هامش للديمقراطية ـــــ متى يغيب الطلب الشعبى على المعلومة ومعرفة الحقيقة؟ - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 7:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هامش للديمقراطية ـــــ متى يغيب الطلب الشعبى على المعلومة ومعرفة الحقيقة؟

نشر فى : الأحد 13 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 13 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

نعود إلى البدايات: إذا كان التنظيم الديمقراطى يستدعى لتبلوره واستقراره التزام الدولة ومؤسساتها وأجهزتها بحرية تداول المعلومات وتمكين المواطنات والمواطنين من الاهتمام الرشيد بالشأن العام والوصول إلى اختيارات عقلانية عبر معرفة حقائق الأوضاع المجتمعية، فإن بناء الديمقراطية يحتاج أيضا إلى مواطنات ومواطنين يرغبون فى الحصول على المعلومة وفى المعرفة ويصرون عليهما وتدفعهم الآليات والإجراءات الديمقراطية كالانتخابات ومساءلة ومحاسبة شاغلى المناصب العامة إلى طلب المزيد. أما حين يغيب الطلب الشعبى على المعلومات والمعرفة، فإن الدولة ومؤسساتها وأجهزتها تنفرد بإدارة الشأن العام وتتمادى فى احتكار المعلومة وتتعامل مع المواطنات والمواطنين كمفعول بهم بلا حق فى المعرفة إلا فى حدود ما تقرر الدولة ترويجه وفى التوقيتات التى ترتأيها.

ولغياب الطلب الشعبى على المعلومات والمعرفة أسباب متعددة، تتداخل جميعها اليوم فى الواقع المصرى. فمن جهة أولى، ترتب المعاناة الاقتصادية والاجتماعية لأغلبية المصريات والمصريين والتدنى المتصل فى مستوى الخدمات الأساسية المقدمة لهم المباعدة بينهم وبين متابعة الشأن العام بأعين تبحث عن المعلومة وترغب فى معرفة الحقيقة.

من جهة ثانية، تراجعت كثيرا خلال العقود الماضية ثقافة المساءلة والمحاسبة فى مجالات الحياة العامة والخاصة، من مرفق النقل والمرور وأوضاع المدارس والجامعات إلى نتائج سياسات الحكومات المتعاقبة وانتهاكات حقوق الإنسان، وتبلور توجه مجتمعى عام يقلل من أهمية المعلومة ويميل إلى رفض المساءلة والمحاسبة أو توقع عدم تفعيلهما. وفى إطار كهذا يسهل جدا على الدولة ومؤسساتها وأجهزتها تجاهل واجب تداول المعلومات وتمكين المواطن من المعرفة.

من جهة ثالثة، استطاعت الدولة المصرية منذ الخمسينيات احتكار معلومات سياسية ومجتمعية أساسية والمباعدة بين المواطن وبين طلب حرية تداول المعلومات موظفة تارة خطاب «دواعى الأمن القومي» التقليدى وتارة أخرى الترويج لثقافة الخوف التى طويلا ما ارتبطت بانتهاكات الأجهزة الأمنية لحقوق الإنسان وتداعيات الإبلاغ عنها أو محاولة مساءلة ومحاسبة المتورطين بها. وإذا كانت ثورة يناير ٢٠١١ قد نجحت فى تحدى ثقافة الخوف وطالبت برمزية «كلنا خالد سعيد» بإيقاف الانتهاكات والشروع فى المساءلة والمحاسبة وفقا لبرنامج للعدالة الانتقالية، فإن التطورات الراهنة فى مصر المرتبطة ــ على الأقل جزئيا ــ بعودة سطوة الدولة الأمنية والإجراءات الاستثنائية تجدد بإلحاح شديد نشاط خلايا ثقافة الخوف وتفرض على الكثير من المواطنات والمواطنين الامتناع عن طلب المعلومة إن بشأن انتهاكات حقوق الإنسان المتتالية أو بشأن تطورات محاسبة المتورطين بها (طبعا إن كان هناك محاسبة بادئ ذى بدء).

من جهة رابعة، توظف نخبة الحكم اليوم خليطا من الإستراتيجيات والأدوات الإعلامية والسياسية للإبقاء على القبول الشعبى لترتيبات ما بعد ٣ يوليو ٢٠١٣ وصناعة تيار عام مهيمن يؤيد كافة اختيارات وسياسات النخبة من إعلان حالة الطوارئ إلى الوضعية الاستثنائية للجيش فى الدستور وضرورة ترشح عسكرى لرئاسة الجمهورية. والحال أن الخليط من الإستراتيجيات والأدوات هذا، وبمساعدة الأصوات المروجة فى كل عصر للفاشية وللدولة الأمنية ومستغلة لاستمرار غياب العقلانية والرشادة عن الإخوان وحلفائهم فى اليمين الدينى على نحو يمكن من إلصاق ناجح لصورة العدو النمطية بهم، أصبح عميق التأثير على قطاعات واسعة من المصريات والمصريين ويدفعهم بقوة إلى تغليب المفاهيم القبلية والاستبدادية فى السياسة كالولاء والحل الواحد وأولوية الأمن على العدل وحقوق الإنسان ويهمش المفاهيم الديمقراطية المرتبطة بطلب المعلومة ومعرفة حقائق الأوضاع إن عن السياسة والاقتصاد أو عن انتهاكات حقوق الإنسان والضحايا الذين يتوالى سقوطهم (وآخرهم طالب مدينة نصر) وعن المساءلة والمحاسبة الغائبتين.

غدًا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات