الشفافية قبل الوثيقة (3) - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 4:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشفافية قبل الوثيقة (3)

نشر فى : الجمعة 14 ديسمبر 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 14 ديسمبر 2012 - 9:08 ص

(1)

مصطلح الشفافية ليس مستوردا كما يتوهم البعض، فقد أكثر القرآن من ألفاظ (البيان، التبين، المستبين)، كما أمر المسلم بالتبين والبيان، وما «البلاغ المبين» إلا درجة شديدة الكثافة من الشفافية والوضوح لأن «البلاغ المبين» هو الوظيفة الرئيسة للمرسلين ولإظهار قيمة البيان والتبين يوضح القرآن «قداسة الوضوح والبيان» فيكرر (أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ)، وأن القرآن وهو دين الناس ودنياهم وآخرتهم (..تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ)، وكثيرا ما يصف القرآن آيات الله الكونية وآياته القرآنية بأنها بينات واضحات.

 

فليس فى أساس الدين (المعبود ــ الرسول ــ الكتاب) إلا وضوح وبيان ونور وضياء، وعلى ذلك لابد وأن يعتاد المسلم على البيان والتبين والتبيين ويزداد ذلك إيضاحا حينما يبين الوحى علاقة الرسول بالقرآن وعلاقة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالبشر، فعلاقة «الرسول المبين» بـ«القرآن المبين» هى علاقة زيادة الشفافية والكشف فيقول القرآن (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ)، فهذا الكتاب مبين واضح ومع ذلك يصلنا خلال ضياء ونور إضافى هو نور الرسول (صلى الله عليه وسلم) ليزداد وضوحا كما أن وظيفة «الرسول (صلى الله عليه وسلم)» بين الناس هى «البلاغ المبين».

 

(2)

 

أما علاقة الرسول بالبشر فهى وظيفته الرسالية (..وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)، وقد أوضح القرآن ضوابط البلاغ المبين.

 

فأولا: يتنزل القرآن على رجل أجمع معاصروه على أنه «صادق أمين» غير متهم بعصبية ولا انحياز حتى يطمئن المتعاملون معه إلى صدقه، ثانيا: رجل «غنى عن الناس» ليس بحاجة إلى دعمهم المادى ولا المعنوى (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)، ثالثا: رجل لا يبحث عن زعامة حتى لا يستقطب الناس فى فرق وجماعات تمزق الأمة (..قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)، رابعا: رجل لا يرتبط بتراث يصر عليه (..أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ..)، خامسا: كذلك فالنص الإلهى جاء بلغة الذين أُنزل عليهم (بالقراءات المختلفة) حتى يتيسر لجميع اللهجات استيعابه وفهمه (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ..)، سادسا: أمر الله بتدوينه ليبقى حجة بينهم محفوظا من الضياع والتحريف، سابعا: أمر الله بقراءة القرآن فى الصلاة جهرا على مسامع الناس ضمانا لذيوعه وانتشاره ويبقى دائما فى أذهان الجميع (..فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ)، ثامنا: فقد حرر الله عقل الإنسان من جميع الضغوط (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ..)، فالإنسان حر فى اختيار قناعاته التى تريحه بشرط أن يتحمل مسئوليته عن إختياره، تاسعا: تحددت مسئولية الإنسان فيما يقدر على استيعابه وعمله حيث يقول تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ..)، عاشرا: لايتحمل الإنسان بأفعال غيره، بل بأعماله فقط (..وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى..)

 

(3)

 

والاستفتاء السياسى بالشكل المعروف أداة غير منتجة ولا سريعة فى تحقيق الوفاق السياسى، فالأصل أن الاستفتاء يتيح للمواطن خيارا من خيارات قريبة من إحتياجاته، فلابد أن يكون الإستفتاء بين بديلين أو ثلاث، والأنسب أن تقوم الجمعية التأسيسية مع استيعابها لكل التيارات بوضع نموذجين لمشروع الدستور بحيدة ونزاهة، ثم تكون بطاقة الاستفتاء من «ثلاث خانات» (1) للنموذج أ)، (2) للنموذج ب)، (3) لرفض النموذجين). أما أن يقوم الاستفتاء على نموذج واحد، فهذا تضييع للوقت وحصار للرأى وتحكم من صانع القرار يحاصر به المواطنون.

 

(4)

 

لماذا لم نصنع وثيقتين أو ثلاث ويتولى الإعلام مناقشة الوثائق الثلاث بإعتبارها آراء مختلفة حتى يتبين الناس من النقاش الفرق بين صيغة وأخرى، وأى الصيغتين أنفع للوطن والمواطنين فى هذه الظروف التى نعيشها بعد الثورة، وكان من الواجب أن يخصص أسبوع لكل باب من أبواب الدستور يتداول النقاش حوله فى الفضائيات والصحف والمنتديات العامة والخاصة حتى يتبين المواطن أين يضع إرادته، ولماذا لم تقم النقابات المتعددة بعقد ندوات وورش عمل لمناقشة أبواب ومواد الدستور وتصيغ تصورها المهنى لما يتضمنه الدستور من حقوق وواجبات وأن يشيع ذلك بجميع وسائل النشر، ولماذا لم تدع الجامعات لمؤتمرات علمية لمناقشة مشروع الدستور من خلال رؤى الأساتذة والخبراء الأكادميين.

 

لقد ظُلم مشروع الدستور ظُلما بينا على يد صانعيه ومعارضيه فصانعو الدستور ظلموه بتسرع لا مبرر له، وإصرار غير مفهوم، كما ظلمه معارضوه فى ضوء «دكتوراه فى العناد» التى ابتكرها «الخليع المخلوع».

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات