ترامب وإيران وأوروبا - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترامب وإيران وأوروبا

نشر فى : الإثنين 14 مايو 2018 - 10:50 م | آخر تحديث : الإثنين 14 مايو 2018 - 10:50 م

جاء قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الأسبوع الماضى بالانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران مخيبا لآمال الأوروبيين وصادما لهم، على عكس بعض الأطراف الأخرى مثل إسرائيل التى رحبت به واعتبرته انتصارا لها. وقد شهدت الأيام الأخيرة التى سبقت الإعلان الأمريكى هذا جهودا أوروبية حثيثة من قبل بعض الزعماء الأوروبيين، كالرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تحديدا، من أجل إثناء ترامب عن المضى قدما فى تنفيذ قراره هذا وإعادة فرض العقوبات الأمريكية السابقة على إيران. فلماذا كان هذا الحرص الأوروبى لإنقاذ هذا الاتفاق من الانهيار؟ وما هو تأثير قرار ترامب على مجمل العلاقات الأمريكية الأوروبية؟

بداية، لم يكن قرار ترامب المناهض لاتفاقيات سابقة مع الحلفاء الأوروبيين هو الأول من نوعه، ولن يكون الأخير، ولدينا أمثلة عديدة لهذه القرارات التى ضرب بها ترامب عرض الحائط بميراث طويل من العمل المشترك والتنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين من الدول الأوروبية تطبيقا لشعاره الانتخابى «أمريكا أولا». فقد استهل ترامب فترة رئاسته بالإعلان عن انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ، وبما يمثل انتكاسة كبرى للدبلوماسية الفرنسية التى تعتبر اتفاقية باريس أحد أكبر إنجازاتها. ثم جاء قراره بفرض رسوم جمركية على واردات بلاده من الصلب والألومنيوم ليشمل العديد من الدول الأوروبية وبما يهدد بحرب تجارية بينهم، وكان آخر هذه القرارات قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، رغم انتقاد واعتراض معظم الدول الأوروبية.

إذا يأتى قرار ترامب الأخير بالانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران فى هذا السياق. وهو الاتفاق الذى كان ثمرة جهود مضنية وشاقة استمرت لست سنوات متصلة من المفاوضات واللقاءات التى اشتركت فيها ست دول، ثلاث منها أوروبية، مع إيران. وبالتالى فإن هذه الدول الثلاث؛ ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، يعدون أنفسهم شركاء أصليين فى هذا الاتفاق، يجب التشاور معهم قبل اتخاذ مثل هذا القرار، خاصة مع ما يربط هذه الدول الثلاث من علاقات مع الولايات المتحدة ترقى إلى مستوى «التحالف». حقيقة أن هذا الاتفاق لم يحدد آلية لاتخاذ القرارات يلزم بها الدول الست بعدم اتخاذ أى قرار دون الحصول على موافقة أغلبية الأطراف الأخرى مثلا، إلا أن العلاقة بين هذه الدول الثلاث وبين الولايات المتحدة وما يجمعهم من مصالح وقيم وأهداف مشتركة كدول غربية ديمقراطية (مقارنة بروسيا والصين)، كانت تفترض أن تأخذ واشنطن بوجهة النظر الأوروبية فى الحسبان وعدم اتخاذ أى قرار أحادى يضر بمصالحهم فى هذه المنطقة (الشرق الأوسط) والعالم.

وقد حاول الأوروبيون العمل بشتى الطرق والوسائل على إنقاذ الاتفاق من الانهيار، وحتى اللحظات الأخيرة. فقد قام كل من ماكرون ثم ميركل بالذهاب إلى واشنطن من أجل إقناع الرئيس الأمريكى بمنحهم مزيدا من الوقت للخروج بصيغة ما تحافظ على الاتفاق وفى ذات الوقت تستجيب للشواغل الأمريكية، وبالتبعية طبعا شواغل إسرائيل والسعودية. وقد فسر البعض أسباب هذا الحرص الأوروبى على الاتفاق لما تتمتع به السوق الإيرانية من مكاسب وإغراءات للشركات الأوروبية. فقد بلغ حجم التجارة الأوروبية مع إيران منذ أن تم التوقيع على الاتفاق النووى فى يوليو من عام ٢٠١٥ نحو ٢٥ مليار دولار مقارنة بـ ٢٠٠ مليون دولار فقط للجانب الأمريكى. فإذا أضفنا لذلك صفقات تمت أو فى الطريق بمليارات الدولارات الأخرى، فإننا نستطيع أن نفهم حجم المصالح التى تربط هذه الدول الأوروبية بإيران، والتى أصبحت مهددة بفعل القرار الأمريكى الأخير، والذى يمنح جميع الشركات فى العالم مهلة عدة أشهر قبل بدء تطبيق العقوبات الأمريكية من جديد على إيران. ومما يزيد الوضع سوءا لهذه الشركات الأوروبية ما هدد به ترامب من فرض عقوبات إضافية جديدة أشد قسوة وإيلاما على إيران. وهو الأمر الذى لا تسطيع معه الشركات الدولية المختلفة، أوروبية أو غير أوروبية، المجازفة بالاستمرار فى التعامل مع إيران وتعرضها بدورها للعقوبات الأمريكية والخروج من النظام المصرفى العالمى الذى تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية.

هل يعنى ما تقدم أن مصالح الدول الأوروبية الثلاث الاقتصادية والتجارية كانت الدافع الرئيسى فى العمل على إنقاذ هذا الاتفاق، أم أن هناك أسبابا أخرى لا تقل أهمية تراها هذه الدول تتعلق بكيفية التعامل مع إيران ومعالجة مشاكل المنطقة، خاصة أن هذه الدول لا تختلف فى رؤيتها لإيران كثيرا عن الرؤى الأمريكية/الإسرائيلية/ السعودية من أن طهران تمثل خطرا بسياساتها الإقليمية الحالية وتمثل عنصر عدم استقرار للمنطقة ويجب العمل على وقفها. ويأتى على رأس الأنشطة التى تقلق الدول الأوروبية ما تقوم به طهران من تجارب صاروخية وقيامها بتطوير صواريخ باليستية تخل بموازين القوة فى المنطقة وتهدد استقرارها. ولكن فى المقابل لا يرى الأوروبيون جدوى فرض عقوبات على طهران أو التهديد بعمليات عسكرية ضدها، ناهيك عن محاولة تغيير النظام هناك كما يدعو البعض. ويضيف الأوروبيون أن هذه السياسة قد ثبت عدم فاعليتها والأجدى هو العمل على احتواء إيران وتشجيعها على التخلى عن سياساتها هذه وتبنى نهج أكثر إيجابية. ويدللون على نجاح وجهة نظرهم هذه بأن إيران قد تخلت طواعية عن برنامجها النووى والتزمت بما اتفقت عليه بشهادة المؤسسات الأمريكية ذاتها. وأن المطلوب ليس النكوص عما تم الاتفاق عليه، ولكن إضافة ملاحق جديدة تتعامل مع الملفات الأخرى مثلما تم التعامل مع الملف النووى. يزيد هؤلاء أن سياسة المواجهة هذه ستقوى من شوكة المتشددين داخل النظام الإيرانى، وتدفع إيران لاتخاذ خطوات تصعيدية، وبما يزيد من أسباب التوتر وعدم الاستقرار فى المنطقة ودفعها إلى مزيد من الحروب والصراعات.

لكلا الفريقين ــ الأمريكى والأوروبى ــ حججه وأسانيده، وهو ما بات ينطبق على العديد من الملفات والقضايا الدولية، بحيث بات الحديث عن موقف غربى موحد أشبه بالحديث عن ذكريات فترة ولت فى العلاقات الدولية. ولا شك أن طهران تراقب وتتابع ما يحدث ما بين هذه الدول الأوروبية الثلاث وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وما إذا كانت واشنطن ستتمكن من فرض سياستها على هذه الدول، ناهيك عن روسيا والصين، وبالتالى يلتزم الجميع بالعقوبات القادمة على إيران؟ أم ستنجح الجهود والمحاولات التى تبذل من أجل الخروج بصيغة ما تلبى بعض المطالب الأمريكية وتحافظ فى ذات الوقت على هذا الاتفاق النووى؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام القادمة.

التعليقات