لا وجه للمقارنة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا وجه للمقارنة

نشر فى : السبت 13 ديسمبر 2014 - 8:25 ص | آخر تحديث : السبت 13 ديسمبر 2014 - 8:25 ص

لدى شك فى براءة الاهتمام الملحوظ من جانب الصحف المصرية بمتابعة أخبار المظاهرات الحاصلة فى الولايات المتحدة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، خصوصا اشتباكات الشرطة معها التى لم تتوقف طيلة تلك الفترة. ذلك اننى أظن ــ وبعض الظن إثم ــ ان ثمة هدفا سياسيا وراء ذلك يراد به إسقاط ما يجرى هناك على ما يحدث فى مصر، والإيحاء بأن ما نشهده فى مصر له نظيره فى الديمقراطيات الغربية بما فى ذلك اشتباك الشرطة مع المتظاهرين واعتقال بعضهم. وإذ أتمنى أن تكذب الأيام ذلك الظن الذى ذهبت إليه، إلا أنه لم يغب عن بالى منذ وجه المتحدث باسم الداخلية المصرية بهذه المناسبة موعظته الشهيرة فى أغسطس الماضى للسلطات الأمريكية. ذلك انه انتهز فرصة المظاهرات التى انطلقت فى ولاية ميسورى إثر قتل الشرطة لأحد الأمريكيين السود فدعا السلطات الأمريكية إلى «اللجوء إلى الحوار والاحتكام لمعايير حقوق الإنسان الدولية، وعدم استخدام القوة المفرطة فى مواجهة المتظاهرين السلميين والعزل». لم تكن النصيحة لوجه الله بطبيعة الحال، ولكن المتحدث باسم الداخلية أراد أن يكسب نقطة فى مواجهة الأمريكيين، وان يلقنهم درسا فى أصول التعامل الرشيد مع المظاهرات، الذى افترض ان مصر مدركة له وملتزمة به وتوحى الآخرين باحتذائه.

لن أخوض فى أصداء النصيحة سواء عند الأمريكيين أو فى أوساط الحقوقيين المصريين والأجانب، الذين يعرفون عن الموضوع أكثر مما نعرف. ذلك أن ما يهمنى هو أن توضع المظاهرات الحاصلة فى الولايات المتحدة فى إطارها الصحيح، سواء فى دوافعها وموضوعها، أو فى موقف الشرطة وكذلك الإدارة الأمريكية والمجتمع منها. فالمظاهرات لم يكن لها طابعها السياسى، ولكنها كانت تعبيرا فى الاحتجاج على عنصرية الشرطة وتحيز القضاء. ذلك ان قطاعات من الأمريكيين استفزها عدم توجيه الاتهام للضابط الأبيض الذى قتل الشاب الأسود مايكل براون (18 سنة) فى بلدة فيرجسون بولاية ميسورى، كما انهم استشاطوا غضبا حين تسبب نظير له من البيض فى قتل رجل أسود اسمه اريك جارنر (46 سنة). وهو ما أثار غضب أعداد كبيرة من الأمركيين السود ومعهم آخرون من البيض فخرجوا إلى الشوارع معلنين إدانتهم لذلك المسلك العنصرى ونقمتهم على الشرطة التى تسببت فى القتل وعلى المحلفين الذين امتنعوا عن محاسبة القتلة بحجة عدم كفاية الأدلة. وخلال تظاهراتهم فى المرتين الأولى والثانية، فإنهم خرجوا فى عدد كبير من المدن حيث افترشوا الميادين وحطموا واجهات بعض المحال التجارية ومنهم من قام بنهبها، كما انهم أحرقوا سيارات الشرطة وقطعوا بعض الطرق والجسور. ورغم كل ذلك فلم يوصفوا بأنهم مخربون أو إرهابيون، ولم تطلق الشرطة رصاصة واحدة على جموعهم. وفى محاولتها تفريق المتظاهرين ووقف اعتداءاتهم فإنها استخدمت لأجل ذلك قنابل الدخان وخراطيم المياه ورذاذ الفلفل الحار. وكان أقصى ما فعلته الشرطة انها اطلقت رصاصات فى الهواء للتخويف والترهيب. والقت القبض على بعض الذين اشتركوا فى نهب المحال العامة.

بالتوازى مع ذلك فإن رموزا مهمة من المثقفين والفنانين ونجوم الرياضة أعلنوا تأييدهم للمتظاهرين واستهجانهم للمسلك العنصرى الذى كشفت عنه القضيتان. بل ان الرئيس باراك أوباما وقف إلى جانب المتظاهرين ودعاهم إلى الاحتفاظ بسلمية تظاهراتهم. وقال صراحة فى حديث تليفزيونى ان العنصرية ضد الأمريكيين من ذوى الأصول الأفريقية متأصلة بشدة فى المجتمع الأمريكى، كما انتقد وزير العدل فى الحكومة استخدام الشرطة للقوة المفرطة، ودعا إلى ضرورة «تطبيق قواعد جديدة صارمة وأساليب وقائية متينة لوضع حد لعنف الشرطة». وتنافس السياسيون فى انتقاد ما جرى. وكان من بينهم هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية السابقة التى يرجح ان تخوض الانتخابات الرئاسية عام 2016، إذ دعت إلى إصلاح نظام العقوبات ووسائل الشرطة منددة بـ«تعرض السود أكثر من البيض للاعتقال والتفتيش من قبل الشرطة، ثم اتهامهم وإدانتهم بأحكام سجن أطول». ونشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية مقالة فى 26/11 كتبها جيسى جاكسون المرشح السابق للرئاسة وأحد أبرز مناضلى الحقوق المدنية فى أمريكا قرر فيها أن الحكومة الفيدرالية فشلت فى مد الجسور بين البيض والسود. وذكر أنه فى الولايات المتحدة فإن احتمال موت الشاب الأسود يفوق 21 مرة احتمال موت الشاب الأبيض. وان معدل اعتقال السود هو عشر مرات أكثر من معدل البيض رغم ان معدل الجريمة فى وسط السود ليس عشرة أضعاف نظيره لدى البيض.

الشاهد أنه لا وجه للمقارنة بين المظاهرات فى الولايات المتحدة وتلك التى تخرج عندنا. فالقضية عندهم اجتماعية وعرقية بالدرجة الأولى، فى حين أنها عندنا سياسية بامتياز. وسلوك الشرطة عندهم ــ رغم عنصريتها ــ يختلف جذريا عما هو حاصل فى بلادنا. وموقف السياسيين بمن فيهم رأس السلطة ومؤسسات المجتمع المدنى أنضج بمراحل منه عندنا على الأقل من حيث إنه ليس أسير الاستقطاب المقترن بدعوات الإقصاء والكراهية. ثم ان هناك قانونا يخضع له الجميع، ومؤسسات تحاسب وقوى سياسية تراقب، وعالم آخر لا علاقة له بالعالم الذى نعايشه، ومع ذلك ندس أنوفنا فى شئونهم وكأننا أنداد لهم وان «الحال من بعضه»، فى حين ان ذلك تطفُّل لا لزوم له، فضلا عن انه لا يقنع أحدا منهم أو منا.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.