على هامش ملف «قديم» - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

على هامش ملف «قديم»

نشر فى : الأحد 14 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 14 أبريل 2013 - 1:50 م

في اليوم ذاته الذي نشرت لي فيه هذه الجريدة عن خطورة استدعاء السياسة «بحساباتها» الى ساحة الدين «بمطلقاته»، والعكس بالعكس، جرى ما جرى أمام الكاتدرائية. وكان لما جرى تداعياته، ومترتباتهوثمنه. ليس فقط فيما بدا لنا، بل وفي كثير مما دار في غرف مغلقة، واتصالات هاتفية «عابرة للحدود»

***  
«لا تقل فتنة .. بل قل اضطهاد» .. صدمتني العبارة التي علق بها أحد المتابعين الكرام على تغريدة لي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر. شيءٌ من هذا أيضا ــ وإن كان على الناحية الأخرى رأيته في تعليقات القراء على مقال الأستاذ فهمي هويدي الخميس الماضي «ليذهب مرسي للكاتدرائية» 
اعتدت أن أهتم بتعليقات القراء اهتمامي بآراء الكتاب. هكذا علمتني «شعبية» الانترنت؛ التطبيق العصري «العادل» لما ادعاه ماو تسي تونج إبان الثورة الثقافية (١٩٦٦) ففي صفحاته العنكبوتية، وآلياته «المتاحة» ندرك ما قد لا ندركه في الغرف المغلقة أو في التقارير «الرسمية» المنافقة. وهكذا كان عندما حاولت أن أعرف أين أصبحت «المسألة القبطية» في مصر «الجديدة»، بعد عامين من تلك «اللحظة العبقرية»؛ الحادي عشر من فبراير ٢٠١١ يوم اصطفت «مصر الواحدة»؛ بمسلميها ومسيحييها تردد دعاء القنوت خلف الشيخ محمد جبريل، في ذروة مشهد «وحدوي» كان يتصاعد كل يوم حتى ذهب ذلك اليوم بمبارك الفرعون «الكبير والصغير».
لم يكن ما رأيته هنا وهناك مريحًا. وبدا ــ كما ذكرت في إحدى تغريداتي ــ لأرصد رد الفعل: «كما لو أننا اكتشفنا فجأة أن هناك (آخرون) يعتنقون غير ما نعتنق؟٠»  … والأدهى أن أحدا لم يجب على السؤال: «ماذا تقترحون علينا إذن أن نفعل مع أولئك الآخرون؟ 
***
ربما نختلف حول تفاصيل ما جرى في الخصوصثم عند الكاتدرائية،  أو داخلها. كما أننا قد لا نعرف على وجه الدقة «من .. وكيف .. ولماذا؟» فهذه مهمة جهات التحقيق فيما يُفترض أنه «دولة القانون». الشيء الوحيد الذي تأكد أن هناك أرواحا أزهقت ودماءً أريقت، وصورا لفَّت العالم كله في عصر تحكمه الصورة. والشيء الوحيد الذي بات للأسف لا يحتاج الى تأكيد أن الحادثة لم تكن الأولى رغم اختلاف التفاصيل ولن تكون للأسف الأخيرة، فى ملف زادته حماقات السياسة احتقانا.
لست بحاجة الى تكرار ما أشرت اليه الأسبوع الماضي من تداعيات «الاستخدام» السياسي للدين، لكننا قد نكون بحاجة لتدوين عددٍ من الملاحظات على هامش «الملف القديم». وبعضها، للأسف «قديمٌ كما الملف». وكنا قد أشرنا اليه غير مرة في هذا المكان، وقبلها بسنوات في «وجهات نظر».
ورغم أن كاتبًا لا يحب أن يكرر كلامًا قاله يوما ما. ولكنها مصرُ التي باتت فتنها «يُرقق بعضها بعضًا» كما يقول الحديث الصحيح
من هذه الهوامش:
١ـ  أن هذه الحوادث، رغم «ما يبدو» من استنكار الجميع لها لن تكون أبدا الأخيرة. طالما بقى وراء الأكمة ما وراءها؛ من حقائق «على الأرض»، ومصالح للبعض.. وحسابات للآخرين. وأن للمناخ «المحتقن» فى واقع الأمر تاريخا طويلا من الأزمات التى تركت ندوبا هنا وجروحا هناك. كما كان الاحتكامُ بشأنها دوما إلى غير القانون «المجرد»، كفيلًا بإثارة شكوك بقيت فى النفوس، بعد أن تصور القائمون على الأمر أنهم «بالمواءمات» أو بدفن الجمار الملتهبة تحت الرماد البارد، قد نجحوا فى «احتواء الأزمة». وأن الزمن كفيل بدفن التفاصيل. والأمر، نعرف جميعًا وإن لم نعترف، أنه لم يكن أبدا هكذا.
٢ـ  أن مصر «الواحدة» التى عُرف شعبها بحب آل البيت، والتى تبرع رئيسها «المسلم» في الستينيات لبناء كاتدرائيتها، لم تعرف قبل أن تعصف بها «رياح السموم» فى سبعينيات القرن الماضى، مسمى «الفتنة الطائفية» أو تهمة «ازدراء الأديان»، كما لم يكن قد وصل إلى مسامع «مؤمنيها» أو إلى منابر مساجدها مصطلحات مثل «الصفويين» أو «الروافض». وأن مصر «الواحدة» تلك هى التى علينا أن نحرص عليها الآن، فى زمن يعاد فيه هندسة المنطقة؛ تحالفات، وعداوات.. وجغرافيا سياسية.

 

٣ـ  أن دولة مبارك كانت قد مضت شوطا طويلا فى ما كانت قد بدأته دولة السبعينيات، من تعميق شرخ أوجده، بقصر نظر سياسى فى حينه نظامٌ لم يتورع عن استخدام الدين فى تصفية خصومه؛ ضربا بهراوته أحيانا، أو بالتلويح بفزاعته أحيانا أخرى. كما لم يكترث إلى أن «التهميش» والإقصاء المنهجى. سواء كان للأقباط (كما يحكى رؤوف عباس فى مذكراته) أو للإخوان المسلمين كما فعل مبارك، لابد وأن يؤسس لحالة وصلنا اليها
٤ـ  أن التلقين الذى هو داء التعليم، والتسلط الذى هو داء التربية. مرضان استشريا فى حياتنا الثقافية والسياسية والفكرية؛ من البيت إلى المدرسة إلى «الجماعات الدينية والسياسية». وكان أن وفرا في النهاية تربة صالحة، ومناخًا موات لنمو ثقافة التعصب وحماقة الجهالة، بدلا من التفكير النقدي وعقلانية المنطق

 

 ٥ـ  أن على الجميع أن يدرك، وأن يتعلم أن العقاب الجماعي لخطأ فردي «مهما كان حجمه» هو من قوانين الغاب ومن علامات غياب الدولة٠
٦ـ  أن ما بدا من إفراط في استحضار الدين الى غير مكانه، سواء في مسألة العلاقات مع ايران، أو اتهامات «سياسية» بالتكفير، أو بتفكير متهور في السماح بالشعارات الدينية في الانتخابات التي هي شأن سياسي بحت، كان له تأثيره ــ وإن لم يدرك البعض ــ على ملف إزدحم بأوراقه، واختلط فيها ماهو «مطلق» بطبيعته المقدسة، بما هو «نسبي» بحكم التعريف.

 

٧ـ أن الذين أدمنوا استحضار خطاب «فى غير زمانه»، وبغير اشتراطاته، يبتعد عن مفهوم بات معاصرا للمواطنة، عليهم أن يراجعوا ما يأتى به خطابهم من مفاسد نعلم، وهم أعلم منا بأن «درءها مقدم على جلب المصالح».

 

٨ـ أنه كما يعرف دارسو القانون أن «العدالة إحساس»، وليست مجرد نصوص أو تشريعات، يعلم دارسو الاجتماع السياسي أن «الشعور بالأمان» هو إحساسٌ وليس قرارات أو تصريحات. ويعلم القاصي والداني (عدا من لا يرون من الغربال) أن الشعور بالأمان بات مفتقدا لدى أقباط مصر، لأسباب تراكمت على مدى العامين الماضيين. ولا داعي للتذكير بها
٩ـ أن مشكلة الأقباط، في جوهرها هي مشكلة المسلمين. كما يذهب الى ذلك فكري أندراوس في كتابه المهم «المسلمون والأقباط في التاريخ» الذي قدم له المستشار محمود الخضيري. فالاستبداد هو الاستبداد. والديموقراطية «الحقة»، لا الشكلية،  إن توافرت الجدية والإرادة السياسية لا تعرف تمييزا؛ دينيا أو غيره
١٠ ـ أن هذا للأسف «ملف قديم». وكنا قد ظننا عشية الحادي عشر من فبراير ــ وليس كل الظن إثم ــ أن على الدولة أو «الجمهورية الجديدة» كما يحلو للبعض أن يسميها، وعلى «جماعتها الحاكمة» المسؤوولية الأولى فى أن تجلو عن قلب الوطن ما ران عليه من صدأ الفرقة وعفن الاستقطاب. الا أن هذا للأسف ليس فقط لم يحدث، بل كانت هناك دائماً إشارات في الاتجاه المضاد
***
وبعد ..
فلا ليبرالية تؤسس لحق الآخر في الإختلاف أسمى من «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ». 
كما يبقى من نافلة القول أن الإسلام كما نعرفه، لا يعرف كل ما نسمع شاذًا من صيحات عداء أو حمق استعداء أو نزق كراهية. وأن عباد الرحمن «الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا»، ما كان لهم غير أن يشيعوا حولهم الشعور بالأمان والطمأنينة والسلام. ولكنه الحمق، والجهالة.. «وحسابات الصناديق»وقانا الله شر الثلاثة.
أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات