منهج الصمت والنفى الرسمى - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

منهج الصمت والنفى الرسمى

نشر فى : الأحد 14 فبراير 2016 - 10:10 م | آخر تحديث : الأحد 14 فبراير 2016 - 10:10 م
هى نفس الطريقة التى أدارت بها السلطات المصرية كارثة إسقاط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء ومصرع جميع ركابها وطاقمها الملاحى، هى نفس الطريقة التى تعتمد مزيجا من الصمت والنفى منهجا وحيدا للتعامل مع رأى عام عالمى يطالب بالشفافية ومع حكومات أجنبية تخترق حواجز الصمت والنفى لتؤكد قبل أسابيع أن إسقاط الطائرة الروسية كان نتيجة عملية إرهابية، ولتؤكد اليوم أن الباحث الإيطالى جوليو ريجينى قتل فى مصر بعد تعرضه للتعذيب وأن شبهة تورط الأجهزة الأمنية حاضرة بقوة.

فى كارثة الطائرة الروسية رتب منهج الصمت والنفى الرسمى لجوء بعض حكومات الدول الأجنبية إلى إجراءات صادمة ــ الإصرار على المشاركة فى التحقيقات التى تجريها السلطات المصرية، الإعلان الأحادى عن الطبيعة الإرهابية للكارثة، ترحيل الرعايا من مصر، إيقاف رحلات الطيران من وإلى مصر إلى أجل غير مسمى، إلغاء تعاقدات بين شركات سياحية أجنبية وشركات مصرية، إيفاد فرق أمنية لتقييم مستويات الأمان فى المطارات المصرية. ولم يكن أمام السلطات المراوحة بين الصمت والنفى سوى قبول إجراءات الأجانب الصادمة، ومحاولة استرضاء حكوماتهم بتقديم التنازلات المتوالية بشأن تكليف شركات أجنبية بتحسين مستويات الأمان فى المطارات.

دعك من أحاديث المؤامرة التى أطلقتها الأذرع الإعلامية للسلطات المصرية، والاتهامات الجزافية التى وزعت يمينا ويسارا باتجاه الأجانب المتآمرين لتدمير صناعة السياحة والاقتصاد، ومقولات «سنتحمل» الوهمية التى أريد منها حشد تأييد شعبى للصمت والنفى الرسميين عوضا عن الاعتراف الشفاف بحدوث اختراق أمنى فى مطار شرم الشيخ وبصعوبة مواجهة عصابات الإرهاب وبرغبة مصر فى التعاون مع الحكومات الأجنبية المعنية (الحكومة الروسية هنا) والقادرة على المساعدة (عرضت حكومات مختلفة على السلطات المصرية المساعدة). فالمؤكد هو أن مصر خسرت الكثير من إدارتها لكارثة الطائرة الروسية، ومن منهج الصمت والنفى الرسمى الذى لم يتوقف إلى يومنا هذا ــ إلى الآن لم يصدر التقرير الرسمى بشأن الكارثة، ولم تعترف السلطات المصرية بطبيعتها الإرهابية.

واليوم يتكرر الأمر إزاء القتل البشع للباحث الإيطالى جوليو ريجينى، صمت ونفى وحكومات أجنبية غاضبة ورأى عام عالمى تقدم له وكالات الأنباء العالمية دلائل متتالية على أن قتل ريجينى حدث بعد تعرضه للتعذيب وعلى الاشتباه فى تورط الأجهزة الأمنية المصرية.

غير أن جريمة قتل ريجينى لم ترتكبها عصابات إرهاب يدينها العالم ويقر بحق السلطات المصرية فى محاربتها، وإن اعترض على اختزال الحرب على الإرهاب فى الأدوات الأمنية والعسكرية وعلى المعدلات المتصاعدة للعنف الرسمى. جريمة قتل ريجينى، حال ثبوت تورط الأجهزة الأمنية بها، ستوصف كجريمة قتل خارج القانون ارتكبتها سلطات رسمية لا تلتزم سيادة القانون ولا ضمانات حقوق وحريات الناس. ستوصف كجريمة تعذيب تورطت بها أجهزة أمنية لا تراقب ولا تساءل ولا تحاسب. ستوصف كعنف رسمى صارخ تراكمت شواهده خلال الأعوام الماضية وتوالى سقوط ضحاياه من المصريات والمصريين حبسا وتعذيبا وقتلا خارج القانون قبل أن يقتل الباحث الإيطالى. ستوصف كجريمة تتحمل مسئوليتها الحكومة المصرية، وستختلف هنا بالكامل عن توصيف كارثة الطائرة الروسية كإرهاب تتوالى جرائمه فى أماكن عديدة ولا تسأل الحكومة المصرية بصدده سوى عن الإخفاق الأمنى قبل حدوثه ومنهج الصمت والنفى فى أعقابه.

وإذا كان منهج الصمت والنفى الرسمى قد حمل مصر ثمنا فادحا بعد كارثة الطائرة الروسية، فالأرجح أن تداعياته ستكون أشد فداحة فى حالة جريمة قد يثبت تورط السلطات المصرية فى ارتكابها. أعيدوا حساباتكم، الشفافية الآن وإصلاح الأجهزة الأمنية فورا.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات