النخب المصرية والديمقراطية (٢ ــ ٢) - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النخب المصرية والديمقراطية (٢ ــ ٢)

نشر فى : الأربعاء 14 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 14 أغسطس 2013 - 8:00 ص

إذا كانت نخبة السياسة قد أخفقت فى اختبار الديمقراطية خلال العامين ونصف الماضيين، فإن نخب المال والأعمال وأذرعها الإعلامية قد سقطت أيضا فى ذات الاختبار سقوطا مروعا.

باستثناءات محدودة، حافظت نخب المال والأعمال فى مصر على تحالفها التقليدى مع النظام الحاكم قبل ثورة يناير ٢٠١١ وارتبطت عضويا بإدارته المشوهة للشئون الاقتصادية والاجتماعية وأفادت منها فى ظل احتكارات واسعة (حكومية وغير حكومية) وتركز متصاعد للثروة فى يد القلة وتداخل واضح بين مواقع السلطة السياسية والمصالح الاقتصادية والمالية والإعلامية الكبرى.

وعلى هوامش التحالف التقليدى هذا، تبلورت نخبة مال وأعمال إخوانية ساهمت فى تمويل أنشطة الجماعة المجتمعية ومشاركتها فى الحياة السياسية ولم تعدم الروابط مع النظام الحاكم الذى تقلب إزاءها بين البحث عن المنافع المتبادلة وبين التعقب والقمع الصريح.

صبيحة يناير ٢٠١١، كانت مصر بمعية نخبتين للمال والأعمال؛ واحدة متحالفة مع نظام الاستبداد والفساد الحاكم ويتعارض التحول الديمقراطى بمرتكزاته المتمثلة فى الشفافية والمحاسبة ومواجهة الفساد واقتصاد السوق المسئول اجتماعيا مع مصالحها، وأخرى تعبر عن مصالح جماعة الإخوان وأهدافها ولا تمانع فى استبدال احتكار باحتكار وسيطرة اقتصادية ومالية وإعلامية بغيرها إن وصلت جماعتها إلى الحكم. لم تكن مصر، إذن، إزاء نخب مال وأعمال مؤيدة للديمقراطية، أو مستعدة للتعاطف مع مطالب الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية والإسهام فى إنجاح تجربة التحول الديمقراطى.

خلال العامين والنصف الماضيين، بحثت نخب المال والأعمال التى كانت متحالفة مع النظام الحاكم قبل ثورة يناير عن تحالفات جديدة وسعت للتأسيس لشبكات بديلة تتداخل بها مواقع السلطة السياسية مع المصالح الاقتصادية والمالية. ركض البعض باتجاه جماعة الإخوان ونخبتها وطوع أدوات نفوذه الإعلامى لخدمة أهداف الجماعة فى عام رئاسة الدكتور محمد مرسى، وسرعان ما انقلب عليها وعليه بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣. بحث البعض الآخر عن علاقات تحالف مع خليط من القوى المرتبطة بنظام الرئيس مبارك وبعض القوى المتعاطفة مع ثورة يناير والرافعة للافتات الدولة المدنية ومول (دون شفافية حقيقية) تأسيس أحزاب ليبرالية ويسارية وأنفق على حملاتها الانتخابية (أيضا دون شفافية حقيقية) وحملات بعض المرشحين للرئاسة فى ٢٠١٢ (كذلك دون شفافية حقيقية). وحين فاز اليمين الدينى بصناديق الاستفتاء والانتخاب على

التوالى وظف هؤلاء أدوات نفوذهم الإعلامية لمعارضة الرئيس المنتخب ولتهيئة الرأى العام المصرى لتدخل الجيش ولتمويل حملات الضغط الشعبى كتمرد، وسرعان ما انقلبوا على الدولة المدنية والديمقراطية والليبرالية التى تشدقوا بها منذ ٢٠١١ وأيدوا ترتيبات ما بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ التى تتناقض جذريا مع المدنية والديمقراطية.

أما نخبة المال والأعمال الإخوانية، فلم تقف طويلا أمام مبادئ الديمقراطية ومضامين الشفافية والمحاسبة ومحاربة الفساد وشرعت فى استبدال احتكار باحتكار وسيطرة اقتصادية ومالية وإعلامية بأخرى وتداخل بين السلطة والثروة بتداخل بديل. هنا أيضا، ودون شفافية حقيقية، مول تأسيس أحزاب اليمين الدينى وحملاتها الانتخابية وحملات المرشحين للرئاسة المحسوبين عليها. هنا أيضا وبعد وصول الدكتور محمد مرسى إلى الرئاسة وفى تشابه بنيوى مع نظام الرئيس مبارك، استمر التشوه فى إدارة الشئون الاقتصادية والمالية فى ظل احتكارات لم تغب وبانحياز لمصالح القلة وبتجاهل لمتطلبات العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. هنا أيضا، وظفت أدوات النفوذ الإعلامية لتشويه القوى المعارضة لليمين الدينى بل وتخوينها ولم يختلف أبدا أداء الإعلام المحسوب على الإخوان عن الإعلام المناوئ لهم، ذات المهنية والموضوعية الغائبتين وذات الرسائل التحريضية والعبث بوعى المصريات والمصريين. واليوم، ومع ترتيبات ما بعد ٣٠ يونيو تنتظر نخبة المال والأعمال الإخوانية من الحكام الجدد عودة ثنائية نظام الرئيس مبارك، بعض المنافع المتبادلة وبعض التعقب والقمع.

والحال أن مصر، مع نخب سياسة ومال وأعمال وإعلام كهذه سقطت فى اختبار الديمقراطية سقوطا مروعا، فشلت فى إدارة التحول الديمقراطى خلال العامين ونصف الماضيين. ليس عموم المصريات والمصريين هم غير المؤهلين للديمقراطية، آليات وممارسة، بل النخب المصرية هى غير الجاهزة لكلفة الديمقراطية والمستعدة دوما للتخلى عنها والانقلاب عليها دفاعا عن مصالحها الضيقة. لا تبحثوا عن أسباب فشل التحول الديمقراطى بين القطاعات الشعبية، فوعى هؤلاء الحضارى مبهر وما أصابه خلال العامين ونصف الماضيين هو من فعل عبث النخب وإهدارها لكل قيم ومبادئ المدنية والديمقراطية. ففى البدء كانت مسئولية النخب غير الملتزمة بالديمقراطية، وفى المنتهى كان إخفاقها الذى دفع بمصر إلى الفشل الراهن والأزمة المركبة الناتجة عنه.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات