إضاءة الفساد - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إضاءة الفساد

نشر فى : الثلاثاء 15 سبتمبر 2015 - 6:25 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 15 سبتمبر 2015 - 6:25 ص

لفترات طويلة، ظل الفساد، على شاشة السينما المصرية، حكرا على الأشرار، الخارجين على القانون وقيم المجتمع: عصابات مخدرات، تزييف نقود، سرقة آثار، خطف أطفال، فرض اتاوات.. ومع تدفق هذه الأفلام، أصبح لها سمات وتقاليد راسخة، مكررة.. أفراد العصابة، الكومبارس، سواء الناطق أو الصامت، لابد أن يتمتعوا بسحن غاضبة، ذات طابع وحشى، ويستحسن أن يكون أثر ضربات مدية، أو «بشلة»، على هذا الوجه أو ذاك.. غالبا، تدور الأحداث فى شقق مغلقة أو فيللات معزولة، وملاه ليلية، ومخازن أو أوكار، بها سلاسل حديد، إطارات سيارات قديمة، صناديق كرتونية ضخمة، أكوام من القش.. الصراع، جوهريا، يندلع بين العصابات من ناحية، والشرطة من ناحية، وينتهى، على الشاشة، بالقضاء على العصابات، والقبض على المجرمين الفاسدين.

مع النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى، بدأ خفوت ــ وليس تلاشى ــ هذا النمط من الأفلام، ليحل مكانه تيار آخر، يقدم نوعيات جديدة من المجرمين، والفاسدين، لم تألفهم الشاشة من قبل.

«المذنبون»، لسعيد مرزوق ١٩٧٥، الذى أحدث ضجة كبيرة، سلط الأضواء على أوغاد ولصوص ومرتشين، من ذوى الياقات البيضاء.. فمن خلال تحقيق حول مقتل ممثلة، تتوالى النماذج التى تتعامل معها عن قرب. وراء كل منهم جريمة لا علاقة لها بمقتل الممثلة: ناظر مدرسة سرب الامتحانات.. مدير جمعية تعاونية يبيع السلع المدعومة للأثرياء، ويوصلها إلى منازلهم. رئيس شركة مقاولات، يتلاعب فى كل ما يقع فى دائرة نفوذه، كى تبنى الممثلة مزيدا من العمارات. والأهم، ذلك المسئول السياسى، فى أعلى مراتب السلطة، الذى يتردد بانتظام، على فراش الممثلة.

ذوو الياقات البيضاء، المتظاهرون بالطهارة والنزاهة، أزعجهم «المذنبون»، ثاروا ضده، ولأول مرة، يعاقب المسئولون عن الرقابة، لسماحهم بمرور الفيلم، المأخوذ عن قصة لنجيب محفوظ.

بعد سعيد مرزوق، جاء طابور طويل من مخرجين، تنظر بجرأة فى عين الواقع، فترى أن المظهر الشكلى للوجوه الشريرة، لا يعبر عن خطورة أصحابها، فالأخطر، أصحاب تلك الوجوه الرقيقة، متسقة الملامح، ذات الابتسامة الشفافة، التى تخفى تحتها أنياب متعطشة لسفك حقوق الجميع.. وبالتالى، طالعنا النجم الرقيق، عمر الحريرى، فى دور رجل البر والإحسان، صاحب شركة الاستيراد، مهربا للبضاعة من بورسعيد.. ويكتشف تابعه النابه، نور الشريف، النشال أصلا، قواعد اللعبة، فيصبح، بدوره، غولا، منطلقا فى ساحته.. ولم يكن هذا الفيلم «أهل القمة»، لعلى بدرخان ١٩٨١، سوى بداية لرؤية أوسع وأعمق، للفساد الذى أخذ يتسرب لقطاعات مهمة، من المجتمع.

فى «السادة المرتشون» لعلى عبدالخالق ١٩٨٥، ينزلق الموظف الشريف، محمود ياسين، فى التصريح بصلاحية شحنة أغذية فاسدة إلى داخل البلاد.

لم يكن هذا التيار النقدى، الاجتماعى والسياسى، من باب الوهم والاختلاق، لكن، يعد رصدا دقيقا، صائبا، لتغيرات كبيرة فى قلب مجتمع تبدلت قيمه إثر اعتماد نظام الانفتاح، وانتشار الرغبة الجنونية فى الثراء السريع، مهما كان الثمن.

تصل هذه الموجة إلى إحدى قممها فى «معالى الوزير» لسمير سيف ٢٠٠٢.. فإذا كانت عشرات الأفلام، تدين تجار وموظفين ورؤساء مجالس إدارات، فإنها، هذه المرة، تكشف النقاب عن مدى انحطاط وزير موغل فى الفساد.. الفيلم، الذى بدا أيامها، يتسم بقدر ما من المبالغة، يبدو لنا الآن، بعد أكثر من عقد ونصف من الزمان، كأنه ابن الحاضر بامتياز ونفاذ بصيرة.

السينما المصرية، فى أحد جوانبها، قامت بكشف خريطة الفساد، بضمير يقظ.. وهو جانب يحتاج لبحث ودراسة الجادين من النقاد، والمتخصصين فى علوم الاجتماع والسياسة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات