هل انتهت الانتخابات الفرنسية بفوز ماكرون؟ - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل انتهت الانتخابات الفرنسية بفوز ماكرون؟

نشر فى : الإثنين 15 مايو 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الإثنين 15 مايو 2017 - 9:35 م
احتفلت القوى الليبرالية والاشتراكية على السواء فى أوروبا بانتصار مرشح الوسط فى فرنسا إيمانويل ماكرون على منافسته من اليمين المتطرف مارين لوبن فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، واعتبرت ذلك هزيمة للتيار القومى الشعبوى المتطرف فى أوروبا وبداية انحساره وتراجعه. ولكن هل يعنى ذلك أن الأحزاب والقوى اليمينية الشعبوية المناهضة للعولمة والاتحاد الأوروبى فى طريقها إلى الانحدار بعد أن بلغت الذروة بانتخاب دولاند ترامب فى الولايات المتحدة وصوتت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى؟ أم أن انتصار ماكرون فى فرنسا ما هو الا انتصار واحد فى جولة ضمن مجموعة من الجولات قبل أن تحسم المعركة نهائيا لصالح ذلك التيار أو ذاك؟
حقيقة أن ماكرون فاز بثلثى الأصوات، وسبقه هزيمة حزب الحرية اليمينى المتطرف فى هولندا بزعامة جرت فيلدرز فى شهر مارس الماضى، وقبل ذلك هزيمة نوربرت هوفر مرشح اليمين المتطرف بالنمسا فى الانتخابات الرئاسية فى ديسمبر الماضى. إلا أنه ورغم كل هذه الشواهد التى تدعو إلى الاطمئنان، فإن الفرحة الغامرة بانتصار ماكرون، وأن العالم قد تنفس الصعداء على حسب تعبير بعض وسائل الإعلام الغربية، إنما تعكس فى حقيقة الأمر قلقا متناميا من تصاعد تيار اليمين المتطرف فى أوروبا، وتشير كذلك إلى أن هذا التيار ما زال قادرا على تحقيق انتصارات فى الانتخابات المقبلة رغم ما لحق به من هزائم أخيرا.
الواقع يقول إن حزب الحرية اليمينى المتطرف فى هولندا قد زاد عدد مقاعده من ١٥ إلى ٢٠، فى حين أن حزب رئيس الوزراء الحالى مارك روته ــ الشعب للحرية والديمقراطية الليبرالى المحافظ ــ الفائز فى الانتخابات، قد انخفض عدد مقاعده من ٤١ إلى ٣٣. كما أن وصول مرشح اليمين المتطرف إلى المنافسة على منصب رئيس الجمهورية فى النمسا (رغم أنه منصب شرفى) له دلالته التى لا تخفى على أحد من نمو هذا التيار فى بلد كان موطن ميلاد أدولف هتلر. معنى ما تقدم أن هذه الأحزاب القومية والشعبوية قد نجحت فى تحويل نفسها من قوى هامشية إلى أحزاب يعتد بها وتستطيع المنافسة على الحكم فى الجولات النهائية من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
لذلك فإن فوز إيمانويل ماكرون لا يمثل سوى الجولة الأولى من الصراع بين تيار اليمين المتطرف المتصاعد من ناحية، وبين القوى السياسية التقليدية من اليسار الاشتراكى واليمين المحافظ والليبرالى من الناحية الأخرى. فإذا نظرنا إلى تطور أداء مارين لوبن وحزبها فى سياقه التاريخى، فإن الصورة ستكون فعلا جد مختلفة. فلقد نجحت لوبن فى الحصول على ضعف عدد الأصوات التى حصل عليها حزبها بالمقارنة مع ما حصل عليه فى انتخابات عام ٢٠٠٢، والتى كانت بين والدها جان مارى لوبان وبين مرشح اليمين المحافظ جاك شيراك. وقد فاز شيراك بعد أن تكتلت جميع القوى السياسية آنذاك، بما فى ذلك اليسار معه. ولذلك كانت هزيمة لوبن هذه المرة بطعم النصر، وكلها ثقة وأمل فى مستقبل حزبها فى الانتخابات المقبلة. وعليه يمكن القول إن ماكرون أمامه ثلاثة انتخابات مقبلة كل منها يمثل تحديا له ولقدرته على ترجمة انتصاره فى الانتخابات الرئاسية ليكون بداية لاندحار حقيقى لليمين المتطرف فى أوروبا.
أول هذه الانتخابات لمجلس النواب الفرنسى فى شهر يونيو المقبل، وتمثل تحديا أكبر لماكرون عنه للوبن. فماكرون يدرك جيدا أن نجاحه فى الرئاسة مرهون بنجاح برنامجه الاقتصادى، ونجاح برنامجه الاقتصادى يتوقف تنفيذه على الحصول على أغلبية تسمح بتمريره فى مجلس النواب. ونظرا لحداثة عهد ماكرون وحركته السياسية بالعملية الانتخابية وافتقاده لحزب ذى جذور شعبية يخوض به الانتخابات التشريعية المقبلة، فإن فرص نجاحه فى تكوين أغلبية تدعمه فى مجلس النواب المقبل مازالت محفوفة بالمخاطر. وتراهن لوبان على فشل ماكرون فى ذلك، وتدعيم مركزها فى هذه الانتخابات التشريعية من أجل القفز إلى الانتخابات الرئاسية فى ٢٠٢٢.
ثانى هذه الانتخابات التى يعول عليها ماكرون لتدعيم مركزه ستكون فى ألمانيا خلال شهر سبتمبر المقبل، حيث يأمل فى نجاح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لولاية رابعة. ونظرا لاعتماد الخطاب الانتخابى لماكرون على فكرة تقوية الاتحاد الأوروبى، فمن المفهوم الأهمية التى يعلقها ماكرون على التعاون بين بلاده وبين ألمانيا من أجل نجاح برنامجه الانتخابى والمضى قدما نحو تدعيم الاتحاد الأوروبى. على الجانب الآخر، فإن هزيمة ميركل وصعود اليمين المتطرف ممثلا فى حزب البديل من أجل ألمانيا سيمثل انتكاسة شديدة لماكرون ويعزز من مركز لوبان. نفس المشهد سيواجه ماكرون مع الانتخابات المقبلة بإيطاليا والمنتظر إجراؤها فى نهاية العام الحالى أو بداية العام المقبل. وتشير بعض التقديرات إلى استعداد الأحزاب القومية والشعبوية المتطرفة مثل حركة النجوم الخمسة ورابطة الشمال لتسجيل مزيد من الانتصارات وربما تشكيل حكومة ائتلافية، وهو ما سيمثل نكسة خطيرة للاتحاد الأوروبى وأنصاره من أمثال ماكرون وميركل.
وبناء على ما تقدم، فإن النجاح الذى احرزه ماكرون فى الانتخابات الرئاسية لا يمثل ضمانة كافية من أجل عدم تكرار نموذج الرئيس فرانسوا هولاند الذى اضطر إلى عدم ترشيح نفسه فى الانتخابات الرئاسية نظرا لتدنى شعبيته بشكل غير مسبوق فى تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة، أو نموذج الرئيس الفرنسى الأسبق نيكولا ساركوزى الذى خسر فترة رئاسة ثانية أمام منافسه هولاند فى انتخابات عام ٢٠١٢. ولا شك أن ماكرون يطمح فى ولاية ثانية، ولكن عليه وعلى حلفائه الفوز فى الجولات الانتخابية المقبلة فى فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وبما يحرم لوبان وحلفاؤها من اليمين المتطرف من طرق أبواب الإليزيه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.

 

التعليقات