السادات.. مؤلفًا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السادات.. مؤلفًا

نشر فى : الإثنين 15 يونيو 2015 - 12:00 م | آخر تحديث : الإثنين 15 يونيو 2015 - 12:00 م

لو أن صاحبة «تيتاوونج» ١٩٣٧، المنتجة والمخرجة والممثلة أمينة محمد قبلت مشاركة أنور السادات فى فيلمها لتغيرت عشرات الأشياء الثانوية والجوهرية ولعرفنا السادات ليس ممثلاً فقط لكن فى ظنى كاتبا موهوبا للسيناريوهات، فالرجل المتعدد الوجوه العاشق للحواديت الذى يجيد الحوار، صاحب خيال قد لا يخطر على بال، وأحسب أن زيارته للقدس بصرف النظر عن تقييمها سياسيا وتاريخيا وكيفية اتخاذه للقرار فى سياق قصص متنوعة تبعا لمقتضيات الحال تؤكد طاقة الرئيس الأسبق على السرد المشوق لمقدمات متصاعدة للحدث ووصوله للذروة والانتظار الشغوف لتداعياته ونتائجه.

بعيدا عن السياسة، روى الدراماتورجى، سعد الدين وهبة، بمزيج من الضيق والإعجاب ما وقع له، من أنور السادات فى أواخر السبعينيات.. الواضح أن ما جرى ترك أثرا عميقا باقيا، فى ذاكرة سعد الدين وهبة، الذى سرد الحكاية، أمامى، عدة مرات، آخرها، فى بيت صديقى عمر حسيب، زوج المذيعة المرموقة سلمى الشماع، وفى حضور على أبوشادى وكوثر هيكل وفناننا الكبير أبوبكر عزت والأستاذه سميحة أيوب.

عن خلفية أبطال الواقعة نعرف أن جذور الخلافات متعددة متنوعة بين الدكتور رشاد رشدى وسعد الدين وهبة، وعلى عدة مستويات سياسية وثقافية وشخصية، فأولهما من مؤيدى كامب ديفيد والصلح مع إسرائيل، بينما الآخر ضد هذه الخطوات تماما.. رشاد رشدى ينتمى لاتجاه أدبى يرى «أن الفن للفن» ووهبة يؤمن «أن الفن للحياة»، ثم يأتي الدور الأكبر فى تأجيج الخصومة بينهما متمثلا فى التنافس على الاقتراب من الرئيس، وذلك بانتزاع أحقية تنظيم احتفالات أكتوبر ثم أعياد الفن..

ولعدة أسباب كان رشدى هو الأقرب لقلب وعقل الرئيس، فالأستاذ الاكاديمى المبهر بثقافته الرفيعة وتمكنه الفائق من اللغة الإنجليزية ومساعدته لسيدة مصر الأولى ـــ حينذاك ــــ فى إنهاء رسالتها الجامعية، ومساهمته فى كتابة وترجمة مذكرات السادات «البحث عن الذات»، كلها أمور جعلته يحظى بالرضاء «السامى».. فى المقابل دأب سعد وهبة ــــ ضابط الشرطة السابق، المناور، اللعيب ــــ على مضايقة رشاد رشدى ووضع العراقيل أمام كل ما ينتوى فعله.. فشكى رشدى مرارا للرئيس الذى قرر الثأر من وهبة بطريقته التى لا تخلو من ابتكار:

ليلة افتتاح معرض القاهرة الدولى للكتاب اتصل السادات تليفونيا بوزير الثقافة منصور حسنى وأخطره بضرورة تواجد سعد الدين وهبة وتنبيهه إلى أنه سيتعرض «لتهزىء» الرئيس وتوبيخه على مرأى من الجميع بسبب ممارساته ضد رشاد رشدى. يعترف سعد أنه قضى ليلة ليلاء لم يغمض له جفن وطلب من زوجته سميحة أيوب، تجهيز حقيبة تشتمل على منامة وصابونة ومستلزمات رجال معتقل، فربما تتدهور الأمور ويرد على الرئيس ردا لا يرضيه ينتهى به خلف الأسوار.

ذهب سعد إلى المعرض مبكرا، وقد تأبط قلقا وشرا، جاء الرئيس معه بطانته، وبدأ مسيرته فى الصالات والأروقة، وفجأة توقف متلفتا يمينا ويسارا ليسأل: أين سعد؟.

أكثر من صوت أجاب: ها هو.. تعال يا أستاذ سعد.. الرئيس يريدك .. جرجر الرجل قدميه متجها ناحية الرئيس الذى تشاغل بتقليب الكتب والحديث مع الوزير، والشاعر صلاح عبدالصبور، رئيس هيئة الكتاب أيامها.. واصل السادات مسيرته متناسيا سعد الدين وهبة الذى عاد للخلف.. توقف الرئيس ثانيا ليأمر بحسم وضيق: يا سعد .. يا سعد، أين ذهبت؟

الملتفون حول الرئيس أفسحوا الطريق للمطلوب.. قبل أن يصل انهمك السادات فى حوار مع الواقفين خلف مناضد الكتب، ثم كأنه نسى ما أمر به، انتقل إلى مكان آخر.. يتراجع سعد وهبة إلى الوراء.

جوهريا تكرر الموقف مع تغييرات فى صوت السادات فمرة يأتى هادئا، حاسما، وثانية معبرا عن غضب دفين، وثالثة كطلقات رصاص تنذر بالأخيرة القاتلة.. وفى كل مرة حسب قول سعد وهبة يتحطم جزء من أعصابه، وتمنى فى لحظة أن يقوم السادات على ماينتويه، كى تنتهى لعبة الإرعاب.. هكذا إلى أن غادر السادات المعرض تاركا ضحيته مذهولا يتصبب عرقا فى برد يناير، ليكتشف لاحقا أن الرئيس عاشق التمثيل مارس هوايته، مضافا لها التأليف والإخراج. كمال رمزى

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات