مصر بلا إخوان - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر بلا إخوان

نشر فى : الجمعة 15 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 15 فبراير 2013 - 8:00 ص

بعض الخيال قد يكون مفيدا لإحسان التعامل مع الواقع، ومن ذلك تخيل مصر بلا إخوان، ثم تخيل المشهد السياسى، الذى سيخلو وقتئذ لا من الإخوان فحسب، وإنما من جل منتقديهم كذلك.

 

•••

 

ليس ثمة سبيل للدفاع عن الأداء السياسى للإخوان: فنزيف الدماء المستمر، والتراجع الاقتصادى، وتآكل شرعية النظام السياسى، وغيرها من المشكلات القائمة تكشف بعض أوجه العجز والتقصير المستحق للتقريع، وليس ثمة شك أن نقدهم ــ باعتبارهم أصحاب السلطة تشريعا وتنفيذا ــ هو حق وواجب، بيد أن هذا النقد تتضاءل فائدته إن لم ينطلق من مشروع سياسى مغاير، وتكاد تنعدم إن صار هو نفسه المشروع السياسى للمنتقدين.

 

ويبدو ــ رغم ذلك ــ أن جل قوى المعارضة اختارت قصر مشروعاتها السياسية على نقد (وربما معاداة) الإخوان، أو أنها ــ على أفضل تقدير ــ انشغلت بنقد الإخوان عن بناء مشروعاتها، وهى فى ذلك درجات: منها من حصر نفسه فى الإطار الشخصى، فلم ينشغل بغير نقد شخوص قيادات الجماعة ومحاولة إثبات خطئهم وتأكيد سوء نواياهم ومخالفة أقوالهم أفعالهم (وهى دعوى لا تقدم ولا تؤخر كثيرا، بقطع النظر عن مدى صحتها)، من دون أن يتناول مناقشة السياسات، ومنها من يقصر نقده للإخوان على تصرفات إجرائية وإدارية، فلا يعكس نقده رؤية سياسية مختلفة بقدر ما يعكس إيمانه باستطاعته إدارة ذات مشروعهم بشكل أكثر فاعلية.

 

وبعض من يحاول تقديم مشروع مغاير تأتى مغايرته فيما لا يتصل بالقضايا السياسية المهمة، فتقدم بعض الاحزاب نفسها كبديل أكثر «وسطية» و«اعتدالا» فى تصوراتها الدينية من الإخوان، فيما تعرض غيرها نفسها باعتبارها أكثر «محافظة» و«التزاما» منهم، من دون أن تقدم تلك الأطراف تصورا لما تستلزمه تلك المغايرة فى الهوية الدينية من تباين فى السياسات، سواء الاقتصادية والاجتماعية أو حتى المتعلقة بقضايا الحريات، والتى تتصدر تلقائيا ــ بغير سبب واضح ــ كل نقاش متعلق بالقوى «الإسلامية» (وهو مصطلح شديد الغموض، غير محدد المدلول).

 

وجل الأحزاب «المدنية» كذلك قصرت مشروعاتها على نقد الإخوان، وعلى هذا الأساس بنت مواقفها السياسية، حتى بدا بعضها وكأنه ينتظر خروج المواقف من الإخوان ليعارضها وإن كانت تتفق وما يدعو هو إليه، كبعض أحزاب اليمين الاقتصادى ــ على سبيل المثال ــ التى تعارض التوجهات الاقتصادية النيو ليبرالية للإخوان (المتطابقة مع ما فى برامجهم!) لقصورها عن تحقيق العدالة الاجتماعية (وكأنهم يطرحون ما يحققها!)، وبسبب هذا الانشغال بالإخوان لا تجد تلك الأحزاب حرجا فى بناء تحالفات سياسية وانتخابية عريضة، تجمع المتناقضات فى الموقف من الثورة، والاقتصاد، وعلاقة المجتمع بالدولة، والسياسة الخارجية، فقط لأن أطرافها يتفقون فى موقفهم من الإخوان، بل وترفض بعض الأحزاب العمل مع أحزاب أقرب لها فى القضايا سابقة الذكر لأن موقفهم من الإخوان «محل شك» أو «فيه تردد»!

 

وتخيل مصر بغير الإخوان يساعد فى كشف الفقر السياسى لتلك الأطراف السياسية، فمشروعاتها ــ إن جاز تسميتها بذلك ــ فى مجملها ستنتهى لحظة غياب الاخوان عن المشهد لأنها إنما تنشغل بهم، وتتمحور حولهم، وتتغذى على وجودهم، فإن ذهبوا ذهبت معهم، ومن ثم فهى غير صالحة لأن تحل محلهم.

 

•••

 

وإدراك هذه الحقيقة بالغ الأهمية فى ظل اشتداد الصراع داخل بعض الكيانات الرئيسة (بسبب تفجر الأوضاع على الارض بشكل متكرر من جهة، واقتراب الانتخابات البرلمانية من جهة أخرى) بين أطراف تصر على قصر مشروعاتها السياسية على ما يلزم من غياب الإخوان انعدام معناه، وأخرى تحاول صياغة مشروعات سياسية جادة تجيب بها عن الاسئلة الرئيسة المطروحة فى الشارع (ومن أكثرها أهمية قضيتا الاقتصاد من حيث الإنتاج والتوزيع، والأمن من حيث الفاعلية واحترام حقوق الانسان)، وهو صراع يعنى حسمه لصالح طرفه الأول اتساع البون بين «الساسة» والجماهير، لاستمرار انشغال الساسة بخلافاتهم البينية وعدم تحريك بوصلة الجدل إلى حيث اهتمام الجماهير ومصالحهم.

 

وثمة فرق ينبغى الالتفات إليه بين وظائف الكيانات الحقوقية والحركات الاجتماعية والمقاومة التى يسعها الاكتفاء بالموقف النقدى المعارض للنظام (وإن ظل انطلاقه من قاعدة واضحة من الأهداف المبتغى تحقيقها أو القيم المراد الحفاظ عليها واجبا) وبين الكيانات السياسية التى ينبغى عليها تقديم مشروعات بديلة لما يطرحه الحكام، وإلا كانوا بعجزهم يساهمون لا فى بقاء خصومهم فى السلطة فحسب، وإنما فى استمرار سوء أدائهم لغياب البدائل الكاشفة لذلك والمحفزة على التطوير.

 

وثمة فرق آخر ينبغى الالتفات إليه بين اللحظة الحالة ولحظة «التحرير»، التى التف فيها الجميع، بتباينات سياسية كبيرة، وفى غياب رؤية واضحة للمستقبل، مطالبين برحيل مبارك، إذ أداة القمع أزيلت (أو كادت)، والتفاف الجماهير حول الحركة الاحتجاجية يقل لانقطاعها عن آمالها وآلامها، والإخوان يستمدون شرعية بقائهم فى السلطة من فوز انتخابى، والرئيس له نسبة تأييد كبيرة فى الشارع، وما يحتاج المصريون رؤيته هو مشروعات للتغيير لا تكتفى بنقض القائم بل تقدم له بديلا، ومثل هذه المشروعات يستحيل تفرعها عن موقف يكتفى بنقد الاخوان.

 

•••

 

هذه ليست دعوة لتجنب نقد الإخوان أو تخفيف حدته، فنقد الجالسين على العروش واجب، وكشف الانتهاكات الحقوقية والمخالفات المالية والإدارية لا بد منه، ولكنها دعوة لبناء مشروعات سياسية جادة، تحمل إجابات عن الاسئلة المختلفة فى المجتمع، وينطلق منها النقد، بحيث لا تكون «إخوانية» الإخوان سبب نقدهم، ولكن الخلاف فى السياسات، وفى الإجابات المطروحة عن الاسئلة الأهم التى تسألها الناس: الأمن والاقتصاد، وأسئلة القصاص وإعادة تنظيم مؤسسات الدولة والعلاقة بينها وبين المواطن والعلاقات الخارجية وبنى الاقتصاد وقاطرات التنمية.

 

إن الإشارة لأوجه القصور فى مشروع الإخوان ــ وإن أدت لإيمان الناس جميعا بفشله ــ لن تفيد شيئا طالما لم يقدم خصومهم مشروعا سياسيا بديلا.

التعليقات