فقه العلاقات الدولية (5) رؤية الإسلام للعالم - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 3:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فقه العلاقات الدولية (5) رؤية الإسلام للعالم

نشر فى : الجمعة 14 سبتمبر 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 14 سبتمبر 2012 - 8:25 ص

أحد أبرز قضايا القرآن هى قضية رؤية الإسلام للعالم أو للكون بما فيه بصفة عامة وللإنسان بصفة خاصة، والرؤية الكونية هى المنبع الذى تصدر منه جميع السياسات، ويترتب عليه جميع القرارات والمواقف، حتى أننا نستطيع أن نجزم أن الرؤية الإسلامية للكون وسكانه هى أصل من أصول الدين، وقاعدة أساس للعقيدة الإسلامية .

 

فأولا: المسلم وهو يؤمن بإله واحد يعلم يقينا أن هذا الإله الواحد جل جلاله قد خلق كونا واحدا، وعلى ذلك فكل تقديس للإله الواحد يلتزم الحرص والحفاظ على أملاك هذا الإله الواحد، وعدم العبث بجميع أجزاء هذا الكون لأنها جميعها ملك خالص للواحد الأحد الذى يعبده المسلم.

 

وثانيا: المسلم وهو يؤمن بإله واحد يعلم يقينا أن هذا الإله الواحد جل جلاله قد خلق خليفة واحدا هو آدم وذريته، وأن البشرية جميعها تنتمى لهذا الخليفة، فالبشر جميعا أخوة لأب وأم لا فرق بين أبيض وأسود، لهذا تعدد النداء الإلهى فى القرآن بهذا الأصل المشترك لجميع البشر (آدم ) (ص) قبل أن يطرأ عليهم أى فارق من فوارق الحياة وأعراضها، فانظر إلى القرآن وهو يجمع البشرية كلها فى نداء واحد فى سورة الأعراف:

 

( يَا بَنِى آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِى سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ..... (26)

 

( يَا بَنِى آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا.. (27) ( يَا بَنِى آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِى فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)

 

هذه نداءات لجميع البشر يستمعون فيها للخطاب الإسلامى معلنا أنه لا خليفة ولا سيدا فى الأرض غير آدم وذريته، ومعنى هذا أن الإنسانية كلها أسرة واحدة وإن تعددت الألوان والألسن والعقائد والآراء، وعلى ذلك فلابد من تعايش سلمى بين أبناء الأسرة العالمية الواحدة.

 

وقد يتعجب ـ محدود الدراية بالقرآن ـ من ذكر القرآن لمصطلح «الناس»، ومصطلح «الذين آمنوا» فالقرآن قد تحدث إلى عموم الناس أكثر من 240 مرة وقرابة مثل هذا العدد جاء الحديث للذين آمنوا. فالقرآن الكريم ليس خطابا للمؤمنين به فحسب بل هو خطاب مفتوح دائما لجميع البشر تأكيدا من الإسلام أن الإنسانية كلها أسرة واحدة، بل هم جميعا مدعوون دائما لمائدة القرآن دعوة عامة مفتوحة إلى يوم القيامة من شاء منهم ومن أبى، ولا يغلق الباب فى وجه أحدا، ولا يحال بينه وبين تتبعه للقرآن ودعوته.

 

وثالثا: يجئ تقرير القرآن لحقيقة الدور البشرى فى الحياة بقوله تعالى (....هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) هود

 

فالهدف المباشر من وجود البشر ـ كل البشر ـ فى هذه الدنيا هو إعمارها ولا شك أن أولى خطوات الإعمار هى منع الحرب ومنع الخراب والدمار، وإذا تلاشت الحرب فالإنسان قد أمن على نفسه وماله ودمه، بل قد أمن على يومه وغده، وهذا الأمن هو الدافع للإعمار والتنمية... وهو الضامن لحياة الإنسان وكرامته، ولحريته وإرادته

 

وهنا يجب أن نعرف السمة المميزة للإسلام وشريعته قبل أن نغادر هذه النقطة... فدراسات القانون الدولى العام الموجودة فى الغرب والشرق تنطلق من بقايا القانون الرومانى القديم ذلك القانون ثنائى المعيار. فالإمبراطورية الرومانية كانت تتبنى قاعدتين قانونيتين فى وقت واحد. فشعب روما وحده ينعم بقواعد «القانون المدنى»، أما جميع سكان الإمبراطورية فإنهم يخضعون لمعيار آخر وقانون آخر هو «قانون الشعوب»، أما الشريعة الإسلامية وفى نص القرآن الكريم المعلن لجميع الناس فإن البشرية كلها أسرة واحدة تسكن عالما واحداُ وينبغى أن تظللها كلها عدالة قانونية واحدة، فلا يصح شرعا ولا عقلا أن تتعامل الأسرة الواحدة بمعيارين، وكيف يتعدد المعيار والأصل واحد والمسكن واحد ومالك الملك وصاحب الأمر والنهى إله واحد؟ ألست معى فى ضرورة أن نضع قاعدة عقلية تقول:

 

إن الذين يعبدون إلها واحدًا، لابد وأن يكونوا شعبا واحدا، وأن تظللهم جميعا قاعدة قانونية واحدة.

 

يتبع،،،،،،

 

 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات