الذين أدمنوا الوصول متأخرين - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 9:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الذين أدمنوا الوصول متأخرين

نشر فى : السبت 15 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 15 يونيو 2013 - 12:19 م

هناك حكمة قديمة تقول: «لكل شىء زمان، ولكل أمر تحت السماء وقت، وكل شىء فى وقته حسن» أى أنه على كل فرد أو شعب أن يقرأ الحاضر والمستقبل ليكون قادراً على التعامل مع العصر بكفاءة ومن المعروف أن الحرب العالمية الثانية كانت فاصلا بين عصرين إذ أحست الشعوب بمدى الدمار الذى تسببه الحروب وهنا انقسمت الشعوب الى أربعة اقسام كالتالى:

 

القسم الأول: الشعوب التى انتصرت فى الحرب:  وقد استمرت هذه الشعوب من نجاح إلى نجاح سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتقريباً حكمت العالم.

 

القسم الثانى: الشعوب التى انهزمت: وهذه الشعوب تبنت سياسة «الانغلاق للانطلاق» أى تنغلق على ذاتها لتبنى داخليا ما تهدم منها سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا لتنطلق بعد ذلك إلى العالم بقوة وقد نجحت فى ذلك نجاحا مبهرا مثل ألمانيا واليابان والصين والهند وسنغافورة وماليزيا وإندونيسيا وتركيا.. إلخ.

 

●●●

 

أما القسم الثالث: الشعوب التى قامت فيها أنظمة عسكرية: والتى تبنت مشروعات قومية على رأسها مصر وسوريا والعراق والجزائر وليبيا، ومن أبرزها كانت مصر بمشروعها القومى وبناء الداخل وقيادتها للعالم الثالث وكان عبدالناصر قادرا على ذلك بكفاءة ملحوظة إلا أن هذه الشعوب دخلت فى مغامرات كثيرة انتهت معظمها بالفشل وأشهرها هزيمة 1967 ثم جاء السادات الذى أدرك متغيرات العصر وأن مستقبل العالم فى السلام وليس فى الحرب فقام بحرب عام 1973 لتحريك الجبهة أتبعها بعقد معاهدة سلام.

 

ولأن جميع من حوله لم يروا ما يراه فقد كانت انطلاقته للمستقبل عاجزة عن تحقيق كل ما يريده لمصر والعرب فضلا على أن انطلاقته كانت غير ممنهجة، وفى عام 1989سقط الاتحاد السوفييتى واستبدل الانقسام العالمى إلى شمال وجنوب بدلا من شرق وغرب، شمال غنى متقدم وجنوب فقير جاهل، وبنهاية القرن العشرين بدأ عصر جديد فيه سقطت الأيديولوجيا والتاريخ والجغرافيا حيث أصبح العالم قرية صغيرة. وهنا نأتى الى النوعية الرابعة من الشعوب.

 

رابعا: الشعوب التى انكشفت بعد سقوط الاتحاد السوفييتى: وهذه الشعوب تتكون من النوعية الثالثة التى تحدثنا عنها بالإضافة الى الشعوب المتخلفة الفقيرة فى آسيا وإفريقيا مثل أفغانستان وباكستان والصومال وإثيوبيا والسودان.. الخ. ولقد أحس العالم الحر أنه مهدد من هذه الشعوب بالإرهاب والزحف السكانى عليه وهنا طرحت فكرتان الأولى تحديد الدول غير القادرة على مساعدة نفسها وعزلها عن العالم بمعنى غلق أبواب الهجرة أمامها للعالم الأول، مع تقديم معونات لها لكى تكون قادرة على الاستمرار بالحد الأدنى من المعيشة.

 

أما الفكرة الثانية والتى رجحت فهى عدم عزل هذه الشعوب بل محاولة مساعدتها بكل طريقة ممكنة بالأموال والقروض والخبرات بشرط أن تساعد نفسها وتتطور وإذا حدث ذلك فسوف تكون النتيجة مرضية للجميع وهكذا بدأت المعونات والقروض تتدفق على تلك الدول لكن فساد الأنظمة حولت المعونات القادمة من الغرب الى جيوب أفراد وأسر حاكمة وهكذا ازدادت هذه الشعوب فقرا وجهلا وارهابا.

 

من هذه المعضلة دخلنا إلى عصر جديد مع نهاية العقد الأول من القرن الحادى والعشرين يقول: علينا فرض التنمية بالقوة على المجتمعات المتخلفة لأنها خطر على الانسانية جمعاء وهكذا تحددت ملامح هذا العصر وهى القضاء على الإرهاب والجهل والتمييز وإعلاء حقوق الإنسان والسلام الإجتماعى والعالمى وإحترام المعاهدات بين الدول والحدود.

 

وبالطبع لكى يقوم العالم الحر بتنمية الدول الجاهلة والفقيرة عليه أن يستبعد أى أسلوب عسكرى وأى معونات تدخل إلى جيوب الحكام وأسرهم، وأن يطلقوا يد الإعلام العالمى والشركات الضخمة الست التى تحكم العالم للعمل على تنمية هذه الشعوب وكان رأى خبراء هذه الشركات هى إنشاء مشروعات عالمية ضخمة فى هذه البلدان مثل السدود فى إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ومشروع قناة السويس فى مصر وكذلك مشروع سيناء ودولة فلسطين.

 

وستدير هذه المشروعات شركات ضخمة متعددة الجنسيات فلا مجال للرشاوى أو الفساد الإدارى وستقوم هذه المشروعات بسداد مديونيات هذه الدول وتنمية التعليم والصحة والإعلام والثقافة.. إلخ من هنا كان لابد للقاء مع حكام وملوك هذه الدول أو المرشحين لحكمها وإقناعهم لكى يوافقوا على مثل هذه المشروعات، ولعلك تلاحظ ــ عزيزى القارئ ــ عدم الحماس ضد هذه المشاريع أو حتى دراستها جيداً لا من الدول التى ستقام بها المشروعات ولا من الدول التى سوف تستفيد منها أو تتأثر سلبا بها لأنه كله «محسوب».

 

وكان لابد من تغيير الأطقم القديمة لأنها غير قادرة على الاستيعاب وقد بنت شعبيتها على النزعات الوطنية والقومية ورفض كل ما هو غربى ظاهريا ثم المساومة على تنفيذه بطريقة أو أخرى ومن هنا جاء فك الاشتباك بين الغرب وهذه الاطقم من خلال الفوضى الخلاقة التى أدت بنا إلى الانتفاضة ثم القفز على الانتفاضة بمن تعهدوا بقبول مقومات العصر الجديد بكل أبعاده.

 

●●●

 

وهكذا ترى عزيزى القارئ أن هناك شعوباً تأتى قبل الموعد فتحقق رؤيتها وتصدر هذه الرؤية للعالم كله وأخرى تأتى فى الموعد المناسب الذى تختاره فتلحق بالركب أما النوعية الثالثة والتى أدمنت الوصول متأخرة عادة ترفع عقيرتها بأن هناك مؤامرة عليها كوطن ودين وهى لا تدرى أن ما تفعله هو دليل الفشل ومحاولة تعليق هذا الفشل على أسباب مختلفة.

 

فالدول التى تأتى مبكراً أو فى الموعد لا تتآمر على الفاشلين لكن الفاشلين هم الذين يتآمرون على أنفسهم وعندما نتأمل ما يحدث فى بلادنا وبلادهم نكتشف أننا مازلنا نتناحر كقبائل فى زمن سابق بعشرات بل مئات السنين، ونخرج على العصر الحالى بسيوف وحراب وتكفير وقهر للمرأة والآخر ودماء تسيل فى الشوارع وخيام اللاجئين وتسول من العالم الغنى ولا يوجد مثل هذا إلا فى منطقتنا.

 

عزيزى القارئ هل نجحت فى تصدير اكتئابى لك؟! أرجو ذلك وأعتذر عنه.

 

 

 

أستاذ مقارنة الأديان

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات