إلهام.. وسط البلد - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إلهام.. وسط البلد

نشر فى : السبت 14 فبراير 2015 - 8:40 ص | آخر تحديث : السبت 14 فبراير 2015 - 8:40 ص

فى مسابقة المهرجان القومى للأفلام المصرية، عام ١٩٩٧ ـ إذا لم تخنى الذاكرة ـ اندلع خلاف حاد بينى وبين رئيس لجنة التحكيم، الكاتب الكبير سعد الدين وهبة، المتحمس ـ وعنده الأسباب ـ لدور ليلى علوى فى «يا دنيا يا غرامى» لمجدى أحمد على، بينما تمسكت بمنح جائزة التمثيل لإلهام شاهين، برغم الأداء الجميل، المتفهم، للصديقة الغالية، الجدعة، ليلى علوى، ذلك أنى رأيت فى أداء إلهام شاهين، فى موقفين، ما يصل بمستوى فن التمثيل إلى قمة جديرة بالاعتراف والإشادة.

أحدهما، حين تنتظر خطيبها المتوقع، حسن العدل، الذى ذهب للحمام فى الكازينو، بعد أن أخطرته أنها ليست عذراء.. «العدل»، بعد قضاء حاجته، يخرج من الباب بدون علمها.. ولدقائق قليلة، ترصد الكاميرا، وجه إلهام شاهين، الصامت، الذى يعبر، بصدق وعمق، عن انفعالات متوالية، متغيرة، تبدأ بدرجة ما من الارتياح، كما لو أن عبئا تخلصت منه بالمصارحة.. ثم، مع تأخره، يمتزج فى عينيها القلق مع نوع من الأمل، يخبو شيئا فشيئا، ليحل مكانه اليأس.. قبل أن تهم بالمغادرة، يتلاشى ؟؟؟ ملامحها وتتوغل التعاسة فى عينيها.

الموقف الآخر، عندما تصحبها صديقتاها ـ ليلى علوى، هالة صدقى ـ إلى طبيب كى يجرى لها اللازم. داخل المترو، حين يصل للمحطة، تتجمد، لا تستطيع القيام، ولأننا نعرف طبيعتها، ندرك ما الذى جعلها تحس أنها مقدمة على عملية خداع، وبالتالى، ترفضها، بروحها، وجسدها.

هكذا، بلا صخب، ومن دون كلام، عبرت إلهام، بملامح وجه شفاف، عن أدق خلجات الشخصية التى تعايشها، بروحها، وجسدها.

قبل أن أنتقل إلى الفقرة التالية، أحيطك علما بأن الخلاف داخل لجنة التحكيم، تصاعد واحتدم، إلى أن توصلنا لنتيجة مرضية: إلهام تفوز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، وليلى تفوز بجائزة التمثيل.

هذه الحكاية بمناسبة أداء إلهام شاهين فى «هز وسط البلد» الذى أنتجته، فى خطوة شجاعة، تحسب لها، أيا كانت النتائج.

«هز وسط البلد»، كتبه وأخرجه محمد أبوسيف، ملتزما بوحدتى الزمان والمكان، فالأحداث كلها، تستغرق أقل من نهار واحد، وتقع فى شارع بوسط البلد.. فكرة الفيلم، نظريا، على قدر كبير من الأهمية، تتضمن موقفا نقديا، تحذيريا، لمجتمع فاسد، أعضاؤه لا ينتبهون إلى أنهم يعيشون، يتحركون، يرتكبون آثامهم، وتحتهم، وبجوارهم، قنابل قد تنفجر فى أى لحظة.

لكن هذا الفيلم، وأى فيلم آخر، ليس مجرد الفكرة فقط، بل عديد من العناصر التى تتكاتف، إما لإبراز الفكرة والارتقاء بالعمل، أو تؤدى لطمس الفكرة وتصدع الفيلم.

لم يكترث صناع الفيلم بشكل الشارع، ولا مكوناته، فالمفترض أن ثمة دار عرض، مقهى، كشك سجائر، محال، عمارات، عربة تبيع المقانق، مما يعنى أن الشارع بالغ الطول، لكن هنا، مجرد بلاتوه صغير، ضيق، مما أدى إلى تكدس تلك المكونات، على نحو لا يمكن تصديقه، فالفيلم يبدأ بمنتج سينمائى رقيع «تامر عبدالمنعم»، يسير فى الشارع مترنحا، ممسكا بكوب به بقايا منكر.. ثم ممثلة فاقدة لتوازنها، من شدة السكر، تدخل عمارتها المتواجدة فى الشارع، تتكاد تتهالك على نفسها، يسندها شاب ملتح، فى طريقه لصلاة الفجر، وهو الذى سنراه لاحقا، يصنع القنابل لرجل غامض. دار العرض، مجرد باب ضيق، يؤدى إلى ممر، لا علاقة له بشكل أى دار عرض، والفيلم الذى سيعرض عنوانه «صدر وورك»! ومن إنتاج المترنح وربما ستنزعج ـ مثلى ـ من هذا التصور العابث لصناعة السينما، التى تقدم أفلاما جادة، إلى جانب الردىء، الذى لا يصل فى عناوينه إلى درجة «صدر وورك».

يتوالى ظهور الشخصيات، عددها كبير، وبالضرورة، بدت حمولتها أضخم من طاقة الفيلم، وكلها فاسدة، فيما عدا شاب طيب، مخلص ووديع «أمير رمسيس»، سنكتشف فى النهاية، أنه الأكثر خبثا وانحرافا، ذلك أنه سيسرق أموال الجميع ويهرب.

من بين جحافل الشخصيات، تبرز «حورية»، إلهام شاهين، لتشغل المساحة الأوسع. عملها «التسول»، لم يكتف الفيلم أن يجعل لها ابنا أو اثنين، لكن حملها بأربعة أطفال دفعة واحدة، تفقدهم الواحد تلو الآخر، خلال السويعات الزمنية للفيلم، بطريقة تقترب للميلودراما. أحدهم يتوه، الثانى تبيعه، بناء على نصيحة الشرير جدا، مدير السينما «فتحى عبدالوهاب»، الثالث تدهسه عربة فيموت فى الحال، وفى نوبة من الهستيريا تلقى بالرابع فى صندوق قمامة، وتهيل عليه الشخائم.

ما يعنينى هنا هو طريقة أداء إلهام شاهين، الأعمق والأطول خبرة، تفاجئنا بأسلوب ينتمى إلى الثلاثينيات، حيث المغالاة، والتورم الانفعالى، والتزيد فى الحركة، فبعد بيعها لفلذة كبدها، ينتابها الشعور بالذنب. تجلس على الرصيف، تخلع شبشبها، تضرب به رأسها. ليس ثلاث أو أربع مرات، بل ما يزيد على دستة. تولول وتصرخ، وقبلها، وبعدها، لابأس من العويل ولطم الخدود.

ثم، حين يأتيها الجنون فجأة، تعبر عنه بطريقة خارجية، غليظة، فيها من الافتعال الشىء الكثير.

الأداء التمثيلى، إجمالا، يتعثر فى المباشرة، لا يهتم بلغة العيون، يعتمد على أنواع من شعوذة الأصوات، والكليشيهات المحفوظة عن المرأة الخليعة، والقوادة، والفتاة المسترجلة.. وهى أمور واردة بالنسبة لممثلين فى بداية الطريق.. لكن أن تتأتى من فنانة كبيرة، فإنه الأمر المزعج تماما. ميزة إلهام شاهين هنا، أنها جعلتنا نتذكرها، بتقدير رفيع، فى «يا دنيا يا غرامى».

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات