أبواب - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أبواب

نشر فى : السبت 15 فبراير 2014 - 9:00 ص | آخر تحديث : السبت 15 فبراير 2014 - 9:00 ص

يتوجه الممثل فى الفيلم الأجنبى إلى المنزل؛ يمد يده ليمسك بمقبض الباب ويديره فينفتح فى سلاسة. يدخل مثيرا تعجب أمثالى من المتفرجين إذ يقوم بالأمر فى بساطة ويسر، ودون أن يولى اعتبارا للمشهد المصرى الأصيل، الذى يتحسس فيه البطل دوما جيوبه الأمامية والخلفية وصدره، بحثا عن المفتاح التائه.

اضطررت للبحث فى أدراجى عن نسخة إضافية من مفتاح أضعته مؤخرا. أمسكت بكتلة معدنية تضمها سلسلة قديمة صدئة؛ أشكال وأصناف من المفاتيح، فضية ونحاسية اللون، كبيرة ودقيقة، سميكة ورفيعة، ذات رءوس مربعة ومستديرة وأحيانا مضلعة، أصابنى الدوار فيما كنت أحاول استجماع صورة المفتاح الضائع واستخراج شبيهه. اكتشفت أننى أحمل مفاتيح لا أدرى ما تغلقه أو تفتحه، لكنها ولا شك تنتمى إلى أبواب، وعلى بعض هذه الأبواب أقفال حديدية أيضا. أخذت أحصى عدد الأبواب التى أمر بها كل يوم فأدركت أنها جد كثيرة؛ تبدأ حتما بباب البيت وتنتهى بأبواب متعددة فى مكان العمل.

•••

غالبا ما تكون إعاقة الآخرين هى الهدف والمبتغى من وراء وضع الأبواب؛ هناك أبواب ضخمة لحماية مداخل الشركات الكبرى والبنوك، وأبواب ذات أقفال متعددة لحماية البيوت، وأبواب لها قضبان معدنية متوازية بعضها يحمى أجهزة الدولة، والبعض الآخر يجثم على صدور الجامعات هنا وهناك من يحمى وجه السلطة. أبواب لها مفاتيح إلكترونية يصعب تقليدها، وأبواب حديدية مصمتة تحل محل أبوابنا الخشبية القديمة التقليدية فيستحيل خرقها، وكذلك أبواب تصدر إنذارا صوتيا يهدد مقتحمها بالفضح. فى عصرنا الحالى كلما زادت الأبواب التى تحيط بالفرد كلما كان موضعه أرقى فى السلم الطبقى. هناك أشخاص لا أبواب لديهم مطلقا، إذ لا يملكون جدرانا تستدعى وجودها، وأشخاص آخرون تحيط بهم أبواب وجدران كثيرة لا علاقة لها بمراكزهم الاجتماعية، ومنهم القابعون فى السجون.

•••

البلدان أيضا لها أبواب؛ كانت للقاهرة الفاطمية قديما أبواب عدة تحميها من إغارة الأعداء، وكان بعضها يُخَصَّص لتلقى الشكاوى من الناس، وبعضها لتحصيل الرسوم من الداخلين إلى المدينة. هناك باب النصر؛ الذى كان شاهدا على عودة الجيوش المنتصرة من الشام مُحَمَّلَة بالغنائم والأسرى، ومثله باب الفتوح. أما أكثر الأبواب شهرة فهو باب زويلة المنسوب لقبائل تحمل الاسم نفسه، والمعروف أيضا باسم بوابة المتولى؛ وعليه قام السلطان سليم الأول بإعدام طومان باى عندما دخل مصر مُنهيا حكم المماليك، وعليه أيضاً عُلِّقَت رءوس مبعوثى هولاكو، وكانت الجثث وأجزاؤها تُترَكُ لفترات طويلة على هذا الباب حتى تصبح عبرة لمن يمر بها.

هُدِمَت بعض الأبواب ولم يبق منها سوى الاسم؛ باب الشعرية الذى قيل إنه أزيل لعيب فيه ويقع إلى الغرب، وباب البحر الذى اشتهر لاحقا بباب الحديد، وكذلك باب البرقية شرقاً والذى حلت محلة جامعة الأزهر فى القرن العشرين.

•••

حتى وقت قريب، كنت وعدد من الأصدقاء نتبادل السخرية من أنفسنا لفرط ما شهد ميدان التحرير من احتجاجات واعتصامات شاركنا فيها، تخيلنا فى لحظة أنه سوف يُحَاط بالأبواب والأسوار، وأن الدولة سوف تحتفظ بالمعتصمين والمتظاهرين داخله، وتفرض رسوما على الزائرين والراغبين فى التقاط الصور معهم ولهم. لم يمر وقت طويل حتى تحولت المزحة التى اخترعناها إلى تصريحات رسمية، ثم صارت التصريحات واقعا متحققا على الأرض. ظهرت البوابة الأولى فى شارع قصر العينى، وربما تحول ميدان التحرير ــ موطن الصحوة المفاجئة ــ غدا إلى قفص كبير. فقدت المزحة طرافتها. بدت ثقيلة الظل والمعنى، لا تبعث على الضحك أو حتى الابتسام.

ازدادت القاهرة بوابة جديدة، لكنها ليست للحماية من الأعداء الرابضين على الحدود. بوابة وسط المدينة المستحدثة تحمى الميدان من الشعب.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات