حظر النشر تهديد للأمن القومى - أشرف البربرى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حظر النشر تهديد للأمن القومى

نشر فى : الأربعاء 14 فبراير 2018 - 11:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 14 فبراير 2018 - 11:00 م

الخلاصة التى توصل إليها قضاة المحكمة العليا الأمريكية عام 1971 أثناء نظر قرار المدعى العام لمدينة نيويورك بحظر نشر وثائق خاصة بالحرب الأمريكية فى فيتنام هى أن «حظر النشر وليس النشر هو ما يهدد الأمن القومى الأمريكى» لأنه يتيح للسلطة التنفيذية إخفاء خطاياها فى إدارة الحرب التى يدفع الشعب ثمنها من أرواحه وأمواله.

ففى ذلك العام حصلت صحيفتا نيويورك تايمز وواشنطن بوست الأمريكيتين على النص الكامل لدراسة سرية أجرتها وزارة الدفاع الأمريكية عن كارثة حرب فيتنام وكيف أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة ضحت بأرواح آلاف الشباب الأمريكيين فى حرب لا يمكن الانتصار فيها لمجرد تجنب الاعتراف بفشل سياساتهم وخياراتهم بعيدا عن رقابة الكونجرس والشعب.

وعندما بادرت نيويورك تايمز بنشر الحلقة الأولى من وثائق هذه الدراسة سارعت وزارة العدل الأمريكية إلى إصدار قرار بحظر النشر استجابة لطلب من وزارة الدفاع بدعوى «حماية أسرار الدولة والاصطفاف مع القوات المسلحة التى تخوض معركة الكرامة الأمريكية فى فيتنام وحماية لأرواح الجنود».

لكن صحيفة واشنطن بوست حصلت على نسخة من الوثائق واختار رئيس تحريرها فى ذلك الوقت بن برادلى تحدى قرار المدعى العام فى نيويورك على أساس أن القرار ملزم لمدينة نيويورك فقط، ونشر الوثائق لإيمانه بأن حماية أرواح الشباب الأمريكى التى تحصدها حرب فيتنام والحفاظ على الأمن القومى الأمريكى والنظام الديمقراطى تستوجب كشف أسرار هذه الحرب التى يصر الساسة على مواصلتها مهما كان الثمن. وانحازت صاحبة الصحيفة ورئيسة مجلس إدارتها كاترين جراهام لهذا الرأى على أساس أن «الطريقة الوحيدة لحماية حق النشر هى النشر» على حد تعبير برادلى.

وبالفعل نشرت «واشنطن بوست» الحلقة الأولى من الوثائق لتجد نفسها فى مواجهة الإدارة الأمريكية «الباطشة» للرئيس نيكسون وقرار قضائى بحظر النشر، فيتم اللجوء إلى المحكمة العليا الأمريكية لحسم الخلاف بين السلطة التنفيذية وسلطة الصحافة حول حدود حق النشر.

وكما فعلت «واشنطن بوست» دفاعا عن حق الشعب فى المعرفة وحق الإعلام فى النشر، سارعت العديد من الصحف الأمريكية لنشر الوثائق حتى لا تكون الصحيفة الكبرى وحدها فى مواجهة «بطش السلطة».

وجاء قرار المحكمة العليا منحازا لحق النشر، وتقييد مساعى السلطة التنفيذية لمحاصرة الإعلام بدعاوى «الأمن القومى» و«تضحيات الجنود فى أرض المعركة» و«القيادة وحدها تعرف الصواب» وغير ذلك من كلام «حق يراد به باطل» فى أغلب الأحوال.
وانتهت هذه المعركة بهزيمة السلطة الحاكمة وانتصار الدولة الأمريكية ككل، من خلال تعميق قيم الحرية والديمقراطية والشفافية التى تضمن تصويب أخطاء السلطة وبالتالى الحد من تداعياتها، فخرجت أمريكا من فيتنام مهزومة لكنها ظلت قوة عظمى قادرة على تصحيح أخطائها والمحافظة على كيانها كقوة عظمى بفضل هذه القيم.

هذه كانت رسالة الفيلم الرائع «ذا بوست» (The Post) الذى وثق وقائع هذه المعركة بلغة سنيمائية رفيعة لا يقدر عليها إلا المخرج المبدع ستيفن سبيلبيرج ومعه النجم توم هانكس والنجمة ميرل ستريب.

فى أوقات الحروب والأزمات الكبرى تصبح حرية الإعلام والنشر ومراقبة أداء السلطة التنفيذية بمختلف أفرعها، هو أفضل ضمانة للأمن القومى وليس العكس كما ادعت السلطة الأمريكية فى حرب فيتنام، وكما تدعى كل سلطة تسعى للتهرب من أى رقابة، فتكون النتيجة الهزيمة والفشل فى أغلب الأحوال.

التعليقات