الإنسان ذلك المعلوم 5 ـــــــ مخلوق حر الإرادة - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم 5 ـــــــ مخلوق حر الإرادة

نشر فى : الجمعة 14 فبراير 2014 - 5:05 ص | آخر تحديث : الجمعة 14 فبراير 2014 - 5:05 ص

جمال قطبكثيرا ما يشرد الإنسان مفكرا بينه وبين نفسه، أو مجادلا مكابرا مع غيره حول قضية مختلقة ومفتعلة تلف وتدور حول «هل الإنسان مسير أم مخير»؟

وأقول «مختلقة» و«مفتعلة» لأن البحث فيها عشوائى يسير على غير هدى، فإما أن النفس «الأمارة بالسوء» تريد أن تتفلت من الالتزام ومن تحمل المسئولية لأنها ــ كما تدعى ــ مسخرة لا تملك من أمر ذاتها شيئا، وإما أن النفس تريد أن تضل صاحبها فتحمله ما لا طاقة له به، حتى ييأس ويتراجع عن عدالة الفطرة واستقامة العقل.. لذلك فالشرع الحكيم يحرضك دائما على مراجعة رغباتك حتى لا تقع فريسة للـ«هوى» الذى تزينه النفس لصاحبها.

(1)

و«حقيقة الإنسان» ــ كما نرى بأنفسنا ــ مسير فيما لا يستطيع أن ينجزه لنفسه فقط، فهو مسير لا دخل له فى بداية حياته وانتهاء أجله. ومسير فى رزقه، ومسير لا يستطيع الخروج من بين السماء والأرض. وهذا لعدم قدرته على تنسيق حياته مع بقية البشر (طعامه/ شرابه/ كساؤه/ سكنه.. إلخ)، فلا يستطيع تقدير الزمن الذى يلزمه لكل شيء، وإذا استطاع تقدير الزمن لا يستطيع تقدير الحالة الصحية والنفسية والعقلية اللازمة له ليفعل ما يفكر فيه. كذلك لا قدرة له على تقدير رزقه لأنه لا علم له بتطور الأحوال وتغير الأشياء، كما أن الإنسان مسخر مسير فيما يحفظ حياته حتى آخر يوم فيها.

فالإنسان، فى الحفاظ على حياته، مسير تتولى «القدرة الإلهية» إدارة أجهزة جسمه (الدورى/ الهضمى/ التنفسى.. إلخ) حيث إن الإنسان ينام ويسترخى وينسى وتأخذه الأشغال والهموم، فلا يستطيع مباشرة الشئون الحيوية لاستمرار حياته.. فإذا رأى الإنسان أنه يولد ويموت دون إرادته، وأن النوم يأخذه أخذا فينام بغير رغبته، ويستيقظ بغير إذنه، كما أن عمليات الهضم والتنفس والدورة الدموية وتشغيل جميع خلايا الجسم وأعضائه وحواسه، كل ذلك يتم بإرادة عليا لا دخل له فيها.. فلا يتصور الإنسان أن ذلك تسيير وضغط، بل إن «هذه الأنشطة هى سر حياة الإنسان»، ولا يقدر الإنسان على القيام بها، فهل إذا رحمك الله ولم يحملك مسئولية الحفاظ على حياتك ترى ذلك تسخيرا وتسييرا.. ألا ما أكفر الإنسان بالنعمة والمنعم.

حقا ((...إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)) ينكر نعمة الله ودعم الله له، بل ويعتبره تسييرا وتسخيرا.

وإذا أردت أن تعرف أهمية وقيمة إدارة شئون جسمك بواسطة «الإرادة الإلهية العليا» فانظر الفرق بين الحالة الصحية لإنسان محافظ على الفطرة، وبين إنسان آخر يمارس التدخين فقط، ستعلم أن الله قد رحمك رحمة واسعة إذ حفظ لك «جهازك التنفسى» وأبعده عن مساوئ اختيارك وتصرفك.

(2)

أما «حريتك وإرادتك» فأنت تراها موفورة كاملة تستطيع أن تفعل ما تريد من حركة أو سكون وغفلة أو يقظة، وإنتاج أو استهلاك. كذلك تستطيع التفكير فى كل ما يعرض عليك، وتتخذ فيه قرارا بالقبول أو الرفض، فأنت الذى تختار أن تصلى أو تمتنع، وأنت الذى تختار مهنتك، وتختار مسكنك وملبسك ومطعمك بإرادتك فى حدودك التى تقدر عليها. فاسأل نفسك واجعلها تصارحك هل أحسنت اختيار مهنتك طبقا لقدراتك؟ وأيضا هل أحسنت تقسيم وتنظيم وقتك، الذى هو عمرك، أم أنك أهدرت كثيرا من عمرك دون جدوى ترضيك؟

• وأنت كذلك تنتقى طعامك وشرابك وكساءك كما تحب، فهل اعتدلت فى قراراتك واختيارك أم وقعت فى الإسراف والتبذير أو البخل والشح؟ وأنت تختار إقامتك كما تحب، وتصالح وتخاصم كما تحب، فهل أحسنت اختيار أصحابك؟ وأحسنت توزيع وقتك بين ضروراتك وبين أصحابك؟

وهذا كله يؤكد أنك «حر ذو إرادة تفعل ما تريد»، وأنت تؤدى من الفرائض الشرعية ما تعزم عليه وتتغافل عما لا تعزم عليه، وإذا حال حائل بينك وبين ما تحب أصررت إصرارا وتمسكت حتى تبلغ ما تريد. فما الذى يجعلك تقول إنك مسير؟ تريد أن تتخلى عن المسئولية وتدعى العجز ؟! هكذا فالواقع المشاهد الذى يعايشه كل الناس يؤكد أن الإنسان «حر الإرادة يفعل ما يريد»، بل إن التعبير بلفظ «حر» أصبح شعارا يرفعه كل من يتمسك بخطأ فعله فحينما يسأله أحد: «لماذا فعلت ذلك؟» فيكون الرد المباشر: «أنا حر» «الأمر يخصني» «هذه مسئوليتى».

والغريب أن التعبير صحيح لكن التصرف خطأ، فالحر عاقل يستشير ويتأنى قبل أن يفعل ما يريد. أيها الإنسان إذا كنت كريما على نفسك فلا تستسلم للعجز والكسل متصورا أن عجزك هو إرادة إلهية، واعلم أن العجز منك أنت، فإما أنك تحاول فيما لا نفع ولا جدوى له، وإما أنك تستهلك قواك ووقتك فى توافه الأمور، ثم لا تجد قوة ولا وقتا لما هو أولى وأهم.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات