منع التحرش.. لوائح ستانفورد - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 12:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

منع التحرش.. لوائح ستانفورد

نشر فى : الجمعة 14 يوليه 2017 - 8:05 م | آخر تحديث : الجمعة 14 يوليه 2017 - 8:05 م
منذ أيام قليلة، بدأت عملى الجديد بجامعة ستانفورد فى الولايات المتحدة الأمريكية (كباحث أكاديمى ببرنامج الديمقراطية والتنمية وحكم القانون). من بين أمور إدارية عديدة، كان على لكى أنهى إجراءات التعيين أن أسجل لدراسة مادة «منع التحرش ــ تأمين العمل والحياة فى مجتمع الجامعة» وأن أجتاز اختباراتها بنجاح. 
مادة «منع التحرش» هى مادة إجبارية الاجتياز لجميع مكونات مجتمع الجامعة من طلاب وإداريين وعمال وهيئة أكاديمية وبحثية. تقدم المادة للمتلقين إلكترونيا على مدى ساعتين زمنيتين تقريبا. وتتنوع اختباراتها من أسئلة ثقافية واجتماعية وقانونية الطابع إلى نماذج واقعية لجرائم تحرش يطلب بشأنها من المتلقين تحديد نوع التحرش والوسائل المتاحة لتوثيقه والإبلاغ عنه ومحاسبة المتورطين به ومعاقبتهم جامعيا والظروف التى تحتم تجاوز الحرم الجامعى والتصعيد القضائى خارجه ضد المتورطين.
وفقا للوائح ستانفورد، لا يقتصر تعريف جرائم التحرش فى مجتمع الجامعة على تحرش الرجال الجنسى بالنساء (أو الجرائم الأقل عددا المرتبطة بالتحرش الجنسى العكسى أى تحرش نساء برجال)، بل يتسع ليشمل كل ما يحدث داخل قاعات الدرس والبحث والعمل وفى يوميات الجامعة ومساكن الطلاب من جرائم تمييز واضطهاد على أساس لون البشرة أو العرق أو الانتماء الدينى أو القناعات الفكرية والسياسية أو تفضيلات الناس فى علاقاتهم الإنسانية الخاصة.
على سبيل المثال، يعتبر تواتر إطلاق النكات العنصرية التى يتورط من خلالها منتمون إلى لون بشرة معين فى سخرية مهينة من منتمين إلى لون أو ألوان بشرة أخرى جريمة تحرش تستوجب التوثيق والإبلاغ والمحاسبة. تعد أيضا العبارات التمييزية الصادرة من طلاب أو أساتذة أو عاملين أو باحثين أو إداريين ضد أقران ينتمون إلى أعراق مغايرة لهم أو يتبعون ديانات تختلف عن دياناتهم جرائم تحرش تنتهك حقوق الضحايا، وتعيق اندماجهم الإيجابى والبناء فى مجتمع الجامعة، وتؤثر بالسلب على الأخيرة كمؤسسة لنشر المعرفة والعلم والتفكير العقلانى المستند إلى قيمتى الحرية والمساواة. كذلك تنص لوائح ستانفورد، وهى هنا تعول كما توضح مادة «منع التحرش» على القوانين الاتحادية لعموم الولايات المتحدة الأمريكية وقوانين ولاية كاليفورنيا والعديد من أحكام دوائر الاستئناف والمحكمة الدستورية العليا، على تجريم السخرية من آخرين والتمييز اللفظى ضدهم والتورط فى اضطهادهم فى قاعات الدرس والبحث والعمل إن بسبب القناعات الفكرية والسياسية (من اليمين إلى اليسار، ومن مناصرة شعبوية دونالد ترامب إلى رفضها، بل وتجرم أفعال السخرية والتمييز والاضطهاد ضد أعضاء فى مجتمع الجامعة سبق تورطهم هم فى ذات الأفعال. يحظر، مثلا، على الطلاب والإداريين المعادين للأفكار العنصرية والأيديولوجيات اليمينية إطلاق النكات للسخرية من نكات سبق لعنصريين ويمينيين إطلاقها. ويحظر الرد على العبارات التمييزية ضد أصحاب البشرة السوداء والداكنة أو ضد القادمين من بلدان أمريكا اللاتينية أو ضد اليهود والمسلمين بعبارات تمييزية عكسية، مثلما تمنع مواجهة اضطهادهم فى قاعات الدرس والبحث والعمل باضطهاد عكسى.
***
ثم تتوسع لوائح الجامعة باتجاه تجريم التمييز والاضطهاد على أساس التفضيلات الشخصية المرتبطة بالعلاقات الإنسانية الخاصة. ولأن المجتمع الأمريكى، وليست ولاية كاليفورنيا الأكثر تقدمية وتحررية فى عموم الولايات المتحدة باستثناء، لم يتخلص بعد من ثقافة التمييز والاضطهاد ضد المثليين جنسيا والمتحولين جنسيا والمحايدين جنسيا ومن نزوع البعض إلى اضطهاد هذه المجموعات فى الحياة المهنية؛ تفرد مادة «منع التحرش» مساحة واسعة لشرح التجريم الشامل الذى تحتويه لوائح ستانفورد لجميع أشكال التمييز والاضطهاد المعنية هنا وإجراءات المحاسبة والعقاب المترتبة على التورط بها. تصنف السخرية من الآخر المثلى جنسيا فى قاعة درس أو مكتب مشترك أو سكن للطلاب أو مطعم جامعى كجريمة تمييز تستحق التوثيق والإبلاغ ومن ثم المحاسبة، تماما كاستبعاد المتحولين جنسيا من الترقى المهنى أو اضطهادهم عند تقييم أداء الطلاب منهم أو الباحثين والأساتذة. ولأن ثقافة التمييز والاضطهاد ضد المحايدين جنسيا لم تزل مستقرة فى يوميات حياة المجتمع الأمريكى، على الرغم من أوامر تنفيذية تضمن مساواتهم وتصون حقوقهم مررتها قبل رحيلها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، فإن مادة «منع التحرش» تشدد على أن لوائح ستانفورد تحظر فى كل الحرم الجامعى تعليق إشارات أو ملصقات أو صور أو كتابة عبارات قد تفهم كحاملة لمحتوى تمييزى ضد المحايدين جنسيا.
***
أما آليات التوثيق والإبلاغ والمحاسبة داخل الجامعة أو التصعيد القضائى خارجها، فتعلم مادة «منع التحرش» المتلقين أن وحدات خاصة لمناهضة التحرش توجد فى كل كلية وقسم ومعهد وعلى جميع المستويات الإدارية والوظيفية. يتناوب على العمل فى تلك الوحدات متطوعون من الطلاب وأعضاء الهيئة الأكاديمية والبحثية والإداريين، وينشطون لتوعية مجتمع الجامعة بحتمية عدم التهاون إزاء أنواع التحرش المختلفة وضرورة إدراك كونها جرائم تمييز واضطهاد لا ينبغى تجاهلها أو ممارسة الصمت بشأنها. تنشط وحدات مناهضة التحرش أيضا لشرح الخطوات المحددة المطلوب اتباعها لتوثيق الجرائم التى تحدث والإبلاغ عنها ومراقبة إجراءات المحاسبة والعقاب التى تنفذها الجامعة، وهى إجراءات قد تصل إلى الفصل حين يرتبط التحرش باستغلال أستاذ أو باحث لنفوذه ضد طلاب أو مساعدى بحث وقد تصل إلى التصعيد القضائى خارج الحرم الجامعى فى حالات ثبوت العنف اللفظى أو المادى وقد تحمل إلزام للجامعة بتقديم تعويضات مادية ومهنية وأدبية للضحايا من الطلاب أو العاملين أو الإداريين أو غيرهم.
ولأن الجامعة تظل مؤسسة لنشر المعرفة والعلم والتفكير العقلانى قيمها الحرية والمساواة، تشير لوائح ستانفورد إلى أن نصوص تجريم التمييز والاضطهاد والتفاصيل الكثيرة المتعلقة بمناهضة التحرش لا يراد منها خلق بيئة للخوف أو لقمع حرية التعبير عن الرأى فى الجامعة. بل يتمثل هدفها الأول فى تمكين جميع مكونات مجتمع الجامعة من التمتع بالحرية دون انتهاك لحقوق وحريات الآخرين، ومن إدارة عمليات صناعة المعرفة والعلم والتفكير العقلانى فى إطار من احترام التنوع فى لون البشرة والعرق والدين والقناعات الفكرية والسياسية والتفضيلات الشخصية وبالقطع دون إخلال بالتزام المساواة بين النساء والرجال. والهدف الثانى هو الارتقاء بالجامعة إلى المكانة التى تستحقها ويحتاجها إليها المجتمع، مكانة المؤسسة التنويرية التى تسبق غيرها من المؤسسات والقطاعات المجتمعية فى مناهضة التمييز والاضطهاد وتحرير الثقافة السائدة من رواسبهما الطويلة والاحتفاء بالحرية والمساواة كقيمتين أساسيتين لحياة الناس.
***
اجتزت مادة «منع التحرش» الإجبارية، مقررا التواصل مع الأكاديميين المسئولين عن إعدادها (وهم خليط من أساتذة القانون والتربويين والباحثين فى علم الاجتماع والدراسات الثقافية والدراسات النسوية) لمعرفة المزيد عن مردود المادة والواقع الراهن لجرائم التمييز والاضطهاد فى الجامعة. سألت من تحدثت معهم أيضا عن حدود تعاونهم مع جامعات خارج الولايات المتحدة الأمريكية فى مجالات تطوير لوائح وآليات وإجراءات مناهضة التمييز والاضطهاد ووسائل التدريس والتوعية، فأبلغونى بوجود تفاهمات تعاون مع جامعات عدة فى أمريكا اللاتينية وأوروبا وآسيا وإفريقيا وبكون ستانفورد تستفيد كثيرا من خبرات أساتذة وباحثى وإدارات تلك الجامعات. وبسؤالهم عن فرص التعاون مع الجامعات الحكومية المصرية فى ذات المجالات، قالوا على الرحب والسعة. وهذا بيان بذلك أرجو أن يدفع بعض المهتمين فى جامعاتنا، وهى حتما تئن من صنوف التحرش المختلفة وحتما تستدعى لوائحها وآلياتها المعنية بمنع التحرش الكثير من التطوير، إلى التفكير فى طرق أبواب التعاون مع ستانفورد أو مع جامعات عالمية أخرى للقضاء على التمييز والاضطهاد فى مجتمع الجامعة ومنه إلى المجتمع الواسع خارج الحرم الجامعى.

 

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات