اعمل الخير وارميه فى مصر - حسام السكرى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اعمل الخير وارميه فى مصر

نشر فى : السبت 15 أبريل 2017 - 10:15 م | آخر تحديث : السبت 15 أبريل 2017 - 10:15 م
قبل نهاية العام الماضى قررت دفعة من صيادلة جامعة القاهرة أن يلتقوا بعد نحو ثلاثين عاما من تخرجهم زملاء فرقتهم. ثلاثة عقود جرت خلالها كثير من المياه تحت الجسور كما يقولون. فسافر منهم من سافر للعمل فى بلاد الله الواسعة، وبقى منهم من بقى فى شركات الأدوية أو مشروعات الصيدليات الصغيرة فى مصر. منهم من طال غيابه فى رحلة البحث عن الرزق، ومنهم من عاد من رحلته بمدخرات قليلة بدأ بها مشروعه الصغير.

لقاء حار كان يمكن أن ينتهى كغيره من المناسبات المشابهة. أحضان ودموع ووعود بلقاءات أخرى تتكسر على صخرة الواقع والالتزامات ولا يرى أحدهم الآخر بعدها إلا صدفة. ما جعله حدثا غير معتاد هو فكرة ألقيت فى نهاية اللقاء عندما تساءل أحدهم: ألا تصلح الخبرات التى حصلناها على مدى السنوات فى القيام بأى فعل إيجابى فى مصر؟ ألا يمكن أن نتضامن فى عمل بناء يفيد بعض المحتاجين أو المحرومين، أو يخفف عن بعض المرضى أو الفقراء؟

فى اليوم التالى للقاء انتظمت مجموعة منهم فى صفحة على إحدى شبكات التواصل الاجتماعى لتربط أفراد «دفعة 85» حول هذا الهدف. وفى الأسابيع التالية شهدت الصفحة عصفا ذهنيا للاتفاق على المجال المناسب لأول مشروعات الخير. استقر اختيارهم على مستشفى أبو الريش للأطفال وتوجه ممثلون منهم للقاء إدارة المستشفى والتعرف على الاحتياجات العاجلة لأطبائها. بعدها أجروا اتصالات مع شركات المستلزمات الطبية وتفاوضوا معها على أسعار توريد الاحتياجات المطلوبة، بل وأقنعوا بعضها بالتنازل عن جزء من الربح كنوع من الإسهام فى هذا المشروع الخيرى. كما حرصت المجموعة على شراء مستلزمات التشغيل المصاحبة للأجهزة، والتعاقد على فترة صيانة طويلة الأجل لضمان صلاحية الأجهزة أطول فترة ممكنة، من أجل خدمة المرضى من أطفال المستشفى.

بعد مستشفى أبو الريش وجهت المجموعة اهتمامها لمستشفى آخر بعيد عن أضواء العاصمة، فزاروا مستشفى سنورس التابع لمحافظة الفيوم وتعرفوا على احتياجاته، ثم قاموا بجمع التبرعات من بينهم لشراء وتوريد بعض المستلزمات والأجهزة الضرورية التى يعانى المستشفى كغيره من مستشفيات القطاع الحكومى من نقصها.

آخر المشروعات التى تسعى المجموعة لإنجازها قد يبدو بعيدا عن مجال الطب والصيدلة إلا أنه شديد القرب من صحة المهمشين والفقراء البعيدين عن عيون العاصمة وأضواء إعلامها. فالمواطنون فى قرية منديشة وغيرها من قرى الواحات البحرية التابعة لمحافظة الجيزة، يعانون من تشبع مياه الشرب بالشوائب الضارة إضافة لأملاح الرصاص والزرنيخ. وقد بلغ الوضع من السوء أن ترسيبات هذه الشوائب تظهر فى حمرة المياه التى تغذى البيوت، وتتسبب فعليا فى انسداد المواسير، إضافة إلى أنها ترفع معدلات الإصابة بأمراض عدة وعلى رأسها الفشل الكلوى.

محطة تنقية وتحلية المياه التى يفترض أن تغذى منديشة لا تزال تحت الإنشاء منذ سنوات خمسة. ويسعى الأهالى لتركيب وحدات أو محطات تحلية وتنقية صغيرة تزود كل واحدة منها مجموعة من المنازل بمياه صالحة للشرب.

تقوم دفعة 85 بجمع التبرعات من بين أفرادها ومعارفهم للمساهمة فى تكاليف إنشاء عدد من هذه الوحدات. وفى الوقت ذاته يسعى ممثلون منهم للقاء محافظ الجيزة وهى المحافظة التى تتبعها الواحات البحرية، كما يحاولون لقاء المهندس أحمد سمير عضو مجلس الشعب عن المنطقة، للمساهمة فى الضغط من أجل استكمال محطة التنقية والتحلية الرئيسية التى بدئ فى إنشائها منذ سنوات والتى لا يعرف فى الأفق أى تاريخ لبدء عملها.

فى هذه الحكاية تعمدت ألا أذكر قيمة المبالغ التى اقتطعها هؤلاء من دخولهم أو مدخراتهم، أو عدد ونوعية الأجهزة التى تم شراؤها للمستشفيات التى خدموها، فمغزى القصة هنا هو أن هذا النموذج البسيط والإيجابى قابل للتكرار بأى عدد من الأشخاص وعلى أى مستوى. وأن أى عدد من الأفراد تجمعهم أى رابطة، يمكنهم الانتظام من خلال وسائل التواصل للبحث عن احتياجات من حولهم وتقديم العون والدعم الذى قد يكون ماليا أو عينيا أو حتى بالمجهود والخبرة والمشورة.

فكل منا لديه ما يفيض عن حاجته مما قد يعنى الكثير لآخرين من حولنا. ومن المهم أن نجتمع على فعل الخير، لأن الأيام التى يمر بها الناس صعبة، والأيام القادمة قد تكون أكثر صعوبة عليهم.
التعليقات