أهم من الشاسيه القادم - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أهم من الشاسيه القادم

نشر فى : الأحد 15 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 15 أبريل 2012 - 8:00 ص

التغيير فى مصر سوف يتم من أسفل إلى أعلى، أو هكذا يجب أن تتم الأمور الآن. فلندع قمة الهرم تداعب الضباب وتنعس مع سحب التلوث الصاعدة، ولنتابع بهمة ماذا يحدث فى قاعدة الهرم، نلتحم معها وندعم بكل القوة اللازمة حركات التغيير والإصلاح، حركات الاحتجاج الإيجابية الفاعلة فى اتجاه الإصلاح. وبالتالى فالرئيس القادم لمصر غير مهم. غير مهم لأسباب عديدة أهمها أن الدور الذى يمكن أن يضطلع به هو دور محدود للغاية وسط التوازنات المحلية والإقليمية والدولية، ووسط شبكة المصالح المالية والاقتصادية والسياسية القائمة. هو دور محدود وسط القوى المالية المهيمنة على مقدرات الكوكب. وهكذا الدور الذى يلعبه أوباما وساركوزى وميركل وغيرهم. يلعبون دور البطل على خشبة المسرح ولكن هذا البطل يقول ما كتبه المؤلف ويتحرك تبعا لأوامر المخرج ويرتدى ما أمر به مصمم الملابس. ولكنه يخرج علينا مبتسما وكأنه فتح عكا رافعا ذراعه، مبتهجا بسطوته الوهمية. ممثلون جيدون يلعبون أمام العامة دور يعرفون جيدا أنه تقلص فى السنوات الأخيرة حتى أصبح دورا تمثيليا تافها يرتكن على عظمة غابرة. وفى مصر الآن يقوم من بيدهم الصولجان ــ هؤلاء الذين يقفون خلف الكواليس، فى واشنطون ولندن وبرلين والقاهرة وغيرها من مدن العالم ــ يبيعون لنا شكل الممثل القادم. أسود أم أبيض؟ بلحية أو بدون؟ وسيم أم غبى الطلع؟ فالمهم هو «الشاسيه» كما يقولون. «شاسيه» دون جوهر لأن الجوهر مكتوب مسبقا. وهم مطمئنون أن الشعب ما زال يتصور على عادته القديمة أن الرئيس له دور فعال. من إذن يمكنه أن يلعب دورا حقيقيا فى ضبط العملية السياسية؟ هو النظام ذاته. هو ضبط آلية ماكينة النظام بحيث تعمل كل التروس فى تناسق كامل. مهمتنا اليوم هو أن نضبط فى البداية كل ترس على حدة ثم نعمل على ضبط التناسق بينها جميعا. ولندع الحديث النظرى ولنتحدث عن ترس بعينه.

 

●●●

 

التقيت الرجل منذ أيام. اسمه: «علاء عبدالصادق». لدية ورشة لتصنيع التماثيل المرتبطة أساسا بالحضارة المصرية القديمة. ورث المهنة عن والده، وتخصص فى مادة «الألبستر» وهى كلمة مصرية تعنى إناء الإله «باست». ومثله مثل غيره عصفت به رياح الصادرات الصينية الطاغية. حاول المنافسة مع إنتاج أكثر غزارة وبتقنيات علمية شديدة الاختلاف فلم يفلح. قاوم وحاول أن يخفض سعره إلى حد الهوان، على الرغم من اختلاف مادة الخام، فهو يستعمل الألبستر فى حين أن المنتج الصينى يستعمل مواد صناعية شديدة الخطورة على الصحة العامة، وبالطبع فشل فى المنافسة أمام الإعصار الصينى. قرر التوقف عن العمل ولكن رؤيته للمنتج الصينى وهو يشوه التاريخ المصرى، يشوه جماليات حضارتنا بمنتجات تباع فى الأسواق المصرية. تمثال خفرع بأعين صينية، إيزيس وكليوبترا وأفروديت فى خلطة عجيبة قبيحة مشوهة، جعله كل هذا يستمر فى المقاومة. وبعد جهود وصفها بالجبارة لم ينجح فى مقاومة هذا الغزو، حتى أصبحت هذه المنتجات تمثل أكثر من تسعين فى المائة من المنتجات فى محالنا المصرية التى تبيع هذا المنتج. فشل فى المنافسة لأن النظام العام لحركة التجارة فى مصر يعمل لصالح المنتج الأرخص، كما يعمل لصالح المستورد وضد صالح المنتج المحلى. وعندما قرر أن يغلق أبوابه ويرفت العاملين والفنانين فى ورشته فوجئ بملايين المصريين ينزلون إلى الشارع يطالبون بالتغيير. ربما نزل هؤلاء لكى لا يغلق ورشته، لكى لا يجد نفسه ــ ومعه كل العاملين معه ــ دون عمل، لكى لا ينضموا جميعهم إلى قائمة العاطلين عن العمل بأمر من النظام العالمى الجديد. قرر حينها أن يستكمل مشوار الصمود. ولكن مشوار صمود مختلف، ليس فى منافسة المنتج الصينى وإنما فى ضبط ترس لا يعمل بشكل سليم فى المجتمع المصرى. تحدث مع آخرين وبدأ الجميع فى العمل لتجميع صفوف كل العاملين بالحرف التراثية المصرية، وهى تضم مائة وخمس حرفة تراثية، يعمل بها عدد غير معلوم من المصريين، تتفاوت الأرقام من خمسين ألفا من العاملين إلى المليون مصرى. لا توجد لدى أرقام أستطيع الوثوق فى دقتها. تفاوت يعكس فقر الدراسات الإحصائية الذى ندرك فداحته جيدا. وعند جمعوا خمسة آلاف عامل بدأوا فى العمل لإشهار نقابة مستقلة تضمهم جميعا. وبالفعل تم إشهارها فى أبريل 2011. هذه مجرد البداية. لا بد أن يستكملوا الطريق لضم أكبر عدد من العاملين والفنانين فى هذه الحرف اليدوية التراثية، والسعى لحماية الحرف وحماية المهنة. بدأ هذا الرجل بالأهم وهو التواصل مع تلاميذ التعليم الفنى، ربط التعليم باحتياجات السوق أولوية قصوى فى مصر. ذهب للقاء عدد من المدارس فى قسم الزخرفة. محاولات أولية لملامسة الواقع.

 

●●●

 

ما هو المطلوب فى هذا المجال؟ المطلوب كثير. تحديد حجم السوق بدقة. تحديد عدد العاملين فى كل حرفة مع توزيع جغرافى. ربط الخريجين سنويا من طلبة التعليم الفنى فى مجالات الزخرفة والنجارة إلخ بسوق الحرف التراثية. التواصل بين النقابة الوليدة والمعلمين فى التعليم الفنى. دورات تدريب لكل الحرف. تطوير ودفع الجهد النظرى لتطوير الحرف. ربط هذه الصناعة باحتياجات المجتمع. والقائمة تطول. ماذا حققت هذه النقابة من كل هذا؟ أو ماذا حقق هؤلاء الذين يكافحون من أجل مهنتهم ومن أجل خلق فرص عمل جديدة طوال العام المنصرم؟ سوف تأتى الإجابة صارخة كالنصل. فهؤلاء يعملون دون سند، ودون حماية. المجتمع مشغول للأسف بقمة الهرم. والحقيقة أن «علاء عبدالصادق» أهم كثيرا من كل المرشحين لرئاسة الجمهورية، هو وجميع من يعمل على بناء قواعد جديدة للعمل فى مصر، وهم كثر. فليس المهم اليوم الاختيار بين زيد وعبيد من «الشاسيهات» المختلفة المطروحة لدور البطولة. ولكن الأهم هو اختيار ودعم هؤلاء الذين يبنون جدران الوطن.

 

خالد الخميسي  كاتب مصري