مشكلات أوروبا خبر سيئ لمصر - محمد العريان - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشكلات أوروبا خبر سيئ لمصر

نشر فى : السبت 15 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 15 يونيو 2013 - 1:23 م

مع كل ما تمر به مصر هذه الأيام، فإنه ليس غريبا أن يراقب بضعة أشخاص الأخبار الاقتصادية القادمة من أوروبا الأسبوع الماضى، فأوروبا شديدة الأهمية لمصر، وللأسف فإن ما يحدث هناك سوف يزيد التحديات الداخلية التى تواجهها مصر تعقيدا، وهو آخر ما نحتاجه فى هذه المرحلة من تطورنا الاقتصادى والسياسى.

 

لنلق نظرة فى البداية على بعض أحدث الأرقام التى تلقى الضوء على الفوضى الاقتصادية الرهيبة، بما فى ذلك الاقتصاد المنكمش وأعلى معدل للبطالة خاصة بطالة الشباب المدمرة.

 

فى الأسبوع الماضى عدلت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، وهى المنظمة التى تجمع بين الاقتصادات المتقدمة والبلدان الناشئة الأكثر ديناميكية، توقعاتها للأسوأ فيما يتعلق بالنمو فى أوروبا، فهى تتوقع الآن أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 0.6٪ فى عام 2013.

 

وتنضم المنظمة إلى مؤسسات أخرى تكافح لفهم تغيرات أوروبا الاقتصادية واستيعابها، وطبقًا لما قاله خبراؤنا الاقتصاديون فى «بيمكو»، فمن المرجح أن تنكمش أوروبا بما يزيد على 0.6٪ فى العام الحالى، وسوف تزيد توقعات النمو الضعيفة من سوء وضع البطالة الرهيب، ففى الأسبوع الماضى، أعلنت المفوضية الأوروبية أن معدل البطالة بلغ رقمًا قياسيًّا جديدًا يزيد على 12,2٪.

 

ويخفى المتوسط المرتفع فروقًا واسعة داخل المنطقة، من معدلات منخفضة جدًّا فى دول مثل النمسا وألمانيا (5٪) إلى 18٪ فى دولة مثل البرتغال و27٪ فى اليونان وإسبانيا. وبالنسبة للمجموعة الثانية ذات متوسط البطالة المرتفع، فإنها تواجه بطالة شباب مفزعة إلى أقصى حد، فـ62٪ ممن تتراوح أعمارهم ما بين 16 و24 عاما فى اليونان عاطلون، و56٪ فى إسبانيا، و42% فى البرتغال.

 

وبالنسبة للوقت الراهن، فإن عوامل مثل قدرة البلدان على السحب من المدخرات السابقة والثروات التى تراكمت من قبل، وكذلك السياسات النقدية للبنك المركزى الأوروبى مفرطة النشاط، تساهم فى التخفيف من حدة الآثار السياسية والاجتماعية المزعزعة للاستقرار، لكن ما يجرى فعله حتى الآن لتنشيط النمو الاقتصادى وخلق فرص العمل فى المنطقة يعد قليلا، والوضع سيزداد سوءًا قبل أن يتحسن.

 

وكلما كان النمو ووضع فرص العمل فى أوروبا أضعف كلما كان الصداع أكبر بالنسبة لمصر التى تعانى من ظروف اقتصادية ومالية صعبة، ولنتذكر أن أوروبا هى أهم شريك اقتصادى لمصر، إذ يذهب حوالى 45٪ من صادرات مصر إلى أوروبا، ولذلك فإن أى انكماش اقتصادى على الجانب الآخر من المرجح أن يُترجَم إلى انخفاض فى مكاسب التبادل الخارجى، مما يزيد من الضغوط على احتياطيات مصر من النقد الأجنبى، وقدرتها على استيراد المواد الغذائية الأساسية، وقيمة العملة.

 

من ناحية أخرى، فإن ثلاثة أرباع السائحين الذين يزورون مصر يأتون من أوروبا، ولكى تنتعش السياحة بشكل صحيح، فإن آخر ما تحتاجه مصر هو أن ترى سائحين من أوروبا يلغون خططهم لأنهم الآن عاطلون أو أكثر انشغالاً بشأن رفاههم المالى.

 

كما أنه، طبقًا للبيانات الواردة من بنك التسويات الدولية، يأتى ما يزيد على 90٪ من الإقراض عبر الحدود لمصر من بنوك أوروبية، وكلما كان الوضع أضعف فى بلدان تلك البنوك، يكون من الأرجح أن توقف إقراضها لمصر، ويُترجَم هذا إلى تكاليف أعلى للمستوردين المصريين وصعوبات أكبر لترتيب التمويل التجارى.

 

أخيرًا، تعنى النظرة التى تتسم بقدر كبير من التفضيلية بالنسبة للبلدان الأوروبية منفردة، أن توجه الساسة هناك سوف يكون إلى الداخل أكثر، وعند الجدل أكثر وأكثر بشأن قضاياها، سوف تجد أنه من الأصعب بكثير الموافقة على مساعدة البلدان الأخرى، وهذا أيضا ليس خبرًا طيبًا لمصر التى سوف تحتاج إلى تأييد من البلدان الصديقة لدعم جهود النمو والإصلاح الداخلى التى تستغرق سنوات عديدة.

 

والآن إليكم هذه الحقيقة المزعجة، ليس هناك على الإطلاق ما يمكن لمصر فعله كى تحسِّن الوضع فى أوروبا بشكل كبير؛ لا شىء بالمرة.. ومع ذلك فمن المهم ألا تتجاهل مصر نتائج ما يجرى فى أوروبا، فالواقع أنه يتعين على مصر عمل كل ما يمكنها لتقليل الأثر المعطِّل للريح غير المواتية التى تهب من الشمال والغرب.

 

وينبغى إضافة العامل الأوروبى إلى أجراس الإنذار التى ينبغى قرعها بصوت شديد الارتفاع فى كل مصلحة حكومية فى مصر، وفيما بين كل الساسة المصريين بغض النظر عن انتمائهم الحزبي. وكل يوم يهدِر فى شجار سياسى غير بنَّاء، أو فى تأجيل قرارات اقتصادية، يجعل تحديات البلاد أكبر، بل يزيد من حجم مخاطر الصعوبات الاقتصادية والمالية التى ستستمر لفترة.

 

كما قلت فى أعمدة سابقة، ليس لدى شك (بناءً على أكثر من 30 عامًا من التحليل الاقتصادى والخبرة الاقتصادية) فى أن مصر لديها القدرة الوطنية على معالجة تحدياتها الاقتصادية وتحقيق الطموحات المشروعة لثورة الخامس والعشرين من يناير، وما هو مفتقد بشدة الآن هو الإرادة السياسية، وكلما طال الوقت الذى تستغرقه هذه الإرادة السياسية لتحقيق الوحدة والرؤية الوطنيتين المتجددتين كلما كان احتمال الدخول فى أزمة اقتصادية عميقة فى 2013ــ2014 أكبر.

محمد العريان محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين فى مؤسسة إليانز، وعضو لجنتها التنفيذية الدولية، وهو رئيس مجلس التنمية العالمية التابع للرئيس باراك أوباما. شغل سابقا منصب الرئيس التنفيذى والشريك الرئيسى التنفيذى للاستثمار فى شركة بيمكو.
التعليقات