هل من سبيل للتهدئة فى الصراع السياسى فى مصر؟ - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل من سبيل للتهدئة فى الصراع السياسى فى مصر؟

نشر فى : الإثنين 14 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 14 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

لا شك أننا نواجه وضعا دقيقا فى مصر فى الوقت الحاضر. فقد أنجزنا بفضل الموجة الثانية لثورة يناير 2011 فى 30 يونيو عودة العقل إلى السياسة المصرية، ووضعنا خارطة للمستقبل نأمل أن تنقلنا إلى أوضاع أكثر ديمقراطية بدستور يتفق مع روح العصر، وانتخابات برلمانية ورئاسية تضع بلادنا على المسار الصحيح نحو تحول ديمقراطى حقيقى يلبى تطلعات الذين بادروا وشاركوا فى الثورة على نظام كانت سمته الأساسية هى احتكار السلطة والثروة فى أيد قليلة والتجاهل الكامل لمطالب المواطنين فى عيش كريم والعدالة الاجتماعية. وقد كان الأمل يحدو الكثيرين من المصريين الذين شاركوا فى هذه الموجة الثانية لثورة يناير أن يثوب الإخوان المسلمون إلى عقولهم، ويدركوا أن الشعب أو قطاعات واسعة منه رفضت حكمهم، ليس عداوة منها للإسلام، أو شهوة للسلطة، ولكن لأنهم أظهروا عجزا عن الحكم الرشيد للبلاد، واهتموا فقط بإحكام قبضتهم عليها، ومع ذلك استمروا يصفون ما حدث بأنه انقلاب عسكرى، رفضوا أن يتعاملوا معه، وبدلا من أن يتعلموا من دروس فشلهم، ويتكيفوا مع أوضاع جديدة فى مصر، فإنهم يواصلون احتجاجاتهم، ويقودون أنصارهم لتحدى السلطات الجديدة والمواطنين، ولا يتنازلون فيما يبدو عن مطالب بإعادة رئيسهم المعزول لممارسة سلطاته، وإحياء دستورهم الذى لا يتفق مع روح العصر، وعودة مجلسهم للشورى الذى انتخبته قلة ضئيلة من المواطنين، بل ومحاكمة من تجرأوا على مساندة مطالب الجماهير الغفيرة فى 30 يونيو. وهكذا لا تعرف مصر الاستقرار الذى تتطلع له لبناء مؤسساتها، وإنعاش اقتصادها، والتفرغ للوفاء بحاجات المواطنين لعمل لائق، ودخل كريم، وعيش يحقق لهم الكرامة.

●●●

ولاشك أن هذه الأوضاع تشغل صانعى القرار على أعلى المستويات فى مصر فى الوقت الحاضر، لعلهم يجدون مخرجا منها يؤمن للمصريين الاستقرار الذى ينشدونه حتى تتحقق هذه الغايات النبيلة. وقد تصورت أن حوارا دار بين ثلاثة من كبار المسئولين هؤلاء. وأطرح على القارئ ما يساعدنى الخيال العلمى على أن أستشف ما يمكن أن يكون قد دار من بينهم من حديث.

بدأ أحدهم الحديث ووجهه غاضب، وملامحه مكفهرة. ليس من سبيل فى رأيه للخروج من هذا الموقف إلا بالتزام الحزم. لابد من وقف المظاهرات بحظرها تماما على الجميع، واتباع أقصى درجات الشدة فى التعامل مع الأنشطة الإرهابية فى سيناء وأنحاء أخرى من الوطن، والصرامة فى التطبيق الفورى لحكم محكمة الأمور المستعجلة بحل جماعة وجمعية وتنظيم الإخوان المسلمين ومصادرة أموالها، وأموال قادتها، والإسراع بمحاكمة كل قادة الإخوان المسلمين، وإبقاء من ألقى القبض عليه من نشطائهم فى المعتقلات حتى يعلنوا ندمهم على ما اقترفوه فى حق المواطنين. هذا فى رأيه هو الطريق الوحيد لاستعادة الاستقرار وتطبيق خارطة المستقبل.

●●●

هنا تدخل ثانى هؤلاء المسئولين الكبار، تحدث بهدوء وهو يبتسم. قال لقد أعيانى البحث عن حل، وشرح كيف أنه لا يشارك زميله الرأى. وأفاد بأنه ليس متأكدا أن أخذ الأمور على هذا النحو من الشدة سوف يكون هو المسلك الصحيح والواقعى. الإخوان المسلمون فى رأيه جربوا الحظر سنوات طوال تقرب من ستة عقود، ومع ذلك بقى تنظيمهم، بل لقد توسع كثيرا وامتد إلى قطاعات عديدة من المواطنين. وحظر وجودهم القانونى سوف يحررهم فى رأيه من ضرورة التظاهر على الأقل بطاعة القانون، وسوف يدفعهم إلى الاستغراق فى العمل السرى الذى يتقنونه. كما أنهم سيردون على هذا التوجه الصارم فى مواجهتهم بتصعيد احتجاجاتهم والبحث عن سبل أخرى لتحدى سلطات الحكم حتى ولو كانت تضايق المواطنين. صحيح أن القوات المسلحة تحقق بعض النجاح فى مواجهتها للأنشطة الإرهابية فى سيناء وفى الدلتا، ولكن الحرب ضد الإرهاب شكلت تحديا هائلا لأقوى الجيوش فى العالم، وليس هناك حل سهل يقضى على هذه الجماعات المسلحة عالية التدريب، وسوف تستمر هذه المواجهة فترة طويلة حتى تنتهى بما يمكن اعتباره نصرا للقوات المسلحة. ولكن حتى يتحقق ذلك سوف يسقط ضحايا كثيرون من الأبرياء، بعضهم على يد هذه الجماعات، والبعض الآخر سوف يعانى تضييقا فى الحريات، أو خسارة للأموال، أو ضيقا للرزق، بسبب ما يترتب على هذه المواجهات من إجراءات استثنائية يدفع ثمنها مواطنون عاديون لا شأن لهم بهذه الجماعات الإرهابية فضلا على أن هذا الأسلوب الصارم فى التعامل مع الإخوان المسلمين قد يكسبهم بعض العطف من المواطنين المصريين الآخرين الذين ترق قلوبهم عندما يعرفون بموت أحد أو إصابته إصابة بالغة على يد قوات الأمن. بل إن هذا هو ما يريده الإخوان المسلمون، حتى يحتفظوا بصورة المضطهد التى تروق لهم. فضلا على أن ذلك يكسبهم تعاطف الرأى العام العالمى معهم كما رأينا ما حدث فى أعقاب تصفية اعتصامى رابعة العدوية وميدان النهضة. لا يرى هذا المسئول مخرجا سوى السعى لنوع من المصالحة التاريخية مع الإخوان المسلمين، تسمح لهم بالعمل السياسى مع الفصل بينه والعمل الدعوى، وعدم خلط الدين بالسياسة، واعترافهم بالدستور الجديد واستعدادهم للعمل فى ظله.

●●●

هنا تدخل ثالث هؤلاء المسئولين، وأبدى اعتراضه على ما قاله زميلاه. هو بدوره مقتنع بعدم فعالية القمع وحده سبيلا لاستعادة الاستقرار، وهو يرى خطورة السماح للإخوان المسلمين بالعمل السياسى فى المستقبل القريب كما أنه ليس مقتنعا بأنهم سوف يقبلون ببساطة الاعتراف بمسئوليتهم عما جرى فى البلاد بعد تولى واحد من قادتهم منصب رئيس الجمهورية، وفى رأيه أن هناك مخرجا ثالثا لا يعد بتسوية كل الخلافات مع الإخوان المسلمين أو التخلص من تنظيماتهم على الفور. فى رأيه أن مصر تحتاج فترة التقاط أنفاس يعيد فيها كل طرف حساباته. ويتحسس طريقه فى ظل أوضاع جديدة. ليس هناك حل سحرى لهذه المواجهة. ومن غير الواقعى تصور أن تنظيما مثل الإخوان المسلمين يمكن أن يختفى من على ظهر الأرض بين يوم وليلة أو أن دوره فى الحياة السياسية المصرية على وشك أن ينقضى. أعرب عن اعتقاده بأن الإخوان المسلمين لا يملكون مشروعا سياسيا جادا أو تحليلا صحيحا لمشاكل الوطن، ولكن السؤال الذى يحيره هو كيفية التعامل مع هذه الجماهير الغفيرة التى تؤيد الإخوان المسلمين أو تتعاطف معهم، وهم ليسوا جميعا من الفقراء وغير المتعلمين. للإخوان المسلمين من يشاركهم أفكارهم بين الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والطبقة المتوسطة فى الأقاليم وخاصة فى الصعيد. ستكسب مصر كثيرا لو شارك هؤلاء فى العمل المستنير الذى يدفعها على طريق التقدم، وتخسر كثيرا بتهميشهم. اعترف أنه لا يملك حلا سحريا لهذه المعضلة، ولكنه يقترح تهدئة متبادلة من الجانبين تشمل تأجيل محاكمة قادة الإخوان المسلمين إلى حين انتخاب حكومة جديدة فى مصر تحظى بالدعم الشعبى، وإطلاق سراح من لا تقوم اتهامات جادة فى مواجهتهم، ولا مانع من دخولهم الانتخابات القادمة كمستقلين أو فى إطار أحزاب أخرى قائمة، وفى المقابل يتوقفون عن مظاهراتهم ويشجبون أعمال الإرهاب التى يقوم بها من يدعون أنهم يحملون رايتهم، ويعترفون بالدستور الجديد ويلتزمون بالعمل السلمى وفقا لما تنص عليه أحكامه.

●●●

لم يتفق المسئولون الثلاثة على أى من هذه البدائل. فما رأيك عزيزى القارئ فيما يمكن أن يكون الطريق لاستعادة الاستقرار فى وطننا الحبيب والمضى على طريق الديمقراطية والتقدم.

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومدير شركاء التنمية

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات