هل اقتربت الأزمة العراقية من الحل؟ - محمد مجاهد الزيات - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل اقتربت الأزمة العراقية من الحل؟

نشر فى : الأربعاء 13 أكتوبر 2010 - 9:42 ص | آخر تحديث : الأربعاء 13 أكتوبر 2010 - 9:42 ص

 اختارت بعض الفصائل السيد نورى المالكى لرئاسة الوزراء فى العراق، فى إشارة واضحة إلى وجود انقسام حاد داخل الائتلاف الوطنى، الذى يتزعمه السيد عمار الحكيم، والذى يشكل مع ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكى، ما يسمى بالتحالف الوطنى. وضح الانقسام فى العراق فى انفراد كل من التيار الصدرى، ومنظمة بدر التى كانت تمثل الجناح العسكرى للمجلس الأعلى الإسلامى وجناح السيد الجعفرى والسيد أحمد الجلبى، عن الائتلاف والتصويت للمالكى، ورفض كل من المجلس الأعلى وحزب الفضيلة ذلك، كما رفضت القائمة العراقية برئاسة السيد إياد علاوى ذلك القرار أيضا ورفضت المشاركة فى حكومة برئاسة المالكى.

وفى إطار تقييم التطورات الجارية فى العراق حاليا، نشير إلى أن جوهر الأزمة السياسية فى العراق ليست فى من هى الكتلة السياسية التى تشكل الحكومة، ولكنها تتركز حول من الشخصية التى تتولى رئاسة الحكومة، ويرجع ذلك إلى أن السلطات التى حددها الدستور والنظام السياسى الذى أرسته الولايات المتحدة فى العراق يكفل لرئيس الوزراء سلطات كبيرة فى عملية صنع القرار فى الدوائر السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، ويشير اختيار المالكى إلى عدد من الاعتبارات أهمها:

أن هناك تغييرا فى موقف التيار الصدرى الذى كان يعارض تولى المالكى رئاسة الحكومة، وجاء ذلك استجابة لضغوط إيرانية أكدها السيد مقتدى الصدر فى رسالته لأنصاره، كما أوضحت مصادر مقربة منه أن المرجعيات الدينية فى العراق وإيران ضغطت عليه، كما أن الفتوى التى أصدرها السيد كاظم الحائرى، والذى يعتبر أهم المراجع التى يرتبط بها فكريا أنصار التيار الصدرى، طلبت التصويت للمالكى وكانت حاسمة بهذا الخصوص.

نجاح السيد المالكى فى الحفاظ على كيان ائتلاف دولة القانون الذى ساند بقوة توليه للمنصب، ولم يخضع لضغوط الأحزاب الأخرى داخل التحالف الوطنى لاختيار بديل له، عكس ما حدث فى الائتلاف الوطنى الذى لم ينجح فى صياغة كيان متماسك بسبب طبيعة التيار الصدرى، والتنافس الشخصى بين السيدين مقتدى الصدر وعمّار الحكيم، وإحساس التيار الصدرى أن بمقدوره أن يكون هو الموجه للائتلاف باعتباره أكبر الكيانات العراقية التى حصلت منفردة على مقاعد فى الانتخابات الأخيرة (40 مقعدا)، والأخطر من ذلك خروج منظمة بدر عن الحزب الأم المجلس الأعلى، وهو ما يعنى مزيدا من الانقسام داخل الحزب خلال الفترة القادمة.

لم تتمكن القائمة العراقية من صياغة تحالف موسع يحقق لها الأغلبية البرلمانية، ولكنها انشغلت كثيرا بضرورة حصولها على استحقاقها الانتخابى، وتولى السيد إياد علاوى رئاسة الحكومة، والاهتمام بصورة أكبر بتوفير المساندة الإقليمية والدولية لها، خاصة من جانب أطراف ليست لديها الاستعداد لتحمل مسئولية هذه المساندة فى الوقت الحالى.

لا يزال التحالف الكردستانى هو رمانة الميزان، والثقل المؤثر الواضح فى العملية السياسية فى العراق، وقد ارتبط ذلك بصورة أساسية بتماسك هذا التحالف ونجاحه فى استيعاب حركة التغيير والمعارضة الإسلامية ضمن إطار المصالح الكردية، وتسكين الخلافات الداخلية والتركيز على المطالب الكردية من الحكومة المركزية، ومن الواضح أن الأكراد سوف يتحالفون مع التكتل الأكثر تجاوبا مع مطالبهم خاصة قضايا المناطق المتنازع عليها (كركوك وغيرها)، ونفط الإقليم، ودور وميزانية القوات العسكرية الكردية (البيشمرجة)، بالإضافة إلى مطلبهم الخاص باعتبار الحكومة العراقية مستقيلة إذا انسحب الوزراء الأكراد منها عند أى خلاف.

وفيما يتعلق بالدور الإقليمى فى الأزمة العراقية، فلا شك أن إيران هى اللاعب الرئيسى حاليا فى العراق وهى تساند المالكى كأحد القيادات الموالية لها، من بين قيادات أخرى موالية أيضا، ولكن مراهنتها عليه ارتبط بتقديرها لقدرته على فرض السيطرة والاستقرار، والغريب أن هذا الموقف قد توافق مع وجهة النظر الأمريكية التى تركز على هدف استراتيجى هو إتمام الانسحاب الآمن مع وجود حكومة قادرة على تحقيق الاستقرار الداخلى، ولا تؤثر سلبيا على المصالح الأمريكية، أفضل من أن يتولى رئاسة الحكومة شخصية أكثر قربا منها ولا تملك فرض هذا الاستقرار، حتى لا يؤثر ذلك على إستراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية فى العراق، واستثمار ذلك لدعم فرص الحزب الديمقراطى فى الانتخابات القادمة.

وقد ساعد نجاح السياسة الإيرانية فى العراق، الحرص السورى على تثبيت محاور ذاتية للحركة داخل العراق تكفل حضورا مهما لدمشق، ولا تتصادم مع الحركة الإيرانية أو تؤثر سلبا على التحالف الاستراتيجى بين البلدين، الذى يواجه ضغوطا دولية متعددة فى الفترة الأخيرة، وقد ارتبط الموقف السورى فى جانب كبير منه بمعطيات الموقف الداخلى فى العراق وطبيعة توجهات الموقف الإقليمى والدولى من التطورات العراقية، وتعامل مع ذلك بما يحقق المصالح السورية فى النهاية،و تجاوبت طهران مع ذلك، فمارست ضغوطا على المالكى للتقارب مع سوريا وتهيئة الأرضية التى أفرزت دعم دمشق له فى النهاية.

وإذا الحراك السياسى فى العراق قد أسفر عن نجاح إيران فى توفير الدعم القوى للمالكى، إلا أن هناك تساؤلات حول مدى استمرار انضباط التيار الصدرى فى موقفه، وهل سيتم التجاوب مع مطالبه للمشاركة فى الحكومة، خاصة الحصول على وزارات سيادية (العدل والداخلية)، وهو ما ترفضه واشنطن، وهل سيوافق التيار على تجاوب المالكى مع المطالب الكردية (صرح الرئيس جلال طالبانى مؤخرا أن المالكى هو أقرب القيادات المرشحة لرئاسة الحكومة تجاوبا مع تلك المطالب).

وتتخوف قوى سنية من وجود بعض المخاطر المرتبطة بالمساومات الجارية بين بعض الكتل السياسية، والتكتل الكردى خاصة ما يثار حول ضغوط من جانب جماعات كردية لطرد عائلات عربية من كركوك قبل إجراء الاستفتاء المقرر فى ديسمبر المقبل، والذى سوف يكون مرتكزا لتنفيذ باقى بنود المادة 140 من الدستور الخاصة بالمناطق المتنازع عليها وترى أن هذه القضية يتم التعامل معها بصورة لا تتناسب مع خطورتها، ويمكن أن تزيد من حدة الاحتقان العربى الكردى، وتجعلها قضية للمساومة لتزكية قوائم وشخصيات لتشكيل الحكومة.

ومن ناحية أخرى، من المرجح أن يتم صياغة تحالف مضاد لتحالف المالكى بين القائمة العراقية والمجلس الأعلى ومكونات عراقية صغيرة، الأمر الذى يعنى استمرار الأزمة لعدة أسابيع أخرى، وأن الفترة القادمة سوف تشهد مساومات لإغراء بعض المكونات الصغيرة المنضوية فى التكتلات السياسية للخروج منها، وهو ما يمكن أن يرتب تحالفات جديدة، وفى التقدير أنه من العوامل التى قد تساعد على التوصل إلى حل للأزمة نجاح الجهود المبذولة لسحب بعض سلطات رئيس الوزراء ومنحها لمن يتولى رئاسة مجلس الأمن الوطنى المزمع إنشاؤه (السلطات الخاصة بالجيش وأجهزة الأمن)، ليتم ترضية القائمة العراقية بها، خاصة بعد إدراك إياد علاوى لتخلى واشنطن عن توفير الدعم اللازم له ووجود خط أحمر من إيران عليه، وضعف وغياب أى موقف عربى مساند له، أو يملك التأثير بفاعلية داخل العراق.

هكذا نرى أن الموقف لا يزال مفتوحا على احتمالات متعددة، والثابت فقط هو امتلاك إيران لأوراق مؤثرة فى العملية السياسية، ومهادنة واشنطن وقبولها ذلك، الأمر الذى يفسره البعض بارتباطه بملفات أخرى خارج الحدود العراقية.

محمد مجاهد الزيات مستشار أكاديمى فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
التعليقات