مسيحيو حلب: المسار والمآل - العالم يفكر - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مسيحيو حلب: المسار والمآل

نشر فى : الإثنين 13 نوفمبر 2017 - 10:20 م | آخر تحديث : الإثنين 13 نوفمبر 2017 - 10:20 م
نشرت مؤسسة الإصلاح العربى ورقة بحثية للكاتب والصحفى السورى «روجيه أصفر» تتناول موضوع المسيحيين فى مدينة حلب السورية، وتقدم الورقة ملخصا سريعا عن أوضاع المسيحيين خلال القرنين الماضيين عبر محطات أساسية من تاريخهم فى حلب، مركِّزةً على تلك الأحداث (مثل «قومة البلد» و«فتنة سوق الأحد») التى جعلت المسيحيين يشعرون بالتهديد، أو دفعتهم إلى الهجرة أو النزوح، أو خلفت لديهم شعورا سلبيا تجاه المواطنين المسلمين، أو رسخت أفكارا مسبقة سلبية فى حقهم.

بداية ذكر الكاتب أن ــ بعد مرور ست سنوات على بداية الثورة السورية سنة 2011 ــ تاريخ المسيحيين فى مدينة حلب خلال القرنين المنصرمين تعرض للكثير من الأحداث التى أثرت فى ذاكرتهم الجماعية، خاصة تلك التى اعتبرت اضطهادا أو تهديدا لهم كأفراد وجماعة لها مميزاتها فى مجتمعها المحلى.. ومن هنا تنطلق الورقة البحثية لتجيب عن مسببات موقفهم السلبى بنسبة كبيرة تجاه الثورة التى أفرزت تغييرات جذرية مادية ونفسية أصابت سوريا ككل وحلب كجزء أساسى من هذا البلد، لتبين حقيقة هذا الموقف إن كان تأييدا صرفا لديكتاتورية سادت لعقود، حكمت البلد بالحديد والنار أم استرجاع لماض لم يكن فيه لأفراد هذه الجماعة اطمئنان ــ من وجهة نظرها ــ تجاه مواطنى مدينتهم وما يمثلونه.

قومة البلد 
تسببت معاملة إبراهيم باشا الجيدة للمسيحيين فى حلب بمضايقات بعض المسلمين عقب خروج الجيش المصرى من المدينة، وربما كانت هذه الحوادث مؤسسة لـ«قومة البلد» سنة 1850 والتى أسفرت عن عدد من القتلى والجرحى المسيحيين بالإضافة إلى نهب عشرات البيوت وبعض الكنائس والمطرانيات وحرقها. الحادث الذى تعاملت معه السلطة العثمانية المركزية بحزم مقبول لم تكن السلطة المحلية على ما يبدو ملتزمة به تماما، فلم يُحاسب المذنبون كما يجب ولم يتم التعويض عن الخسائر بالكامل ودفعت هذه الأحداث بالعشرات من الأسر المسيحية إلى مغادرة المدينة.

التنظيمات
رافق «قومة البلد» وأعقبها أحداث بالغة التأثير على وضع المسيحيين، فالتنظيمات العثمانية التى صدرت عن الباب العالى لإقرار مساواة بين رعايا السلطنة مواجهة لضغوط أوروبية؛ كثيرا ما بقيت حبرا على ورق ولم تلق قبولا لدى كثير من المسلمين، وجاءت أيضا أحداث سنة 1860 «طوشة الستين» التى اندلعت فى جبل لبنان لتنتقل إلى دمشق، فكان المسيحيون ضحاياها على يد المسلمين والدروز، بينما عاش مسيحيو حلب على أعصابهم بانتظار تكرار سيناريو 1850، الأمر الذى لم يحدث على الرغم من التهديدات والمحاولات. ولكن الأخبار الواصلة من لبنان ودمشق عززت كل المخاوف المتراكمة.

نهاية السلطنة
عاد القلق لينتاب مسيحيى المدينة بعض الشىء أواخر القرن مع قمع السلطان عبدالحميد الدموى للأرمن سنتى 1894 ــ 1895 فى أثناء «أحداث الزيتون» واستقبال المدينة أعدادا من اللاجئين المسيحيين من الأرمن وغير الأرمن قادمين من منطقة مرعش، وانخرط مسيحيو المدينة فى الخدمة العسكرية سنة 1910 بعد أن كانوا منذ إلغاء الجزية يدفعون البدل على نحو جماعى تكافلى. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى اقتيد هؤلاء للخدمة العسكرية ــ كما غيرهم ــ قسرا، وهو ما دفع بكثيرين إلى ارتياد طريق الهجرة، وهو ما ساهم على نحو مؤثر مع الجماعات المرافقة للحرب وعدد ضحايا الخدمة العسكرية فى خفض أعداد المسيحيين فى المدينة.

فتنة سوق الأحد
أضاف الكاتب أنه فى أكتوبر 1936 قامت «فتنة سوق الأحد» بين المسلمين والمسيحيين التى قُتل فيها مسيحيان ومسلم بالإضافة إلى عشرات الجرحى، فاستعادت الذاكرة حوادث 1850 و1860 على الفور. وساهمت هذه الحادثة فى دفع عائلات مسيحية إلى مغادرة الأحياء التى سكنتها قبلا إلى أحياء ذات طابع مسيحى خوفا على أمنها وراحة بالها فى حال تكرار فتن مشابهة، وهكذا مع نشوء الأحياء المسيحية الجديدة تكرس على نحو تدريجى واضح الفصل السكنى بين المسيحيين والمسلمين فى المدينة، فلم يبق فى المدينة القديمة (داخل الأسوار) إلا ما ندر من العائلات المسيحية.

الاستقلال والوحدة
عام 1945 قامت مظاهرات ضد الفرنسيين تم خلال بعضها الاعتداء على أديرة مسيحية وقيل إن الإنجليز كانوا يقفون وراء الاعتداء، وهم فعلا قاموا بعرض حمايتهم على مطران الروم الكاثوليك الذى رفضها رفضا قاطعا. ثم تنديدا بحرب السويس كانت مظاهرات 1956 التى أسفرت عن حرق مدراس ومعابد مسيحية وقد خففت من هذا التعدى الذى كان له وقع شديد السوء على مسيحيى المدينة تدخلات ايجابية لشخصيات مسلمة.

حكم البعث
كان لتأميم الملكيات الزراعية والمعامل منذ عام 1958 والذى أصاب المسلمين كما المسيحيين أثر بالغ السوء على الجميع بمن فيهم المسيحيون الذين غادرت دفعة جديدة منهم البلاد إلى لبنان والمهجر. هذه المرة كان المهاجرون من النخب المالية والتجارية والثقافية وبهم فقد المجتمع المسيحى الحلبى جزءا مهما من قادته الفعليين والمحتملين وشريحة من أبنائه الأكثر وعيا. كما شكل الاستيلاء على المدارس الخاصة سنة 1967 ضربة للمجتمع المسيحى الحلبى؛ فقد أضعف هذا الأمر ثقة المسيحيين بدولتهم وأفقدهم الحق بالتعليم الخاص مما شكك ضمنيا فى وطنيتهم، وألغى الدور التنويرى المشهود له لهذه المدارس التى ساهمت إسهاما مباشرا فى دعم العيش المشترك بين أبناء المدينة.

الذاكرة المسيحية الجماعية ودور الكنيسة
خلال كل هذه الأحداث الطائفية منذ أيام السلطنة العثمانية مرورا بمرحلة الانتداب الفرنسى فالاستقلال وصولا إلى حكم حزب البعث؛ لم تكن بنية ذاكرة مسيحيى المدينة بنية موضوعية، وهذا أمر مفهوم. فبعيدا عن خطابات العيش المشترك البروتوكولية؛ أظهرت الأحاديث المتداولة فى الغرف المغلقة أن هذه الذاكرة كانت انتقائية فالجدات ينقلن عن أسلافهن هتاف مسلمين خلال فتنة 1850 بعبارة» أجى يومكم يا نصارى» لكن دور المسلمين فى حماية جيرانهم المسيحيين لم يحضر فى الذاكرة الشعبية إلا فيما ندر.
فى هذا الإطار لم تمارس الكنسية من خلال أدواتها التى كانت تتمتع بها دورا توفيقيا وتوعويا بين أبناء الدينين إلا فى حالات كانت قصيرة أو مقتصرة على نخب محدودة التأثير لأسباب مختلفة.

الثورة السورية 2011
قبل اندلاع الثورة السورية وبسبب سياسات غير معلنة للنظام استمرت على مدى عقود حكمه؛ ترسخ لدى المسيحين فى حلب شعور باهتمام خاص بهم من قبل النظام، الذى ضمن لهم بطرق مباشرة وغير مباشرة «امتيازات» هى فى حقيقتها حقوق؛ مثل حرية العبادة والاحتفالات الدينية واستمرار نشاط المنظمات شبه الأهلية الملحقة بالكنسية كالأخويات وأفواج الكشافة، وتعامل النظام مع المسيحيين باعتبارهم جماعات لا باعتبارهم أفرادا وهو أمر مألوف لدى الأنظمة الديكتاتورية حيث يستمد الفرد نقاط قوته من انتمائه إلى الجماعة، لا من اعتباره مواطنا فى دولة تحترم مفهوم المواطنة، وقد اتخذ مسيحيو المدينة فى غالبيتهم العظمى موقفا مؤيدا للنظام السورى منذ اندلاع الثورة سنة 2011 وفى الوقت عينه انخرط مسيحيون كثر فى العمل الإغاثى ضمن شروط النظام وهو النشاط الذى أجادوه نظرا لخبرات العمل الجماعى المنظم المتراكمة لديهم بفعل حركاتهم الكشفية وأخوياتهم، فى حين كان مسلمو المدينة شبه محرومين بالكامل من منظمات شبيهة على الأقل حتى بداية عهد بشار الأسد.

مواقف ومشاهدات مسيحية خلال الثورة
يمكن ملاحظة أن المسيحيين ــ عدا الأرمن ــ لم ينخرطوا على نحو جماعى فى ميليشيات تحت مسمى «الدفاع الوطنى» وذلك بتوجيه من قادتهم الروحيين مفضلين عدم حمل السلاح. وفى المقابل كانت للمسيحيين مواقف شديدة الوضوح فى وقوفهم إلى جانب النظام ومعاداتهم للمواطنين الذين اتخذوا موقفا معارضا مسيحيين كانوا أم مسلمين. 
من العوامل المهمة والمؤثرة هنا أن أغلب مسيحيى المدينة هم من سكان شطرها الغربى الذى بقى تحت سيطرة النظام بينما هجر السكان المسيحيون القلائل فى الشطر الشرقى بيوتهم حال وقوعه تحت سيطرة المعارضة.
ختاما ذكر الكاتب أن موقف المسيحيين الحلبيين من الثورة السورية فى غالبه موقف مؤسف، مناقض للروحانية المسيحية الحقة، مثلما عُرفت فى الإنجيل وفى محطات تاريخية عديدة. هذا الموقف قد يستدل به على حالة الاحتضار التى يعيشها الوجود المسيحى فى هذا الشرق وخاصة فى مدينة شكلت موقعا محوريا فى تاريخ مسيحيى المنطقة، إذ يشعر المراقب أن المسيحيين سيتحولون كما أقرانهم فى إيران إلى «موجودات متاحف» نعم، هم موجودين، لكن لا تسأل عن عددهم وفاعليتهم.
إن حال المسيحين الذين لم يحسنوا شعبا وقيادات روحية التموضع وبراجماتيا تجاه الأحداث التى هبت فى بلدهم الذين ساهموا هم أنفسهم فى صنعه؛ هى حال بائسة بالتأكيد على الرغم من التشدق بالنصر وبعودة حلب.
ومن الجسارة القول إن ما خرب فى علاقة المسيحيين بقسم من مواطنيهم وفى مقاربتهم لعلاقتهم بمدينتهم والأحداث التى تمسها قد صار غير قابل للإصلاح، ولكن القيام بخطوات محبة حقيقية، إنسانية وصادقة بعيدة عن التحيز السياسى والتمييز الطبقى بتنشئة جيل مسيحى صحيح النظرة إلى الآخر من شأنها أن تنجح فى تأسيس أرضية يُبنى عليها. لكن، هذا كله غير قابل للنجاح فى حال استمرار حكم هذا النظام، وللأسف، يبدو أن علاقة المسيحيين أو قياداتهم بالنظام محكومة بنمط واحد غير قابل لتبديل أو تغيير.

النص الأصلي

 

التعليقات