نتنياهو يستشهد بمواقف حكام العرب - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نتنياهو يستشهد بمواقف حكام العرب

نشر فى : الخميس 14 أبريل 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الخميس 14 أبريل 2016 - 10:00 م
خلال لقاء جمع رئيس الوزراء الإسرائيلى بفريد زكريا، المفكر الأمريكى ومقدم برنامج فى محطة سى إن إن، على هامش اجتماعات منتدى دافوس قبل أشهر قليلة، انتقد نتنياهو دول الاتحاد الأوروبى، وهذا ليس بجديد، لكن الجديد أنه طالبهم بالاقتداء بمواقف الدول العربية فى تعاملهم مع إسرائيل. وقال نتنياهو نصا «حضرت ليلة أمس مع زوجتى الجلسة الافتتاحية هنا، والتقيت عددا من أصدقائنا الأوروبيين ومنهم ممثلو الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، وقلت لهم: انظروا، ليس لدى إلا طلب واحد، ألا وهو أن تعكس سياسة الاتحاد الأوروبى، التى يتم رسمها فى بروكسل إزاء إسرائيل والفلسطينيين محصلة السياسة العربية الشائعة الخاصة بإسرائيل والفلسطينيين، وبالفعل هناك تغيير هائل يجرى حاليا فى هذا الاتجاه».

وكان الاتحاد الأوروبى قد أغضب إسرائيل عندما اتخذ قرارا فى نوفمبر الماضى يقضى بحظر وضع ملصق «صنع فى إسرائيل» على الواردات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان، وضرورة وضع ملصقات تبين أنها واردة من المستوطنات التى يراها الاتحاد الأوروبى غير شرعية. كما تنشط فى العديد من الدول الأوربية حملة دى بى إس BDS حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل.

***

يروج نتنياهو ووزراؤه لمنطلق جديد فى التعامل مع قضية الشرق الأوسط المركزية فى الدوائر الأمريكية والأوروبية بعدما آمن العديد من الحكام العرب بهذه المنطلق. ويقول نتنياهو لفريد زكريا «اعتدنا التفكير بأن حل النزاع الفلسطينى الإسرائيلى سيؤدى إلى حل النزاع الإسرائيلى العربى الأوسع نطاقا. غير أنه كلما أمعنت النظر فى الأمر صرت أعتقد بأن الأمر قد يكون عكس ذلك، بمعنى أن تنمية هذه العلاقات الجارية حاليا بين إسرائيل وبعض الدول العربية، قد تساعدنا، مع العالم العربى، على تسوية النزاع الإسرائيلى الفلسطينى. ونعمل من أجل تحقيق هذا الهدف».
ولا يختلف منطق نتنياهو عما تضمنته كلمة وزير الدفاع الإسرائيلى موشى يعلون أمام جلسات منتدى سابان الأخير للعلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية، وكان جوهرها أن إسرائيل تعد فعليا عضوة فى معسكر عربى واسع معتدل يشمل الأردن ومصر والسعودية والإمارات، إضافة إلى إسرائيل. ويطالب يعلون الغرب وواشنطن تحديدا بدعم هذا المعسكر الذى يضمن مصالحهم فى الشرق الأوسط.

لم تخرج كلمات نتنياهو ووزير دفاعه الوزير الإسرائيلى عن النص المتبع أخيرا ويعكس محاولات إعادة توصيف طبيعة الصراع العربى ــ الإسرائيلى، فى ظل قبول رسمى عربى واسع من عدة دول لاستبعاد الصراع بين العرب والفلسطينيين وبين إسرائيل من دائرة الصراعات الواجب التعامل معها. لا يترك كبار المسئولين الأمريكيين فرصة إلا ويعبروا عن رغبتهم ودفعهم لما يرونه واقعا جديدا نفعيا بين دول عربية وإسرائيل حتى دون التوقيع على اتفاقيات سلام أو معاهدات اعتراف دبلوماسى متبادلة بينهم. ويتحدثون أيضا عن التحالف العربى ــ الإسرائيلى كواقع، وهو ما يمثل وسيلة ضغط غير مباشرة وفعالة على العقل الجمعى العربى للتأقلم على حقائق جديدة مغايرة لما آمنت به شعوب العرب لعقود. ويكرر كثيرا وزير الخارجية جون كيرى مقولة «أن هناك دولا عربية مستعدة لصنع السلام مع إسرائيل والتحالف معها ضد حركة المقاومة الإسلامية ــ حماس ــ وضد تنظيم الدولة داعش، وأن واشنطن ستكون مقصرة ومهملة إذا لم تستغل ذلك». وفى نفس الوقت تنشغل تل أبيب وواشنطن ومن ورائهم دول عربية فى الحديث عن تفاصيل مختلفة لهذا التحالف، يستبعد، وينغلق المجال أمام الحديث عن جوهر صراعات الشرق الأوسط وأصله المتمثل فى الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية. وتكاد تنسى الأجيال الجديدة من الشباب والأطفال العرب أصل الصراع، وهو ما يعنى إنجاح استراتيجية إسرائيل فى إقناع العرب أن (الاحتلال ليس هو أصل القضية) وأن قضايا المنطقة اليوم لا علاقة لها بإسرائيل من بعيد أو قريب.

***

جوهر التحالف كإحدى صور العلاقات بين الدول ينصب حول الاعتقاد بوجود مصالح تجمع بين أطرافه، أو مخاطر تهددهم معا. من هنا يندفع بعض العرب (نظما وحكاما وأفرادا) للاعتقاد بأن هناك مصالح مشتركة تجمعهم بإسرائيل، ومخاطر تهددهم معها. خطورة هذا الاقتراب تتمثل فى حقيقة أنه لا توجد أى مصالح مشتركة بين العرب وإسرائيل، ولا تهديدات مشتركة. وتؤدى نظرة سريعة على أدبيات الفكر السياسى الإسرائيلى للكشف عن أن جوهر علاقات إسرائيل مع العرب أقرب للمعادلة الصفرية، فما ينفع العرب يضر بإسرائيل وما يفيد إسرائيل يضر حتما بالعرب عاجلا أو آجلا. عملية دمج إسرائيل الجارية حاليا هى جزء مهم من عملية أكبر لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. ويسمح العرب لأنفسهم بأن يكونوا مفعولا به حيث تسهل الصراعات المحلية مثل الحالة الفلسطينية، أو الحالة اليمينية، أو الحالة الليبية، ناهيك عن سوريا، والصراعات الإقليمية كالصراع السعودى الإيرانى، من منح الآخرين اليد العليا فى تحديد واقع العرب الجديد. قبل مائة عام قامت قوى أوروبية بتقسيم المنطقة طبقا لمناطق نفوذها ورغباتها، وغضب العرب. واليوم تقوم القوى الخارجية بدور مدمر مستغلة حالة السيولة التى تشهدها المنطقة العربية. وتساهم الشعوب العربية فى تشكيل خريطة المستقبل فقط بدماء الآلاف من أبنائها. وسيؤدى استخدام البعض لنعرات طائفية ودينية ومذهبية، إضافة لإنكار الحريات للشعوب والتمسك بالاستبداد لتبديد أى آمال فى لعب الشعوب العربية دورا فى تشكيل مستقبلهم، وترك الباب على مصراعيه ليتحالف بعض العرب مع أعداء شعوبهم، وليساهموا فى تشكيل خريطة لا تنظر للمستقبل بل تبرز وتعظم من خلافات الماضى.
محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات