دروس من الخطة القومية الأولى - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 7:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دروس من الخطة القومية الأولى

نشر فى : الإثنين 13 أكتوبر 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : الإثنين 13 أكتوبر 2014 - 8:21 ص

كانت خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسنوات الخمس 60/1961 ـ 64/1965 من أهم الإنجازات على المستويين المصرى والعربى، بل والعالم الثالث. ومثّل الإعداد لها كأول خطة قومية سباقا مع الزمن والفكر. فقد تفاوتت الآراء حول أسباب تخلف دول العالم الثالث: البعض عزاها إلى ضعف مصادر تمويل الاستثمارات اللازمة لتوسيع قاعدة الإنتاج، بسبب محدودية رأس المال المحلى الذى تموله مدخرات محلية، يحد منها تواضع الدخل القومى، والآخر يفسره بإحجام رأس المال الأجنبى الذى كان منشغلا عقب الحرب العالمية الثانية بإعادة إعمار الدول الاستعمارية المشاركة فيها، دون أن يسألوا أنفسهم كيف يسهم وهو الذى بنى تكاثره على إفقار العالم الثالث. بينما وجه آخرون الاتهام إلى الاستعمار الذى فرض على الدول النامية التخصص فى الأنشطة الأولية، الزراعية والمنجمية، ليغذى بها صناعاته بتكلفة منخفضة ويستأثر بالتصنيع الذى من شأنه رفع مستوى الدخل، فطالبوا بأن يقترن الاستقلال السياسى بآخر اقتصادى. وقدرت هيئة الأمم المتحدة أن تلك الدول تعانى من محدودية قدرات القطاع الخاص، فشكلت فريقا من كبار الاقتصاديين أصدر تقريرا فى مايو 1951 بعنوان «إجراءات التنمية الاقتصادية للدول المتخلفة» دعا إلى دور مهم للحكومة، متجاهلا أن معظم الدول حديثة الاستقلال تفتقد أجهزة تنفيذية تتولى أداء الوظائف التقليدية للدولة، ناهيك عن دفع عجلة التنمية، سواء بذاتها أو بتشجيع القطاع الخاص المحلى والأجنبى؟.

•••

يذكر أنه عندما أنشئت فى مصر وزارة الدولة للتخطيط فى 1957، ذكر وزيرها د. عبدالمنعم القيسونى فى بيان ألقاه على مجلس الأمة أنه رغم تراكم أرصدة أجنبية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية وارتفاع أسعار القطن بفعل عوامل سياسية خارجية، فزادت قيمة الصادرات زيادة كبيرة، عانت مصر خلال السنين السبع العجاف 45- 1952 من غياب حكومات رشيدة، مما أدى إلى بعثرة الأرصدة وحدوث مضاربات فردية فى أقوات الناس وثروات الشعب وتصارعت الأهواء فضاعت فرصة سانحة للتنمية. ولم يفلح إنشاء وزارة للاقتصاد ثم مجلس استشارى اقتصادى فى 18/12/1950، فى تصحيح المسار.

وقد أخذت الثورة بنصيحة الأمم المتحدة، فألغت المجلس الاستشارى وأنشأت «المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى» فى أكتوبر 1952 كهيئة مستقلة يرأسها رئيس الوزراء وتضم الوزراء المعنيين بمشاريع التنمية وبعض الفنيين ورجال الأعمال غير المدفوعين بمصالح خاصة. ومنحته عاما يدرس خلاله مشاريع وفيرة الإنتاج ومنخفضة التكلفة ومرتفعة الأهمية للاقتصاد القومى، مع إعطاء أولوية لتوفير البترول والسكر والمنتجات الحيوانية والأسمدة والقمح، ويصوغ برنامجا يكفل تنفيذها على مراحل سنوية لا تتجاوز ثلاث سنوات، تحت إشرافه ودون تقيد بالروتين، وغلبت عليه مشاركة القطاعين العام والخاص، إضافة للمصانع الحربية. ورغم مطالبة الجهات المختلفة بدراسة قضايا التنمية على مدى خمسة أعوام، فقد ظهرت معالم تعارض العمل بنظام المشروعات مع متطلبات التوازن السنوى. فنص الإعلان الدستورى فى 10/2/1953 على تشكيل مؤتمر من بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة والوزراء لإعداد السياسة العامة للدولة فى الشئون الاجتماعية والاقتصادية. وتقوم خلال سنة بوضع خطة عامة للنهوض الاجتماعى والاقتصادى، ذات أجل محدود ومعالم واضحة تبين فيها الوسائل اللازمة لتنفيذها. وتلا ذلك إنشاء «المجلس الدائم للخدمات العامة» فى 17/10/1953 ليشرف على الأنشطة المختلفة فى المجال الاجتماعى.

ورغم أن الثورة منحت رأس المال الأجنبى حق امتلاك 51% من رأس المال، وأفسحت المجال للقطاع الخاص، فقد ظل الإقبال على المشروعات الصناعية ضعيفا. ولذلك تقرر فى 1956 إنشاء وزارة للصناعة تولاها مهندس كفء هو عزيز صدقى، وطولب بوضع برنامج خمسى للتصنيع، وتم فى 1957 إنشاء المؤسسة الاقتصادية لإدارة الشركات والمنشآت التى مُصِّرت عقب العدوان الثلاثى. وبموجب المادة 137 من دستور 1956 أصدر رئيس الجمهورية فى أوائل 1957 قرارا بإنشاء المجلس الأعلى للتخطيط القومى برئاسته ومن أعضاء يختارهم، يختص بتحديد الأهداف الاقتصادية والاجتماعية وتقسيم مراحل الخطة إلى خطط سنوية. كما أنشئت لجنة التخطيط القومى برئاسة وزير الدولة للتخطيط لتقوم بإعداد الخطة ومراحلها وأجزائها السنوية وما يلزم لذلك من تشريعات، ومتابعة وتقييم سير العمل دوريا. وبناء عليه أدمج فيها مجلس الإنتاج والخدمات، مستفيدة بما تجمع لديهم من خبرات، خاصة من إيفادهم إلى بلدان مارست التخطيط بأشكال مختلفة. وقسمت اللجنة إلى شُعب قطاعية وأخرى تعمل على المستوى الكلى، أحدها يطبق أسلوب الموازنة الاجتماعية وفق الأسلوب الهولندى، والثانى يطبق النماذج القائمة على تحليل المدخلات والمخرجات وفق الأسلوب الهندى، والثالث يستخدم موازين مصادر واستخدام السلع والخدمات وفقا للأسلوب الفرنسى.

وساهمت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة، فى مقدمتهم الهولندى تنبرجن والنرويجى فريش (وقد اقتسما جائزة نوبل فى التخطيط)، وعدد من ممارسى التخطيط فى دول مختلفة وإيفاد عاملين باللجنة للتدريب فى أجهزة دول تمارس التخطيط، فى رفع كفاءة العاملين فى اللجنة. غير أن اختلاف المدارس كان يثير أحيانا مصادمات لاسيما بين مسئولى الشُعب الكلية، وهو ما حسمه عبداللطيف البغدادى منذرا «باستئصال» المتسبب فى ذلك أيا كان. وقد لمست فى مناقشاتنا مشروع الخطة مدى حسه للجانب الاجتماعى. غير أن الأمر الذى استقطب الاهتمام هو إصرار عبدالناصر على هدف مضاعفة الدخل القومى فى عشر سنين، أى معدل نمو سنوى 7.1%، ومطالبة بعض الاقتصاديين بالاكتفاء بمعدل 4.5% فتتطلب المضاعفة 20 سنة. وبتكليف من السكرتير العام للّجنة د. إبراهيم حلمى عبدالرحمن (أستاذ الفلك الذى كان وراء إقامة عدد من المؤسسات المهمة منذ بداية الثورة ولفت النظر إلى تخطيط التنمية)، قمت بإجراء دراسة قياسية أثبتت سلامة هدف العشر سنوات. وبتكليف من حسن عباس زكى وزير الاقتصاد، قمت بإعداد إطار خطة لمضاعفة دخل الفرد فى 15 سنة وفقا للخطة الهندية، وهو ما رجح كفة هدف العشر سنوات.

•••

من جهة أخرى قام المرحوم محمود إبراهيم الذى انتقل من الإشراف على شعبة المدخلات والمخرجات إلى الإشراف على التخطيط فى الإقليم السورى فأعد إطارا لعشر سنوات. وتعذر التنسيق بين الإقليمين لأن د. محمود شافعى المشرف على شعبة الموازين السلعية اكتفى بخطة للسنوات الخمس. وبتكليف من د. عبدالرحمن أعددت إطارا تفصيليا للسنوات العشر، رغم رفض الشافعى إطلاعى على مسودات السنوات الخمس. وقد أصبح هذا الإطار مقدمة للخطة القومية الأولى للسنوات الخمس. غير أن حصر النقاش فى هدف معدل النمو دفعنى إلى نشر دراسة حول «الأهداف الاجتماعية للتخطيط» فى معهد التخطيط الذى أنشئ لإجراء بحوث علمية وتدريب العاملين فى مختلف أجهزة الدولة.

وقد كشف تنفيذ الخطة التى ما زالت نموذجا لبداية موفقة لتخطيط التنمية عن بلورة أبعاد لم تكن محددة المعالم، الأمر الذى دعا إلى تأجيل خطة أعدت للخمس سنوات الثانية ومواصلة النشاط التنموى بخطط سنوية.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات