الطعام صمام الأمن الاجتماعى - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الطعام صمام الأمن الاجتماعى

نشر فى : الجمعة 13 نوفمبر 2015 - 9:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 13 نوفمبر 2015 - 9:30 ص

(1)

استعمل القرآن الكريم لفظى «الأكل» و«الطعام»، وأبرز الفروق بين اللفظين هو أن لفظ «الأكل» عام يشمل حيازة وامتلاك أى مصدر من المصادر التى تقوم عليها صناعة الغذاء، فحيازة الزرع أو الحيوان وامتلاكه يعتبر أكلا أى اطمئنان النفس على إمكانية إشباع ذاتها. ويشترك الإنسان والحيوان فى لفظ الأكل، قال تعالى: ((وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ)). أما لفظ الطعام فهو المنتج النهائى الجاهز للتناول، أى ما يصلح تناوله مباشرة أو بجهد قليل وسرعان ما يحس الإنسان بطعم الطعام ومذاقه.

وأولى فرائض «الحراك الاجتماعى» توفير الطعام «لكل فم» بما يزيل الجوع ويهب للنفس راحة واطمئنانا، لذلك ترى القرآن الكريم قد احتوى قواعد هامة فى شأن الطعام. وأولى هذه القواعد تقرير الله وتوثيقه وتعهده بتوفير الطعام المزيل للجوع لكل فم مهما كانت علاقته بربه، حيث قال سبحانه لآدم وذريته من بعده: ((إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ)). والقاعدة الثانية هى ((رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ))، فإطعام المخلوقات كلها هبة ربانية لم يملكها لأحد من خلقه نظرا لأهمية الطعام فلا يتحكم بشر فى بشر.

كما يشير سبحانه إلى قدرة عظمى يتجلى بها على عباده حيث يقول عن ذاته سبحانه: ((وَهُوَ يُطْعِم وَلَا يُطْعَم))، أى أن جميع شئون إنتاج وإعداد وتوصيل الطعام هى شئون إلهية قد قدرها سبحانه كما بين ذلك النبى إبراهيم عليه السلام حيث يقول: «وهو الذى يطعمنى ويسقين».

(2)

وحينما نقول بتوفير الطعام لكل فم بغض النظر عن هويته ودينه وجنسه، فها هو القرآن الكريم يوضح لنا ذلك، فترى القرآن يقرر أن إطعام الطعام للجميع معلم من معالم البر ((وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينا وَيَتِيما وَأَسِيرا))، ولا شك أن الأسير هو من المعتدين المخالفين فى الدين وقد وقع أسيرا فى يد المسلمين فيوجب الله علينا إطعامه. كما يبين القرآن أن بذل الطعام للجميع عبادة عليا لا تتوقف على التبادل أو المقابل أو حتى انتظار الشكر، فانظر ((إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورا)).

كذلك تلمح القرآن وهو يرغب فى شيوع الطعام وسيولة وسهولة بذله وتقديمه حينما يحل للمؤمنين أن يقدموا طعامهم لغير المؤمنين ويسمح للمؤمنين بتناول طعام أهل الكتاب ((وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ)).

هكذا يبين القرآن أهمية الطعام وضرورته مما يعلق فى رقبة كل مسئول مسئولية توفير وتقديم الطعام لكل رعيته دون إهمال أو تمييز، بل دون انتظار مقابل أو شكر، فالوالد مطالب بإطعام أبنائه القصر، والزوج مطالب بإطعام زوجته، والحكومات مطالبة بتدبير الطعام وسهولة وصوله للناس.

(3)

فانظر إلى شريعة الله وهى تجازى المقصر فى حقوق الله أن يقدم الطعام للمحتاجين الذين لا يقدرون على الكسب لأى سبب، فاللغو فى الأيمان (أى القسم بالله) وعدم إنفاذه يفرض على التائب ((فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ)). كما جعل كفارة «يمين الظهار» ((فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينا))، وغير ذلك مشهور فى باب «الكفارات»، بل إن المسلم وهو يؤدى «فريضة الحج» يختم به«الشعائر» ويفتح الله له باب تقديم الطعام ((فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ))، وفى آية أخرى ((فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)).

فكيف يغفل الناس عن ضرورة توفير الطعام، وكيف يتربح المقامرون من الطعام أرباحا تثقل كاهل الناس، وماذا تفعل الحكومات إذا لم توفر الطعام شهيا وصحيا لكل فم؟!

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات