حدد القرآن الكريم «وجهة الرسالة» أى الوجهة التى يسلكها أبناء الإسلام فى حياتهم، والمقصود بالوجهة خمسة عناصر هى:

1- الطريق التى يسير فيها المسلم.

2- الطريقة التى يعمل ويتصرف بها المسلم.

3- الوسيلة التى تساعده على السير. 

4- الآليات التى يستخدمها لتحقيق ما يريد. 

5- الأدوات التى يستعين بها.   

(1)

أما الطريق التى يلتزم المسلم بالسير فيها وعدم الخروج منها أو الانحراف عنها فهو «الصراط المستقيم» طريق الاستقامة والاستقامة هى الاعتدال القيام للنهوض والمبادرة، والتصدى لكل العقبات وإزالته ثم استحضار وإقامة «القيم القرآنية» وتفعليها مع الحرص الشديد على عدم التفرق بسبب الدين، هذا هو أبرز ما يتضمنه مصطلح الاستقامة التى أمر الله بها رسوله (صلى الله عليه وسلم) «فَاستَقِم كَمَآ أُمِرتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطغَوا» (١١٢) كما وصف بها عباده الصالحين «إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقَامُواْ فَلَا خَو فٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ» ( ١٣) أى أنهم بعد إعلان إيمانهم سارعوا للنهوض بتحمل التبعات والتكاليف فى ضوء الشرط السابق بيانه وهذا الطريق المستقيم يتذكره المسلم كل يوم على الأقل (17) مرة، حينما يقرأ فاتحة الكتاب فى كل ركعة  «اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ» (٦)، فالمسلم يكرر كل يوم هذا الدعاء ليتذكره فى جميع تحركاته فلا ينحرف عنه، كما أنه الطريق المستقيم هو أقرب طرق الوصول للغاية وانجاز المهام.

(2)

أما الطريقة التى يعمل بها فهى طريقة التعمير والإعمار حيث يقول تعالى «...هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرضِ وَاستَعمَرَكُم فِيهَا....» (٦١) أى أمركم بالإعمار، والإعمار والتعمير هو الإضافة والتجديد، وهو البناء والتشييد، ونلاحظ أن مقدار الحياة التى يعيشها الإنسان قد سماها القرآن «عمر الإنسان» ليبين القرآن الرباط المحكم بين أجل الإنسان ووظيفته فى الحياة. فآجل الإنسان هو عمره هكذا فمن لم يعمر الحياة ويشارك دائما فى الإعمار لا يعتبر حيا، بل يعتبر المسلم أن كل يوم بلا إعمار لا يحتسب من عمره، فالمسلم مخلوق للإعمار والتشييد والإضافة والتجديد.

(3)

أما الوسيلة التى حددها الشرع للإنسان فهى تزكية نفسه عبر مرحلتين:

مرحلة التخلى عن جميع المساوئ والشرور، ومرحلة التحلى وذلك بالالتزام بالفضائل والخيرات.

والتزكية هى تطهير النفس والقلب، والاستعلاء فوق الشهوات والاتجاه نحو العلم والأدب وقد دعا إبراهيم (رضى الله عنه) ربه طالبا أن تكون مهام النبى الخاتم هى التزكية فقال «رَبَّنَا وَابعَث فِيهِم رَسُولا مِّن هُم يَتلُواْ عَلَيهِم ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَيُزَكِّيهِم» (١٢٩). جعل العلم قبل التزكية، لكن استجابة الله صححت الأولويات فى دعوة إبراهيم (رضى الله عنه) فقدمت التزكية على العلم فقال تعالى «... إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولا مِّن أَنفُسِهِم يَتلُواْ عَلَيهِم ءَايَاتِه وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ..» (١٦٤) فالتزكية هى إعداد النفس والقلب والعقل ليستطيع المسلم تلقى العلم ثم تفهمه ثم العمل به.

(4)

أما الآليات التى يستخدمها المسلم أثناء إعماره للحياة فهى ( العدل / الإحسان / الإصلاح / التنافس / التدافع ). والإصلاح: هو الآلية المرافقة دائما للإيمان، فلا نفع فى إيمان لا يقترن بالعمل الصالح مع مفارقة سبيل الفساد والمفسدين. والإحسان: هو اتقان العمل وتجويده احساسا برقابة الله له. أما التنافس: فهو ركيزة المسلم فى إنجاز ما كلفه الشرع به، والمسلم يتنافس مع غيره ليحقق إصلاحا نافعا ومطلوبا ومتوافقا مع أولويات المجتمع «وَفِى ذَالِكَ فَليَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ» (٢٦) والعدل: هو التزام وحدة المعايير وإعطاء كل ذى حق حقه. والتدافع: آلية أخرى يستعين بها المسلم فى مواجهته لمعوقى التعمير أو المتقاعدين عن الإصلاح، فالمسلم مطالب باستقطابهم وأن يحاورهم حتى يصل بهم إما إلى الموافقة والمشاركة فى الإعمار والتعمير، وإما الامتناع عن التعويق والتعطيل، «....وَلَولَا دَفعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعض لَّفَسَدَتِ الأَرضُ...» (٢٥١). فالتدافع لا يعنى أكثر من وضع الآخر أمام مسؤلياته الإنسانية، وضرورة وعدالة مشاركته فى الإعمار والتعمير، فالمدافعة لا تستهدف سحق الآخر ولا مصارعته ولا قتاله، بل تحافظ على آدميته وتواصل الحوار معه سعيا لتأسيس حضارة انسانية عمادها الكفاية ومناخها وغايتها «كرامة الإنسان».