أرابيسك «توحة» التى نافست أم كلثوم! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أرابيسك «توحة» التى نافست أم كلثوم!

نشر فى : الجمعة 14 يوليه 2017 - 8:05 م | آخر تحديث : الجمعة 14 يوليه 2017 - 8:05 م
مفاجأة سارة من وجوه عديدة أن يقع هذا الكتاب بين يدى. 

لفتنى ــ أول ما لفتنى ــ فخامة إخراجه، وجمال غلافه، ونعومة أوراقه، ثم جذبنى عنوانه وما احتوى عليه من مادة بصرية باذخة، ونادرة، قد لا يتيسر لكثيرين الحصول عليها، فضلا عن إعادة نشرها بين دفتى كتاب، بتوظيف راقٍ وذوق بالغ.

أتحدث عن كتاب «فتحية أحمد ـ مطربة القطرين»، للكاتب الشاب محب جميل، والصادر أخيرا عن دار نشر الجديد البيروتية لصاحبتها المبدعة المثقفة رشا الأمير. بعد فراغى من الكتاب الذى لم تستغرق قراءته وتصفحه سوى جلستين فقط (يقع فى 160 صفحة من القطع الكبير)، وجدتنى أشعر بامتنان حقيقى ومخلص لكل من ساهم وشارك فى هذا الكتاب «المختلف»، بدءا من الفكرة وانتهاء بالتنفيذ، ووجدتنى أقول فى سرى هكذا تكون المبادرات الجادة، والتشجيع الحقيقى لشباب المؤلفين، وكذا الإضافة النوعية التى يقدمها هذا الكتاب أو يسهم فيها بقسط فى دائرة تخصصه وحقله المعرفى، وهو هنا بعضٌ من تاريخنا الفنى والثقافى الزاهر فى القرن العشرين.

وتجاوزا لأى مجاملة أو ثناء تقليدى احتفاء بصدور كتاب، فالأمر هنا مختلف، التجربة كلها مختلفة؛ الموضوع، المؤلف، دار النشر، منهج الإخراج الفنى والطباعى للكتاب، فنحن بإزاء نموذج احترافى راقٍ وعالى الجودة نفتقد حضوره وشيوعه فى صناعة النشر العربى.

يتناول الكتاب سيرة مطربة مصرية من ذوات الحناجر الذهبية الرنانة، فى القرن الفائت، من الثلاث اللواتى تنافسن على عرش المغنى والطرب، ليس فى مصر وحدها بل فى العالم العربى كله؛ وهنّ أم كلثوم وأسمهان وتليهما منيرة المهدية، بحسب المؤلف، الذى يبدو شغفه وغرامه غير مسبوق بفتحية أحمد أو كما كان يناديها أحباؤها بـ«توحة».

جمع محب جميل أطراف هذه السيرة ولملم خيوطها ــ قدر جهده ــ وأَغنى نصه بثروة بصرية ممتازة، صور نادرة وتحقيقات رائعة لإعلانات ومقالات ومواد مصورة استخرجها بدأب وحماس من بطون الدوريات والصحف القديمة، وهو جهد مشكور غاية الشكر والثناء.

ربما، فى ظنى، كانت مروحة المصادر الخاصة بتاريخ المسرح فى تلك الفترة، أظنها كانت تستدعى اهتماما خاصا، فثمة كتابات ودراسات مهمة وغنية تحتوى على كثير من التفصيلات والبيانات الشارحة التى تتعلق بتلك الفترة، نصوص وعروض وممثلين وممثلات خاصة التى بزغ فيها نجم فتحية أحمد فى الثلث الأول من القرن العشرين، ربما كان من أهمها كتاب محمد يوسف نجم عن «المسرحية فى الأدب العربى»، وكتاب على الراعى عن «المسرح فى الوطن العربى»، وكتاب أحمد شمس الدين الحجاجى المهم جدا عن «النقد المسرحى فى مصر»، وغيرها مما لم تسعفنى به الذاكرة الآن، أتصور أن قراءة فاحصة ودقيقة لهذه المراجع المعتبرة قد تكشف معلومة غائبة أو تضىء سياقا متعلقا بتلك الفترة أو تتصل بشكل مباشر بشخصية فتحية أحمد ذاتها، مما يثرى هذا البحث ويعمقه ويجعله نموذجا معتبرا فى الكتابة السيرية التاريخية. 

«محب» باحث شاب يعطى الأمل بقوة فى أننا لن نعدم مثقفين جادين وباحثين متميزين يستهلون طريقهم بأعمال طموحة ومجهودات ضخمة، تتجاوز قدرات فرد بذاته، يخطو بثبات وثقة فى طريقه، ستتراكم خبرته ويمتلك أدواته دون شك فيما هو قادم من أعمال، وسيكون له إنتاجه القيم، هذه البداية تؤكد ذلك، المجهود العظيم الذى بذله فى جمع مادة الكتاب يستحق الشكر والإشادة، صحيح أنه ليس بوسعه أن يقوم بعمل فريق بأكمله، لكن فى حدود شغفه الفردى فالنتائج عظيمة، وأثق أن أى طبعة جديدة من الكتاب ستحمل «جديدا» و«زيادة» و«إضافة» أيضا.

أما دار الجديد بإدارة المبدعة المثقفة والصديقة العزيزة رشا الأمير، فقد باتت واحدة من الأحصنة السوداء «الذهبية» فى نشرنا العربى، تحية مستحقة لكل عمل استوفى لوازم إخراجه كفاءة وجودة واحترافا.