من برلين إلى الهرم.. ذاهبون إلى كارثة - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من برلين إلى الهرم.. ذاهبون إلى كارثة

نشر فى : الأربعاء 15 أبريل 2015 - 10:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 15 أبريل 2015 - 10:00 ص
يوم الاثنين الماضى كنت ضمن مجموعة من رؤساء التحرير وكبار الصحفيين، والإعلاميين المصريين فى ضيافة الدكتور أشرف منصور رئيس مجلس الأمناء بالجامعة الألمانية فى برلين، والمؤسس الأول للجامعة منذ عام ٢٠٠٣.

البروفيسور منصور رتب لنا مجموعة من المقابلات مع شخصيات ألمانية مرموقة. من بين هذه الشخصيات كان الدكتور جونتر دارير عالم وخبير الآثار الكبير والمدير الأسبق لمعهد الآثار الألمانى بالقاهرة، والذى شارك فى الاكتشاف المثير قبل نحو عشرين عاما بأن مصر القديمة هى أول دولة فى العالم اكتشفت الكتابة فى أبيدوس وتل بسطا وليس العراق، كما هو شائع.

العالم الألمانى المغرم بمصر، قال لنا: عليكم أن تكونوا فخورين بكونكم مصريين، نظرا لحضارتكم. فى اللحظة التى كان يتحدث فيها البروفيسور دارير فى برلين عن اختراع مصر للكتابة، كانت هناك مجموعة من الجهلة والمكارثيين، والمجرمين، يقومون بحرق 75 كتابا فى مدرسة فضل الخاصة فى منطقة الهرم بحجة أنها إخوانية أو أنها تشجع على العنف!

عندما قرأت تفاصيل ما حدث فى المدرسة اقشعر جسدى وأصابتنى نوبة يأس عارمة جعلتنى أخشى أننا إذا تركنا هذا الحادث يمر فإننا ذاهبون إلى كارثة محققة للأسف الشديد.

الألمان وبقية العالم المتحضر فى الغرب يعرفون قيمة مصر أفضل بكثير مما يعرفه غالبية المصريين عن بلدهم. تخيلوا كم نسبة المصريين، التى تعرف مثلاً أن بلدهم هو أول دولة فى العالم تعرف الكتابة أو أن هناك اكتشافا تم قبل عشرين عاما يؤكد ذلك؟!

المسئولون الذين تورطوا فى هذه المحرقة أو ساهموا فيها بطريق أو بآخر حتى لو كان بالصمت هم أكثر خطرا على مصر والمصريين من أى إرهابى أو إخوانى أو حتى صهيونى.

بغض النظر عن حقيقة هوية وانتماء أصحاب المدرسة أو ماذا خالفوا، فإن حرق الكتب فى فناء المدرسة هو حادث خطير، ويكشف حجم التخلف والجهل والانحطاط والإجرام، الذى يعشعش فى نفوس بعض المسئولين.

هؤلاء يعتقدون أنهم يدافعون عن الحكومة والرئيس والنظام حينما حرقوا الكتب وتلك هى الكارثة بعينها.

تخيلوا هؤلاء المسئولين فى وزارة التعليم ــ الذين نأتمنهم على تعليم أولادنا وأجيال المستقبل ونراهن على أنهم هم الذين سيطورون التعليم ــ ليس عندهم الحد الأدنى من الفهم، والواضح أنهم لم يقرأوا كتابا واحدا فى حياتهم. جهل هؤلاء وتخلفهم جعلهم يعتقدون أن الشيخ على عبدالرازق إخوانى، رغم أن كتابه الشهير الأسلام وأصول الحكم ضرب بعنف فكرة دولة الخلافة الإسلامية، وصدر قبل حتى نشأة جماعة الإخوان، هؤلاء لا يعرفون أيضا أن الشيخ عبدالحليم محمود كان من شيوخ الأزهر المتنورين، ويعتقدون أن سلسلة يصدرها المجلس القومى للمخدرات يمكنها أن تكون إخوانية! هؤلاء لا يعرفون أن الكاتب الكبير عثمان أمين، يمكن أن يكون أى شىء إلا أن يكون إخوانيا، كما قال الأديب إبراهيم عبدالمجيد.

حتى لو كانت المدرسة إخوانية وكذلك الكتب، فالحل ليس الحرق بل مواجهة الفكرة بالفكرة والكتاب بالكتاب وليس بالحرق.

أرجو أن يتنبه رئيس الجمهورية ورئيس الوزارء وجميع المسئولين إلى أن العقلية التى نفذت عملية إحراق الكتب هى أخطر ما يهدد النظام.

لو كنت مكان الحكومة لقمت بتجميع كل هذه النوعية من المسئولين، ووضعتهم خلف القضبان حتى أحرق أفكارهم، وطلبت منهم أن يجلسوا فى بيوتهم.

قولاً واحداً لن يحدث أى تقدم للأمام فى أى قطاع فى ظل هذة النوعية من المسئولين، وفى ظل هيمنتهم على إدارة التعليم. هؤلاء أخطر على مصر من الجواسيس. نحتاج إلى عقلية جديدة متحررة تؤمن بالعلم والمعرفة، حتى نبدأ فى السير على الطريق الصحيح، ونعيش مثل باقى الأمم المتقدمة. قبل أكثر من خمسة آلاف عام اخترعنا الكتابة واليوم نقوم بحرق الكتب.. إلى أين نحن ذاهبون مع هذه العقليات؟!
عماد الدين حسين  كاتب صحفي