حين ابتسم لنا «داعش» - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حين ابتسم لنا «داعش»

نشر فى : الأربعاء 15 فبراير 2017 - 9:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 15 فبراير 2017 - 9:55 م
نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالا لـ«حازم الأمين» – حول تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» ومدى ضعفه ولكن قربه منا فى الوقت ذاته، حيث يقول الكاتب بأنه تنظيم هش. وأنه فى لحظات كثيرة يُشبهنا تماما. وإذا أحصى المرء العمليات والمهمات التى تم إحباطها، قبل أو أثناء محاولات التنظيم تنفيذها، سيخرج بنتيجة مفادها أن نسبة ضئيلة من العمليات حقق التنظيم فيها ما أراد.

●●●

إن هشاشة «داعش» تدفع إلى مزيد من الخوف منه، ذاك أنه استمدها من نجاحه فى الاقتراب منا، ومن عيشه فى جوارنا، ومن انعدام المسافة بيننا وبينه. فأن تستيقظ فى الصباح لتعلم أن عامل الأمن فى الشركة المقابلة، والذى كان يلقى عليك التحية بابتسامة ألقى القبض عليه بعد أن كُشفت علاقته بـ «داعش»، وأن تكون على قناعة بأنه لم يفتعل الود الذى كان يقابلك به، فذلك يعنى أن «داعش» يبتسم لك أيضا.

قصة الصيداوى عمر العاصى، الذى تقول الرواية الأمنية أنه حاول تفجير مقهى الكوستا فى شارع الحمرا فى بيروت، عادية إلى حد مخيف. لا شيء استثنائيا فيها. والرواية النافية لها والمُشككة فيها، تبعث أيضا على الخوف. فى الرواية الأولى يُقبض على الشاب قبل ضغطه على صاعق الحزام الناسف بثوان قليلة.

الرواية الثانية تقول إن ثمة من جنَّد الشاب وأرسله لكى يتم القبض عليه. فى الأولى يُستدلّ على النية بالتنفيذ من حقيقة أنه يحمل الحزام الناسف، وفى الثانية يُستدل على المؤامرة عليه من حقيقة أنه لم يُفجر نفسه على رغم قضائه وقتا فى المقهى المستهدف. والروايتان لا تنفيان حمل عمر حزاما ناسفا.

لكن، ليست سيرة عمر وحدها ما يدفع إلى الاعتقاد بـ«لا استثنائية داعش»، فبعد أيام قليلة من قصته، كشفت الأجهزة الأمنية اللبنانية عن صيداوى آخر كان موظفا فى شركة أمن فى الوسط التجارى لبيروت، وهو وفق الرواية الأمنية، تولى مراقبة منزل رئيس الحكومة سعد الحريرى، والتواصل مع أقارب له من «داعش» يقيمون فى مدينة الرقة السورية. و«عادية» الواقعة تكمن أيضا فى أنها هنا بالقرب منا، وغير محصنة من فضولنا. فالشاب كان عاملا فى شركة أمن مدنية، ومن المرجح أنه قام بواجباته الوظيفية على أكمل وجه، لا بل إنه كان مخلصا لها أكثر من إخلاصه لـ«داعش»، وهو يُدرك أن راتبه الذى يتقاضاه من الشركة أهم له ولعائلته من العائد «المعنوى» الذى سيتقاضاه من «داعش» نتيجة تنفيذه المهمة.

●●●

يضيف «الأمين» بأن الكتابة عن هذه الوقائع تبدو عادية وغير كاشفة أى جديد. وأن تتحول الاحتمالات الدموية إلى وقائع رتيبة تكمن فداحتها فى لحظة الانفجار فقط، فإن ذلك يؤشر إلى أن «داعش» نجح فى ردنا عن محاولات فهمه، وفى حصر التناول بالفعلة لحظة حصولها. الانفجار هو الخبر، وليس القصة التى أفضت إليه. والقصة هى قصتنا العادية، وهى تلك التى نستيقظ فى الصباح على جريانها بجانبنا، وهى بديهية ومملة ولا تستدرج خيالا أو ذكاء أو فضولا.

إن «داعش» بهذا المعنى ليس تنظيما بوليسيا أو مافياويا، كما أنه ليس «جهاديا» محترفا، والمكلف مهمة من عناصر التنظيم يُستدرج إليها من دون جهد ومن دون توظيف. الطاقة المطلوبة لتنفيذه المهمة هى نوع من الفطرة ومن القابلية المتوافرة. عمر العاصى وابن مدينته الآخر لم يكونا جهاديين محترفين وغاضبين. الأول كان مناصرا عاديا لأحمد الأسير وهو حال مئات الشبان فى صيدا، والثانى ربطته علاقة بقريب له من «داعش». ولم يكن جهاز أمن محترف وراء محاولاتهما الركيكتين، بل مجرد رغبة فى التجريب.

●●●

يختتم الكاتب بالتأكيد على أن «داعش» لا يحتاج سوى لحظات قليلة من وقت ناشطه، ولا يحتاج إلى أوقاته كلها. أما الناشط نفسه فلا تربطه بالتنظيم أكثر من مساحة شعورية ضيقة يتجاوزها كل يوم. هى لحظة اختلال ما، تصيب أى واحد منا يمكن أن تنقضى بسيجارة أو بانفجار. وعليك أثناء بحثك عنها أن تعيد النظر فى التفاصيل العادية والأليفة المقيمة فى الرواية الرتيبة لسير المرتكبين. عليك أن تخاف أكثر كلما شعرت بالملل من الوقائع، فحينئذ عليك أن تُدرك أن ما تسمعه هو قصتك أيضا، تلك التى يصيبك الملل كلما عاودت سماعها.
التعليقات