«الأمن» والدبلوماسية المصرية - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الأمن» والدبلوماسية المصرية

نشر فى : الجمعة 15 مايو 2015 - 8:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 15 مايو 2015 - 8:35 ص

تلعب وزارات الخارجية فى معظم دول العالم دورا يحدده لها طبيعة نظامها السياسى. وتتمتع وزارات خارجية الدول الديمقراطية بطرق عمل مرنة تتواءم مع تغيير القيادة السياسية دوريا طبقا لنتائج صناديق الانتخابات، وهذه الصفة هى أهم ما يميزها عن مثيلاتها فى النظم الديكتاتورية المستبدة التى لا تعرف إلا العمل فى ظل نظام سياسى واحد لسنوات أو عقود طويلة.

وخلال العقود الثلاثة الماضية أضعف نظام الرئيس مبارك متعمدا دور وزارة الخارجية لصالح أجهزة سيادية أخرى. واختار الرئيس السابق أن تكون وزارة الخارجية هى كبش الفداء لفشله فى إدارة ملفات الأمن القومى المصرى، ولم ترفض وزارة الخارجية ذلك، بل قبلت أن تدفع من سمعتها ومكانتها ثمنا غاليا بدلا من إلقاء اللوم على جهة الفشل الحقيقية، ومواجهة أى نتائج كان سيكون أكثرها قسوة إنهاء خدمة وزير أو استدعاء سفير. وطالما رد الدبلوماسيون على اتهامهم بالمسئولية عن تدهور حجم ومكانة الدور المصرى الإقليمى والدولى بحجج تبرئ وزارة الخارجية عما آلت إليه أوضاع قضايا الأمن القومى المصرى المباشرة. وركز دفاع الدبلوماسيين المصريين حول قيام جهات سيادية أخرى، مثل مؤسسة الرئاسة أو الأجهزة الأمنية المختلفة، بالدور الرئيسى والأكثر أهمية فى إدارة الملفات الحساسة سواء فى السودان أو ليبيا أو فلسطين، وأن رئيس جهاز المخابرات الأسبق اللواء عمر سليمان شخصيا وكبار معاونيه هم من كانوا يشرفون على إدارة ملفات هذه القضايا.

•••

اعتقد البعض أن قيام ثورة 25 يناير ونجاحها فى إسقاط الرئيس مبارك سيتيح لوزارة الخارجية فرصة تصحيح ما تعرضت له من تهميش خلال العقود الأخيرة. ورغم وقوع الكثير من الدبلوماسيين، خاصة الشباب منهم، فى خطأ التعبير عن آرائهم الشخصية سواء بالمشاركة فى تظاهرات سياسية، أو ارتداء ثياب النشطاء السياسيين فى وسائل التواصل الاجتماعية المختلفة، يحسب للمجلس العسكرى، تحت رئاسة المشير حسين طنطاوى، عدم تسييسه وزارة الخارجية بعد رحيل الرئيس مبارك، فلم يتم استدعاء دبلوماسيين ممن عرفوا بقربهم من دائرة الحكم السابقة وكانت مكافأتهم تظهر فى إرسالهم لعواصم هامة. كما لم يقم المجلس العسكرى بإنهاء خدمة أى من الدبلوماسيين وذلك بغض النظر عن موقفهم من ثورة 25 يناير تأييدا أو معارضة.

وخلال حكم الرئيس محمد مرسى الذى استمر لعام واحد، ورغم تعبير عدد من الدبلوماسيين عن استيائهم الشديد من تدخلات مساعد الرئيس للشئون الخارجية الدكتور عصام الحداد فى أعمال وزارتهم، إلا أن وزير الخارجية آنذاك محمد كامل عمرو قام بجهود كبيرة لإبقاء وزارته غير مسيسة. ولم تتدخل مؤسسة الرئاسة فى حركة التنقلات الدبلوماسية، ولم يتم التدخل فى نظام الترقيات المتبع داخل الوزارة. فقط استعانت مؤسسة الرئاسة بدبلوماسيين اثنين قاما بوظيفة المتحدث الرسمى لرئاسة الجمهورية.

•••

فى الوقت الذى يتعرض فيه الشرق الأوسط لحالة من السيولة الاستراتيجية غير المسبوقة فى التاريخ المعاصر تدفع معها لتغيرات اجتماعية وسياسية واستراتيجية هى الأهم والأعنف منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية قبل قرن من الزمان، تترقب بخوف الدبلوماسية المصرية حركة تنقلات وترقيات وشيكة يجرى تأجيلها لأسباب غير مفهومة. ويزداد الهمس فى أروقة ديوان الوزارة وفى السفارات بالخارج عما هو آت.

تعرف وزارة الخارجية اليوم وجود ما يمكن أن يطلق عليه «قائمة سوداء لدبلوماسيين» أساسها اعتبارات أمنية، وعلى أثرها تم إيقاف عدد من السفراء عن العمل. البعض منهم أنهى خدمته بالخارج وعاد للقاهرة، لكنهم أخبروا بعدم الحاجة إليهم، وهم اليوم يمكثون فى بيوتهم. وبعضهم تم استدعاؤه قبل استكمال مدة خدمته بالخارج (جرى العرف أن تكون أربع سنوات، أو ثلاثا فى حالات خاصة) ليلقى المصير ذاته. كذلك تم التعامل مع عدد آخر من الدبلوماسيين ممن هم دون مستوى السفير، من مستشارين وملحقين بنفس الطريقة السابقة. كما لم يتم حتى كتابة هذا المقال الإعلان عن حركة تنقلات السفراء أو حركة الترقيات العامة (يفترض أنها تقليدية وطبيعية) بسبب ملاحظات واعتراضات جهات أمنية.

•••

يُتهم بعض الدبلوماسيين بعدم الولاء للنظام الحالى أحيانا، أو عدم الدفاع كما يجب عن أحداث 30 يونيو 2013 أحيانا أخرى، ويتهم البعض كذلك بقربهم أو تعاطفهم مع جماعة الإخوان المسلمين.
إلا أن مصر كغيرها من دول العالم تتبع صيغة المراجعة الأمنية Security Clearance الخاصة بكل متقدم للمهنة الدبلوماسية، ولا يقبل المتقدم إذا كان هناك شبهة انتماء سياسى محدد.

من هنا لم تسمح وزارة الخارجية بوجود أى من أعضاء جماعة الاخوان المسلمين أو غيرها من التنظيمات السياسية أو الحزبية بين أعضائها.

•••

وتتبع الخارجية نظاما منضبطا وجامدا للترقيات حسب الأقدمية وترتيب الدبلوماسى فى دفعته. وبهذا المعنى لا يتم استبعاد أحد من الصعود والوصول لمنصب سفير فى الظروف العادية. وعدم إعلان حركة الترقيات رغم انقضاء الربع الأول من العام يثير تساؤلات حول الضغوط الأمنية على الوزارة لعدم ترقية بعض الأعضاء، وعدم السماح بأن تشمل حركة السفراء أسماء محددة.

ويتركنا هذا مع معضلة كبيرة. فنظريا ستعرف مصر رئيسا جديدا بعد ثلاث سنوات أو بعد سبع سنوات على أقصى تقدير. فهل سيتم تنقيح الوزارة سياسيا مع كل تغيير فى رأس الدولة.

إن السماح للجهات الأمنية بأن يكون لها صوت فى إدارة شئون الوزارة من شأنه أن يستخدم ويستغل لتصفية حسابات أو الاستماع لبلاغات كيدية من دبلوماسيين أو غيرهم ضد زملاء. إلا أن الأهم هو تأثير كل ما سبق على الأجيال الصغيرة من الدبلوماسيين المصريين من حيث كفاءتهم ومعايير ممارستهم لمهامهم وترقيهم فى السلك الدبلوماسى وتداعيات ذلك كله على مكانة مصر الدولية والإقليمية.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات