثناء النهار.. سألته عن السبب، أجابنى، بلهجة يمتزج فيها القلق بالغضب «خوفا من داعش». قلت له، مبتسما، مستخفا «لكن داعش بعيدة.. محاصرة فى الجبل».. علق فورا «ربما يكون بيننا، هنا، دعشانيون». الرجل، البشوش، دائما، بدا متجهما، كأنه يرى أشباحا لا أراها.. كان الجو حارا، مشبعا بالرطوبة.. وما هى إلا لحظات وانقطعت الكهرباء، وتوقف جهاز التكييف، قلت لنفسى «كلنا فى الهم شرق».

فى المساء، مررت على «السولودير»، لا علاقة له بما كان عليه. إنه، بلا بشر، محاله ومطاعمه أغلقت. بنايات موحدة المعمار، متكررة الوحدات، كأن من صممها مهندس كسول.

أدركت أن الناس، هم الذين يمنحون الأشياء حضورها.. ذهبت إلى موعدى فى أحد مقاهى شارع الحمراء.. هناك، تبين لى صحة المثل القائل «رب ضارة نافعة»، فالضرر الواقع على «السولودير»، عاد بالنفع على الحمراء، حيث استرد شيئا من حيويته القديمة، وفسر لى صديق الأمر بقوله إن الأسعار هنا أقل كثيرا مما كانت عليه فى «السولودير»، الذى اعتمد على السياح، وبغيابهم، أفل نجمه.

الحديث، فى معظمه، دار حول «داعش» و«النصرة» والتكفيريين، وموقف الكتل السياسية، وتهور قوى الإرهاب التى تجرى نحو حتفها.

فى صباح اليوم التالى، «الأحد 7 سبتمبر أو أيلول»، جاء فى صدر الجرائد اللبنانية أخبار مروعة «طعنة جديدة فى قلب الوطن.. عباس مدلج شهيدا».. وخصصت صحيفة «الديار» نصف صفحتها الأولى، لعناوين تفصيلية، على ثلاثة أسطر، بعرض الصفحة «داعش تذبح الجندى عباس مدلج وتوتر فى البقاع وتهديدات للاجئين»، «شعارات داعشية على كنائس طرابلس وحرق صلبان فى عين الحلوة»، «مسلحون بينهم لبنانى فى عرسال هاجموا دورية للجيش فى البقاع».. مع صورة للجندى، قبل ذبحه، راكعا، مكبل الذراعين من خلف. يقف وراءه وغد، بأصابعه يقبض على خصلة من شعره، ويمسك فى كفه الأيمن بسكين، ويتهيأ لذبحه. الوجوم، هو سيد الموقف، يعلن عن نفسه فى كل الوجوه، العابرة، أو التى تجلس معها.. ماذا تخبئ الأيام القادمة؟ لا أحد يدرى.. لكن بالتأكيد، لبنان، لم يعد مرفأ الأمان، حسب أطياف «غرام وانتقام»، و«قبلة فى لبنان»، و«الآداب»، وجدنا المستبشر خيرا، الوديع.. بشارة واكيم.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات