شكسبير.. يحكى عن زماننا - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شكسبير.. يحكى عن زماننا

نشر فى : الجمعة 15 يناير 2016 - 10:05 م | آخر تحديث : الجمعة 15 يناير 2016 - 10:05 م
هل دار بخلد جمال عبدالناصر، حين وقف على خشبة مسرح «برنتانا» عام ١٩٣٥، ليؤدى دور «يوليوس قيصر»، أنه، بعد أقل من عقدين، سيغدو، حاكما مطلقا على مصر.. وهل أدرك مدى الأخطار المحدقة بهذا المنصب الرفيع، الذى يثير لعاب الآخرين، وبالتالى، أصبح عليه أن يكون منتبها، حذرا، يبادر بتصفية خصومه، قبل استفحال أمرهم، وإلا سيلقى حتفه، كما حدث مع قيصر شكسبير، الذى وقع اغتياله فى منتصف المسرحية.
من الصعب الإجابة على مثل هذه الأسئلة، لكن المؤكد، أن الشاعر الملهم، نافذ البصيرة، المتفهم لجوهر الأمور، العارف بتضاريس النفوس البشرية، المتمكن من أصول فنه، لا يرصد الظواهر وحسب، بل يضع يده على الأسباب والقوانين المؤدية لها، سواء فيما قبله، أو أيامه، أو فيما بعد رحيله بعدة قرون.. لذا، من الصواب أن يصفه النقاد بأنه «معاصرنا»، أو أن يصرح السياسى، رئيس الوزراء البريطانى، كاميرون، بأنه «لايزال يعيش بيننا».
السلطة، الصراعات من أجلها، وحولها، بألوانها الرمادية، ممثلة فى الدسائس والمؤامرات، وألوانها الحمراء المخضبة بدم الضحايا والجناة، تتوافر بسخاء فى تراجيديات وليم شكسبير، مثل «مكبث»، «الملك لير»، «هاملت»، لكن «يوليوس قيصر»، بالنسبة لنا، أبناء البلاد العربية، تبدو، بانغماسها فى تجسيد التمسك الجنونى بالسلطة، والتلاعب بمشاعر الجماهير، كما لو أنها، على نحو ما، تعبر عما دار، ولايزال، فى حياتنا.
أمران، بالنسبة لنا، هما الأبرز، والأقوى التصاقا بنا.. أولهما، يجسد الشغف بالسلطة، الهيام بها، التمسك بدست الحكم، حتى لو تظاهر المرء بالتعفف عنها، ورفضها.
فى سطور مكثفة، بارعة، مختزلة، يصف أحد شهود تنصيب «يوليوس» قيصرا على روما، كأنه، يلخص، ببلاغة، مسيرة حكامنا، فى العقود الأخيرة.
يقول الشاهد: بينما تهتف الجموع باسم القائد المنتصر، يوليوس، يتقدم «مارك أنطونى» «منه، حاملا معه أكليل الملك، كى يضعه فوق رأسه، لكن يوليوس يزيح الإكليل بظهر كفه.. الجمهور يصيح، يعترض على رفض يوليوس.. «مارك أنطونى»، يعيد المحاولة، وفى هذه المرة، يمسك «يوليوس» بالإكليل، كى يبعده.. لكن الراوى، بفطنته، يلاحظ فى طريقة إمساك يوليوس بالإكليل، رغبة فى عدم تركه.. حينئذ، حسب وصف الشاهد «أخذ الغوغاء يصرخون، ويصفقون بأكفهم الخشنة، ويقذفون قلانسهم فى الهواء».. أخيرا، نزل «يوليوس» على إرادة الجماهير، وأصبح قيصرا.
ما رواه شكسبير، فى دقيقتين، على لسان الشاهد، ومع عندنا، فى بلاد متفرقة، وعلى فترات متقاربة، خلال النصف قرن الأخير.
بلعبة دستورية، فى اليمن، عام ٢٠٠٣، بعد سنوات من حكم على عبدالله صالح، اعتبر أنه، ابتداء من العام المذكور، ولمدة عدة سنوات قادمة، بمثابة ولايته الثانية، وأعلن، لاحقا، فى أحد خطاباته، أنه لن يرشح نفسه للانتخابات القادمة.. طبعا، خرجت مظاهرات حاشدة، تطالبه بالبقاء فى السلطة.. واستمرت المظاهرات، وانطلقت الهتافات، حتى أذعن «منقذ البلاد»! لإرادة الشعب، على طريقة «يوليوس»، وبقى متشبثا بالكرسى، إلى أن اضطر، بسبب الثورة ضده، إلى النجاة بجلده، متنازلا عن الرئاسة، لنائبه الطموح، عبدربه منصور هادى، عام ٢٠١١.. لكن قيصر اليمن، حتى الآن، لايزال يرنو للقصر الجمهورى.
بعد ما يقرب من الربع قرن، وبينما قوات القمع تفشل فى إيقاف ثورة الشعب التونسى، عام ٢٠١١، أعلن القيصر، زين العابدين بن على، المرتبك، أنه الآن، والآن فقط «فهم الناس»، ووعد بأنه لن يمدد حكمه، لكن وعده جاء بعد فوات الأوان، فكان عليه الهروب، بمسروقاته، من البلاد.
أنور السادات، من قبل، أعلن أكثر من مرة، فى مجلس الشعب، أنه لن يرشح نفسه فى الفترة التالية، لكن أعضاء المجلس، أيامها، على طريقة المتحلقين بقيصر شكسبير، هاجوا وماجوا، مطالبين باستمراره.
تراجيديا مقتل معمر القذافى، قيصر ليبيا، كانت أشد عنفا، وأقوى إيلاما، من مصير السادات.. إنها، كلها، تنويعات واقعية على مسرحية «يوليوس قيصر» التى تتضمن بعدا آخر، بالغ الأهمية، يتعلق بموقف القيصر، من المثقفين، أمثال «كاسيوس».. وهذا ما يستحق وقفة تالية.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات