سجن النسا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سجن النسا

نشر فى : الثلاثاء 15 يوليه 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 15 يوليه 2014 - 8:15 ص

ملاحظة تفرض نفسها قبل الحديث عن هذا المسلسل المتميز، الذى يجسد أعلى مستويات الإبداع المصرى، فى مجال الدراما التليفزيونية.. الملاحظة تتعلق بانتشار السجون فى عدد لا يستهان به فى مسلسلات هذا العام.

كما لو أن السجن أصبح له حضور قوى، مؤرق، ليس عابرا أو استثنائيا، فى حياة المصريين، وهو لا يأتى من باب الهواجس والمخاوف غير المبررة، ولأسباب نفسية لا علاقة لها بالواقع.. لكن، بقليل من التفكير ينتبه المرء إلى ما حدث خلال الأعوام القليلة الماضية، حيث بدا متكررا، فى سوابق غير معهودة، أن نرى، وراء القضبان، طوابير من ذوى الياقات البيضاء: وزراء، مليونيرات، رجال أعمال، أعضاء ورؤساء مجلس شعب، نشطاء سياسيين، وزير داخلية، بل أكثر من رئيس جمهورية.. ترى، ما أثر تلك الصور والمشاهد، على المواطن، أيا كان عمله أو اتجاهه؟.. الإجابة تأتيك ممثلة فى السجون المتوالية، التى تطالعنا فى مسلسل تلو الآخر، وعلى نحو مكثف، قد يحتاج لبحث ودراسة المختصين بالعلوم الإنسانية.

تظهر السجون، فى حلقة أو عدة حلقات، فى مسلسلات تحمل أسماء مختلفة، لكن فى هذه المرة، يحمل المسلسل عنوانا صريحا «سجن النسا»، الذى كتبته المتمكنة من أدواتها، مريم ناعوم، عن مسرحية للمناضلة الراحلة، فتحية العسال، التى عاشت تجربة الاعتقال، عدة مرات، أضافت لخبراتها عشرات المعارف، بالبشر والواقع.. جاء المسلسل بتوقيع صاحبة «ذات» و«واحد صفر»، كاملة أبوذكرى، المتمتعة بعين سينمائية يقظة، وروح دافقة الحيوية.. وتنهض بالبطولة، الموهوبة، من شعرها لظفر قدمها، سليلة أمينة رزق وفاتن حمامة وسعاد حسنى، ولكن على نحو عصرى، نيللى كريم، لتضفى رونقها الخاص، على ذلك العمل الذى يثبت أن البنات، فى هذه الدورة الرمضانية، هن الأعلى طموحا، والأشد تفوقا.

يقدم العمل بانوراما عريضة، فى العمق، لنماذج من نساء قست عليهن الحياة، أو ساهمن بجهلهن، وسوء تقديرهن، فوجدن أنفسهن وراء القضبان.. بناء المسلسل ينهض على مستويين، أفقى ورأسى، فالبطلات، يتوالى ظهورهن، واحدة تلو أخرى، ومع كل واحدة، يتوغل السيناريو إلى أعماقها، تاريخها، أفكارها، أمانيها، أسلوب تصرفاتها، وتتداخل العلاقات، تتوالى الوقائع والأحداث، لتأتى «الدراما» ساخنة، بحوار يتوافق مع طبيعة كل شخصية، فضلا عن لمسات أنثوية مرهفة.

باختزال وتكثيف، تبدأ الحلقة الأولى بمشاهدة افتتاحية لمهرجان تنطلق فيه صواريخ احتفالية ملونة، تنتقل بعدها الكاميرا، مباشرة، إلى ميتم فى شقة ضيقة، فى بيت متواضع داخل حارة بلا إضاءة.. ماتت الأم، السجانة، طيبة الذكر، وتركت ابنتها «غالية»، بأداء نيللى كريم، ذات الوجه الحساس، الذى ضاعت نضارته مؤقتا، بسبب الحزن.. بداية تعبر عن الانتقال من حال لحال. مرحلة جديدة فى حياة «غالية»، التى تقرر، بناء على نصيحة جارتها، ــ إحسان «سلوى عثمان» ــ الالتحاق بالعمل مكان والدتها، بواسطة من الجميع.. ولا يفوت نيللى كريم، طبعا بتوجيه كاملة أبوذكرى، أن تتشمم، بمحبة، رائحة بذلة والدتها، ذات اللون الكاكى، قبل ارتدائها.. على طول المسلسل، نشهد مثل تلك التفاصيل الصغيرة، التى تعطى مذاق الحياة.

غالية، تربطها قصة حب مع سائق ميكروباص، صابر، الذى سيكون أحد أسباب دمار حياتها، أو تعثرها على الأقل. الممثل الجديد، أحمد داوود، القائم بهذا الدور، يثبت جدارة لافتة، قدرة فائقة على التلوين، والانتقال من انفعال لانفعال، ساعده فى هذا شخصية الشاب العشوائى التى رسمتها مريم ناعوم، وأدارتها كاملة أبوذكرى.. إنه جذاب، رقيق حين يريد، يتمتع بقدرة على الإقناع، وفى ذات الوقت، وغد لئيم، لا أخلاق له، مندفع وأهوج.

داخل السجن، نتعرف، مع «غالية»، على النماذج البشرية المتناقضة، والمختلفة، والمتباينة، وندرك أن ما وراء القضبان، صورة للحياة فى المجتمع «الحر»، فثمة التعيسة، الوحيدة، وهناك الملكة، التى تعيش حياة ناعمة، بفضل المدد الذى يأتيها من الخارج، توزعه بسخاء على السجينات والسجانات، مثل حالة عزيزة، سلوى خطاب، زوجة تاجر المخدرات الكبير.. إلى جانب الاختلافات الفردية، يجسد العمل اختلافات جماعية، فسجينات عنبر الآداب، بمرحهن، واهتماماتهن بالماكياج، والملابس الداخلية، يتناقضن مع تجهم عنبر القاتلات، حيث تصر الكثيرات منهن أنهن، إذا تكرر ما حدث معهن من غدر، حتما، سيرتكبن ذات الجريمة.

كاملة أبوذكرى، لا يفوتها وهى تهتم برصد أحاسيس بطلاتها، متنقلة فى لقطات قريبة، من الوجوه، أن تبث درجة عالية من الحيوية فى المشاهد العامة، فموقف الميكروباص، على سبيل المثال، بزحامه، وباعته، وأصواته المتضاربة، يغدو قطعة مكثفة من الحياة.. «سجن النسا»، عمل كبير، مشرف، يستحق تأمله، مرة ثانية، وربما ثالثة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات