حوار مع القراء حول البرادعى - عبد العظيم حماد - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حوار مع القراء حول البرادعى

نشر فى : الإثنين 14 ديسمبر 2009 - 9:45 ص | آخر تحديث : الإثنين 14 ديسمبر 2009 - 11:17 ص
من بين عشرات الرسائل التى تلقاها بريدى الإلكترونى، وهاتفى المحمول تعليقا على مقال الأسبوع الماضى، اختلف معى ستة قراء فقط على الرغم من أنهم مؤيدون للبرادعى، أو لموسى، وللتغيير والإصلاح عموما، وكانت رسالة واحدة فقط هى التى ترفض الاثنين، أو أى مرشح محتمل آخر للرئاسة باستثناء مرشح الحزب الوطنى الحاكم.

المعارضون لدعوتى للبرادعى وموسى وكل الشخصيات الحائزة على ثقة المواطنين لاتخاذ انتخابات مجلس الشعب المقبلة نقطة بداية للعمل الجاد وسط الجماهير.. هؤلاء المعارضون معظمهم مشفقون على الدكتور البرادعى على وجه الخصوص من التعرض «للبلطجة والتزوير والتشويه» على حد ما ورد بالحرف فى رسائلهم، وهم تحديدا الدكتور عادل قاسم والمهندس أيمن زغلول والزميلان محمد المصرى، ومحمد حسين، أما المهندس سعيد، فهو يائس مقدما من أن دخول أمثال هذه الشخصيات، ونجاحها فى الحصول على مقاعد برلمانية فسوف يحدث أى اختلاف، لأنه يتساءل تهكما.. وماذا فعل مائة عضو مستقل ومعارض فى مجلس الشعب الحالى؟

أما الدكتور محمد عبدالرحمن مصطفى فقد انفرد وحده بالاستنتاج أن مقال الأسبوع الماضى يعارض ترشيح البرادعى للرئاسة ويقطع الطريق عليه أو يقلل من شأنه ، مفسرا ذلك الاستنتاج بأننى طامع فى مكافأة من الحزب الحاكم وله بالطبع أن يفهم ما يشاء، ويستنتج ما يحلو له، ولعله كان يتوقع منى مبايعة على بياض للبرادعى أو لموسى، فلم يجدها، ووجد ــ بدلا من ذلك ــ اقتراحا بخطة عمل محددة تبدأ بها الشخصيات السياسية ذات الاحترام والمصداقية مسيرتها الطويلة فى قيادة أكبر كتلة ممكنة من المواطنين لإحداث التغيير المطلوب، ولا خلاف على أن الانتخابات البرلمانية المقبلة هى مناسبة سياسية من الطراز الأول ينبغى ألا تضيع فى انتظار الانتخابات الرئاسية بعدها بأكثر من عام.

أما الاشفاق على البرادعى وغيره من تلك الشخصيات من التعرض للبلطجة والتشهير والتزوير، فإنى مع كل الاحترام لأصحاب هذا الرأى أرفضه جملة وتفصيلا، لسبب بسيط هو أن الرجل وغيره ممن ألمحوا ضمنا لاستعدادهم للتفكير فى الترشح لرئاسة الجمهورية، تعرضوا فورا لهذا التشويه والتشهير الذى وصل منذ اللحظة الأولى إلى قاع الحضيض فى أساليب الاغتيال المعنوى للشخصيات، أما السبب الثانى والأهم، فهو أن دفع ثمن باهظ للتغيير كان وسيبقى ضرورة لا مفر منها، ولا شك لدى لحظة واحدة فى أن البرادعى نفسه، وجميع من يفكرون مثله هم أول من يعلمون ذلك، وأول من يجب أن يكونوا مستعدين له، ثم من قال إنهم لن يتعرضوا لمثل ذلك وأكثر منه فى الانتخابات الرئاسية؟ والله لو أن أحدا من هؤلاء المشفقين قدم لنا ضمانا بأن البلطجة والتشويه والتزوير لن تحدث فى الانتخابات الرئاسية، لسحبت فورا اقتراحى الذى يعترضون عليه.

وحتى نحصل على مثل ذلك الضمان تعالوا نتذكر معا الأثمان الباهظة التى دفعتها زعامات سياسية قدمت نفسها «روافع للتغيير» فى مصر وفى العالم كله، فى ظرف تاريخى متيبس مثل الذى تمر به الحالة المصرية حاليا، وفی ظل نظام متحكم ومحتكر ولا يملك من مسوغات الشرعية سوى قوة الأمر الواقع كالنظام المصرى الحالى، لكنه يملك إدارة جاهزة لارتكاب جميع الموبقات، واستخدام أحط الأساليب فى الصراع السياسى، مستندة إلى تراث تاريخى طويل بعد الثورة وقبلها.

نبدأ بمصر نفسها فنذكر أو نتذكر أن صاحب المقام الرفيع الرئيس الجليل (بحق) مصطفى النحاس باشا زعيم الأمة ووكيلها الأمين كان ينام على أرصفة محطات السكة الحديد بصحبة محمد محمود باشا (ابن من عرض عليه الملك فأبى»، حين اتفق الحزبان الكبيران «الوفد والأحرار الدستوريان» على قيادة حملة شعبية لإسقاط دستور صدقى باشا وحكومته من عام 1930 حتى عام 1933.. إذ كانت حكومة صدقى فى قمعها للاحتجاجات الشعبية تلغى رحلات القطارات التى كان مقررا أن يستقلها النحاس ومحمد محمود، أو تغير مسار الرحلة بالكامل، حتى إن القطار الذى كان مقررا أن يذهب بهما إلى الصعيد، اتجه إلى الواحات فى إحدى المرات، لكن تلك البراعة فى الانحطاط فى إدارة الصراع السياسى لم تردع لا النحاس ولا زملاءه فى الوفد، ولا محمد محمود وزملاءه فى الأحرار الدستورية عن مواصلة جهادهم لإعادة دستور الأمة، وإسقاط صدقى وحكومته ودستوره، كما أن هذه الأساليب بالغة الوضاعة وغيرها لم تنقذ تلك الحكومة وذلك الدستور من المصير المحتوم.

مثال آخر من تاريخ مصر السياسى يقترب بعض الشىء من جوهر اقتراحنا على البرادعى وموسى وغيرهما بالبدء بخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، ففى عام 1938، وكان الملك قد أطاح بحكومة النحاس المنتخبة، وحل البرلمان، ونصب محمد محمود رئيسا للحكومة أجرت هذه الحكومة انتخابات لبرلمان جديد دخلها الوفد، ولأن حقائق السياسة وقتها كانت تعنى أن فوز الوفد مؤكد، فقد استخدمت الحكومة كل ترسانة أسلحة التزوير، وجاوز الفجور مداه بإسقاط النحاس باشا نفسه فى دائرة سمنود مسقط رأسه، ولكن لأنه كان النحاس باشا، فقد خرج وخرجت مصر كلها من هذه التجربة بدروس ومكاسب هائلة، فقد أصبح مسلما به أن كل انتخابات تجريها حكومات الأقلية سوف تكون مزورة، وبالتالى أصبحت مقاطعة الوفد لمثل هذه الانتخابات مطلبا شعبيا، وحكما مسبقا على انتخابات بالبطلان، وأصبح الحل الذى يرضخ له الملك وأحزاب الأقلية عند استحكام الأزمات هو إقامة حكومة محايدة لإجراء الانتخابات النزيهة، وما كان للحركة الوطنية الديمقراطية المصرية أن تحصل على هذه الدروس والمكاسب لو أن النحاس باشا والوفد لم يخوضا انتخابات يخسرها الوفد ويسقط فيها النحاس شخصيا ليثبت لخصومه قبل أنصاره «ذلك الفجور من جانب حكومات الأقليات».

من المؤكد أن هذه الأمثلة من تاريخ مصر السياسى كافية للإقناع بأن من يطلبون تغيير أوضاع سياسية شديدة التعاسة مثل التى تعيشها مصر عليهم أن يدفعوا ثمنا، سواء كانوا زعامات أو مواطنين، لكن لا مانع على سبيل الاستشهاد بأمثلة التاريخ القريب أن نتذكر ماذا فعلت الشعوب الأخرى وقياداتها من أجل التحول الديمقراطى السلمى، دعنا من نموذج الثورة الإيرانية، فهذا ما لا نتمناه لمصر، ولكننا نخشى منه إذا لم تفلح الأساليب التى ندعو إليها، فماذا حدث فى الفلبين وإندونيسيا وبولندا، وألمانيا الشرقية، وروسيا نفسها وغيرها من المجتمعات التى تحولت إلى الديمقراطية فى أوروبا الشرقية وآسيا وأمريكا اللاتينية؟

ليخ فاليسا البولندى «العامل» مؤسس حركة تضامن، دخل السجن أكثر من مرة، وحركته حظرت كذلك أكثر من مرة، ولكنه لم يتراجع عن كفاحه السلمى حتى غير وجه الحياة فى بلده وفى العالم كله، والسناتور الفلبينى آكينو قتل بتحريض من الديكتاتور ماركوس لدى عودته من المنفى الطويل لقيادة المعارضة فى انتخابات البرلمان، وكانت الرصاصة التى اغتالت آكينو هى نفس الرصاصة التى اغتالت نظام ماركوس بجبروته وفساده، ووضعت أرملة آكينو على كرسى الرئاسة.

أما بوريس يلتسين فى روسيا رغم الاعتراض على ما فعله بعد ذلك ــ فقد طرد من الحزب، وأوشك على دخول السجن، ولكنه واصل التحدى حتى انتخب رئيسا (غير شيوعى) لروسيا وهى لاتزال جزءا من الاتحاد السوفييتى الذى كان يرأسه خصمه ميخائيل جورباتشوف.. إلى آخر هذه النماذج التى تستحق مقالا أو سلسلة مقالات، أو ربما كتابا كاملا.

وبعد: لا أدعى أن اقتراحى هو أفضل نقطة بداية لكسر الحائط المصمت السميك الذى يعيش فيه نظامنا السياسى، والذى يعتقل التطور الطبيعى نحو الديمقراطية على أرض النيل، بل ربما يكون لدى آخرين اقتراحات أفضل لا أعرفها، لكن المهم هنا هو أن السياسة ليست فقط مبادئ وبرامج ومطالب، ولكنها أيضا خطط للعمل والتنظيم لتحقيق كل ذلك، ومادمنا نتحدث عن تحول ديمقراطى فإن هذه الخطط ينبغى أن تجذب أكبر عددا من الجماهير، وتحرك هذه الجماهير للمشاركة والفعل (السلميين)، ولحسن الحظ فإن الدكتور محمد البرادعى نفسه أشار فى أحدث تصريح له «للزميلة المصرى اليوم» أنه سوف يسعى مع الشعب المصرى لتغيير الدستور الحالى الذى يقصى 95٪ من الشعب عن المشاركة السياسية.. على حد قوله.

بقى أن أشكر أصحاب التعليقات المؤيدة للاقتراح الوارد فى مقال الأسبوع الماضى، ولأن المساحة لا تكفى، فليعذرنى من لم ينشر تعليقه فى باب رسائل القراء بـ«الشروق»، ومن لم يرد اسمه فى هذه السطور، لكنى أخص بالشكر أستاذنا سيد ياسين، والدكتور على الغتيت، والزميل عبدالمنعم مصطفى، والأستاذ أحمد جنيدى، والمهندس سيف عنان، والدكتور كامل حسن. والشكر أيضا للمعارضين والمشفقين .. وأقول للجميع إذا كانت المساحة نضيق فإن الصدور واسعة والعقول أوسع.

عبد العظيم حماد رئيس تحرير جريدة الشروق السابق. كاتب صحفي مصري بارز ، وشغل عدة مناصب صحفية مرموقة على مدار تاريخه المهني.ولد عام 1950 ، وحصل على بكالوريوس العلوم السياسية ، وعمل كمحرر ومعلق سياسي منذ عام 1973 ، سواء في الإذاعة والتليفزيون أو في مجلة أكتوبر أو في جريدة الأهرام ، وكان مديرا لتحرير الأهرام الدولي في أوروبا ، وكبيرا لمراسلي الأهرام في منطقة وسط أوروبا ، وله مؤلفات وأبحاث وكتابان مترجمان ودراسات دولية متنوعة.