تفجير الكنائس.. هل سيستمر؟! - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تفجير الكنائس.. هل سيستمر؟!

نشر فى : الجمعة 14 أبريل 2017 - 10:05 م | آخر تحديث : الجمعة 14 أبريل 2017 - 10:05 م

فى يوم عصيب وطويل طول الألم من أيام مصر الأحد 9 ابريل 2017 تم تفجير كنيسة مار جرجس بطنطا، وهو نفس اليوم 9 ابريل الذى افتتحت فيه أول صلاة منذ قرابة سبعين عاما فى نفس الكنيسة، أيام الصفاء والوداد بين المسلمين والأقباط أحالتها الخلايا الداعشية إلى أيام كدر وبكاء وعويل وتساؤلات حائرة، لماذا؟ وكيف؟ ولمصلحة من يجرى ذلك؟ وبأى ملة يدين هؤلاء الذين يحترفون القتل ويمتهنونه بدلا من مهنة الإحياء التى أمر الله بها كل عباده «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا».
بدأت الأحداث الجسام بمقتل أبوأنس سالم سلام حمدين القائد الفعال والمؤثر فى تنظيم داعش بسيناء فى عملية نوعية نادرة، كان أبوأنس يلقب بـ«بن لادن سيناء» لقرب الشبه بينه وبين بن لادن فى الشكل والتأثير فى تنظيمه.
كان التنظيم قد اصطدم بالأهداف الصلبة مثل الجيش والشرطة فى سيناء فمنى بخسائر جسيمة، وأدرك أن استمراره فى مهاجمة هذه الأهداف الصلبة ستنهى التنظيم تماما، فعمد إلى ما يسمى بالأهداف الرخوة مثل السياحة أو الكنائس، توقفت السياحة بعد تفجير الطائرة الروسية، وما يدخل مصر منها يؤمن تأمينا جيدا، بقيت الكنائس والمسيحيون، استهدفوا أقباط العريش.. مضايقات مطاردات وقتل، حتى اضطروهم للخروج من مثلث العريش رفح والشيخ زويد.
بدأوا فى استهداف الكنائس جربوا فى الكنيسة البطرسية، نجحت التجربة، حققت دويا هائلا، سمع العالم كله بداعش مصر، اهتزت مصر والعالم ألما للحادث، أطربهم ذلك وأسعدهم، صمموا على الثأر لقائدهم.
لم يكن لهم وجود يذكر فى محافظة الغربية والإسكندرية، حيث يتمتعان بهدوء أمنى كبير منذ فترة، كانت الشرقية والقليوبية والأطراف الشمالية للقاهرة الكبرى معقلا للتكفيريين والدواعش قضت الدولة عليهم وخاصة بعد اكتشاف وتدمير أكبر وكر لداعش فى القاهرة الكبرى فى «عرب شركس» بالقليوبية وتدمير مجموعات أنصار الشريعة بالشرقية، فإما أن تكون هذه المجموعات قد قدمت من خارج المحافظتين أو كونت لوجستيكا داخلهما، وقد أثبتت الأحداث أن هذه المجموعات أصولها الكبرى من محافظة قنا بالصعيد وهذه مثلت مفاجأة كبرى للجميع. خاصة أن الخلية لا تحتاج لأكثر من أربعة، انتحارى وثلاثة يساعدونه فى اللوجستيك، فالخلية التى فجرت الكنيسة البطرسية لم يزد عددها على أربعة كل خلية تفجر كنيسة يمكن أن تهز مصر والعالم كله، والأهداف الرخوة موجودة فى كل مكان، والتأمين عليها بسيط ورخو مثل الهدف، لا بوابات الكترونية ولا كاميرات إلا فى الكنائس الكبرى.
هناك معضلة كبرى فى تأمين الكنائس ودور العبادة عموما فالأصل أنها مفتوحة للجميع والتشديد والتدقيق الأمنى قد يسبب ضيقا للمصلين والمترددين وخاصة فى أيام الأعياد والمناسبات والاكتظاظ، كيف تؤمن هذه الآلاف بدقة دون أن تضايق أحدا أو تعطل دخولهم وخروجهم وخاصة أنهم بالآلاف فى الأعياد والمناسبات، فهذه معضلة ليست سهلة ولكن إيجاد الحل لها ليس صعبا أيضا.
هناك نظرية عند داعش هى «نظرية تكرار البصمة»، نجحت تجربة الدهس فى فرنسا فكررتها داعش حتى أصبحت أسلوبا متبعا فى العالم ينفذه كل انتحارى دون توجيهات أو تعليمات، ونجحت داعش فى تفجير البطرسية ففجرت كنيسة طنطا وحاولت تفجير كنيسة الإسكندرية لولا يقظة الأمن السكندرى وتصديه بصدره العارى للمحاولة، وتقديمه تضحيات كبرى.
ستتكرر محاولات تفجير الكنائس فى مصر بعد حين، ولن تتوقف تطبيقا لهذه النظرية، فلا ينخدع البعض بالتوقف قليلا، عمليتا طنطا والإسكندرية عمليتان مخطط لهما بدقة توقيتا ومكانا وزمانا وثأرا ورسالة، داعش عادت إلى الدلتا مرة أخرى، وحاولت تكرار تجربة كنيسة القديسين مرة أخرى فى الإسكندرية.
نفس التنظيم باسم آخر هو الذى نفذ القديسين من قبل، ولعبت نظرية المؤامرة وقتها بالعقول فاتهموا فيها الداخلية المصرية التى تعتبر أول من أضير من هذا التفجير، واليوم تعود نظرية المؤامرة مرة أخرى إلى العقل المصرى الذى يعشق هذه النظرية التى تريحه، ويقول أحدهم إن الحكومة المصرية هى التى دبرت ونفذت هذه التفجيرات لتغطى على موضوع تيران وصنافير، عقول ساذجة لن تتحرر من أسر هذه النظرية البغيضة، ويؤسفنى أن نظرية المؤامرة أصبحت مرضا عضالا فى كل الأطراف السياسية فى مصر وفى العقل العربى عامة.
كان البابا تواضروس فى كنيسة مارمرقس بالإسكندرية، ولولا انتباه ضباط تأمين الإسكندرية وأخذهم الحذر بعد تفجير طنطا مباشرة لوقعت كارثة كان يمكن أن تقصم ظهر مصر، وتحدث شرخا فى علاقة المسلمين بالمسيحيين لا تندمل أبدا.
لن يتم تجديد الخطاب الدينى حقيقة فى مجتمع مهترئ ولكنها تحتاج إلى مجتمع قوى ونابض وحى وفتى ودعوة وسطية لها رجالاتها الأفذاذ وعدل سياسى واجتماعى ومحاربة للبطالة بكل قوة كذلك الفساد وإزالة الطبقات الكبرى بين الناس وجعل القانون هو السائد بين الناس والكفاءة هى المقياس الذى يقاس به المواطن.
فى كل قرية فى مصر عشرة آلاف قنبلة موقوتة من الشباب الذى لا عمل له ولا حاضنة تربوية أو اجتماعية أو سياسية أو فكرية صحيحة تستغل طاقاته.
وهذه القنابل الموقوتة يمكن أن تتحول إلى أى شىء «إرهابى ــ بلطجى ــ مدمن أو تاجر مخدرات ــ أو جاسوس»، وكما يقول المصريون: «هو وحظه».
الذى لم تتعلمه داعش أن الإسلام لم يأت ليقتل الناس ولكن ليحييهم ولم يأت لينفرهم ولكن ليبشرهم، ولم تعلم أن كل الأنفس سواء فى العصمة دون تفرقة «مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَمَا قَتَلَ النَاسَ جَمِيعا» نفس المسلم والمسيحى واليهودى والبوذى والهندى والسنى والشيعى والسلفى واﻹخوانى والجيش والشرطة سواء فى العصمة.
والأصل فى النفوس العصمة وليس اﻹهدار، والأصل اﻹحياء وليس القتل أو الموت أو الذبح كيف نعيب على بشار وهو يقتل النساء والأطفال وتبيح داعش ذلك لنفسها.
ألم يستحِ أبودجانة صاحب رسول الله أن يضرب بسيف رسول الله امرأة رغم أنها كانت تحارب فى صفوف المشركين وهو يرسى هذه القاعدة الأخلاقية العظيمة «أكرمت سيف رسول الله إن اقتل به امرأة» يا قوم الإسلام لا يناقض نفسه أبدا فهل يدخل الإسلام امرأة مسلمة النار فى هرة حبستها فلم تطعمها أو تتركها تأكل من طعام الأرض وحدها وفى الوقت نفسه يجيز قتل النساء والأطفال أو المسيحيين فى أيام أعيادهم.
ألم يأمر الله بالدفاع عن الكنائس كما ندافع عن المساجد «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَهِ النَاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَهُدِمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَهِ كَثِيرا» فذكر كنائس النصارى ومعابد اليهود.
يا قوم لقد رأى رسول الله عصفورة قلقة مضطربة فأدرك أنها تبحث عن أفراخها فقال «من فجع هذه فى أولادها ردوا عليها أفراخها» فقام صحابى برد أفراخها إليها وقد أخذها ليربيها ويسعدها، فالإسلام الذى أبى أن يفجع عصفورة فى أولادها هل يبيح لأحد أن يقتل الأطفال والنساء والشيوخ، ويزرع القيم واليتم والمآسى والأحزان فى كل مكان.
يا قوم.. الدماء هى الخط الأحمر التى ينبغى على الجميع التوقف عنده فى نزاعاتهم أو صراعاتهم أو خلافاتهم، يمكننا أن نختلف فى الدين أو المذهب أو العرق ولكن ذلك لا يبيح لأحد أن يريق دماء الآخر، يا قوم كفى تشويها للإسلام والدين، لقد جعلتم الإسلام مضغة فى كل فم وجعلتم الناس يشكون فى الشريعة الإسلامية وجدواها فى صلاح المجتمع.

التعليقات