سينما العيد: متاهة «سعد» وسذاجة «رجب» وموهبة «الرداد»! - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سينما العيد: متاهة «سعد» وسذاجة «رجب» وموهبة «الرداد»!

نشر فى : الخميس 15 سبتمبر 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 15 سبتمبر 2016 - 9:25 م
اخترت أن أبدأ مشاهدة أفلام موسم عيد الأضحى بثلاثة أفلام تمثل ثلاثة أجيال مختلفة، ولكنهم يتزاحمون على «العيدية»، ويدافعون عن أسمائهم فى شباك التذاكر، وكانت النتيجة لصالح أحدث الصاعدين والمنافسين، حيث قدم حسن الرداد وإيمى سمير غانم كوميديا جيدة من خلال فيلمهما الظريف «عشان خارجين»، عن قصة للثنائى هشام ماجد وشيكو، وسيناريو لفادى أبو السعود، ومن إخراج خالد الحلفاوى.

بينما تخبط محمد سعد فى متاهة فيلمه «تحت الترابيزة» من كتابة وليد يوسف، وإخراج سميح النقاش، وعاد محمد رجب بفيلم «صابر جوجل»، من كتابته مع محمد سمير مبروك، ومن إخراج محمد حمدى، وهو عمل تسوده الرؤية الساذجة، ويفسده الاستظراف، ويكرر كليشيهات سينما صعود رجال الأعمال الفاسدين، ولكن بصورة أكثر ركاكة وضعفا.

«عشان خارجين» لا يجمعه بالفيلم الأمريكى «date night) «2010) لستيف كاريل وتينا فاى سوى الإطار العام للموقف المحورى، حيث يتورط رجل وامرأة فى مشاكل عاصفة وخطيرة فى ليلة يفترض أنها رومانسية، ولكن «عشان خارجين» يجعل اللقاء بين شاب وفتاة لم يتزوجا بعد، وإنما يريد والد الفتاة أن تكون زوجة لموظف يعمل تحت رئاسته.

ليلى (إيمى سمير غانم) فتاة ثرية تتكلم بطريقة وأسلوب الطبقة العليا، بينما يبدو رمزى (حسن الرداد) شخصا أبسط، ولكنه طموح وعملى، ولا يمانع فى أن يكون زواجه من ليلى وسيلة لتفادى التكدير والعقاب بالنقل. فى المطعم الذى يلتقيان فيه، يترك أحد الغرباء أمامهما «شنطة» بها مليون جنيه، ومن هذه اللحظة تبدأ المتاعب والمشكلات خلال ثلاثة أيام فقط.

هناك قصة مختلفة تماما عن الفيلم الأمريكى، وهناك مواقف جيدة وحوار خفيف الظل وحضور فائق للثنائى الناجح حسن وإيمى، المشاهد سريعة ومكثفة، وكل مشهد يقودك إلى المشهد التالى بشكل مترابط، فادى أبو السعود، الذى أقرأ اسمه للمرة الأولى، كاتب كوميدى واعد للغاية، وخالد الحلفاوى يثبت من جديد أنه يعرف كيفية إدارة الممثلين فى عمل كوميدى، وكيف يستخدم المونتاج وشريط الصوت لإعطاء التأثير الضاحك، بيومى فؤاد كان أيضا جيدا ويؤدى بمزاج، حتى طاهر أبو ليلة، الذى يكررون السخرية من نطقه فى الأفلام، كان هنا مقبولا. هناك بعض الملاحظات مثل اسم الفيلم الذى لا علاقة له بأى شىء، ولدينا أغنية أخيرة لا لزوم لها، ولكنه «التاتش» الخاص بأحمد السبكى، منتج الفيلم، وبالمناسبة فإن ظهوره هذه المرة كان موظفا بشكل جيد وظريف.

أما «تحت الترابيزة»، فيدور فى نفس المتاهة التى حاصر فيها محمد سعد نفسه، إنه يبحث أولا عن «كاراكتر» غريب الشكل والهيئة والكلام، ثم يضع بعد ذلك السيناريو. يتضح ذلك من قفزات السيناريو التى تريد أن تصل بنا إلى ظهور شخصية تُدعى «حنكو»، فإذا اندهشت من هذا الارتباك وتلك الفوضى، ردوا عليك بأنهم يناقشون انحراف وفساد بعض المحامين!

ما رأيناه عجيب فعلا: عاصم سنجارى (محمد سعد) لا نعرف عنه سوى أنه يسطو على أحراز القضايا، ويدفع بها للمحامى الذى يعمل مديرا لمكتبه (حسن حسنى)، فيحصل للموكلين المتهمين على البراءة، وأسرة عاصم المكونة من زوجة (منّة فضالى) وطفلة صغيرة لا يعرفان شيئا عن نشاطه. عندما يُكلّف عاصم بالحصول على أحراز قضية وزير فاسد مسجون (عزت أبو عوف)، نكتشف أن وسيطة الصفقة واسمها حياة النفوس (نرمين الفقى) تحاول قتل عاصم، طمعا فى الملايين المدفوعة.

لن تعرف أبدا كيف عرف عاصم بالمؤامرة، ولكنه سينجو من الموت، وسيبتكر شخصية حنكو (ابن عم عاصم)، ليبدأ الفيلم الأصلى المقصود، ولكن من خلال ضحكات شحيحة، ومشاهد طويلة، وحوارات مترهلة تتضح فيها ارتجالات سعد حسب الظروف.

يفترض أن تتعاطف مع عاصم المنحرف فى حبه لزوجته وابنته، ورغبته فى حمايتهم من خطر هو الذى صنعه. حالة من البلاهة واللامنطق واللاضحك أيضا، إفلاس شامل رغم محاولات سميح النقاش أن يصنع ألعابا بصرية، ولكن ماذا يفعل أى مخرج فى مثل هذا السيناريو، بل ماذا يمكن أن يفعل حسن حسنى ومنة فضالى ونرمين الفقى سوى الاستماع إلى سعد حتى ينتهى من حواراته؟ كان اسم الفيلم القديم«حنكو فى المصيدة»، وأعتقد أن محمد سعد هو الذى دخل المصيدة باختياراته المتواضعة.

فى فيلم «صابر جوجل»، نصاب شاب يلعب دوره محمد رجب بالطبع، يتقافز أمامنا، ويرفع صوته، فتشعر كأنه استدعى شخصية سالم أبو أخته التى لعبها فى فيلم سابق. لن نعرف عن صابر سوى أنه يتعامل مع فتحى السروجى عضو مجلس الشعب الفاسد (لطفى لبيب) فى عمليات مريبة نظير عمولة، وأن الشاب النصاب مطارد من رجل الشرطة ياسر (إيهاب فهمى)، كما يحلم صابر بإنجاب طفل من زوجته التى يحبها (سارة سلامة).

يدخل صابر السجن، ويتفق معه ياسر على إخراجه، وتخفيف العقوبة عنه، فى مقابل أن يوقع بعضو مجلس الشعب فى عملية لتهريب تمثال إلى الخارج، ولكن صابر يضحك على الجميع: يبيع التمثال، ويؤسس شركات ضخمة، ويعود بعد عشر سنوات كرجل أعمال ناجح يُدعى عمر النشرتى. تتدفق الحكمة من عمر النشرتى طوال النصف الثانى من الفيلم، يتخذ من بنائه المساكن من أجل الغلابة ستارا لنشاطه غير المشروع، يطارده من جديد الضابط ياسر، ويطارده (لو لسه فاكر) السروجى عضو مجلس الشعب، ويؤرق صابر أن زوجته المحبوبة العاقر تشعر بالملل لأنه مشغول عنها.

تتداخل الخطوط، ويخطف السروجى الزوجة، فيحررها عمر/ أو صابر بالسلاح مثل أبطال المافيا، ندور ونلف فى كليشهات مكررة عن تحالف البيزنس والسياسية، ليس على طريقة وحيد حامد الذكية، ولكن من خلال مشاهد خارقة السذاجة.

يزهق صناع العمل من اللعبة، فيتم حل الحكاية ببساطة: مجرد بلاغ يقدمه الضابط ياسر للنائب العام يقود عمر النشرتى، الذى هو صابر، إلى المحاكمة، ويتم القبض على فتحى السروجى بتهمة الإتجار فى المخدرات، وينتهى الفيلم بالحكم على النشرتى، ولكن مع الإيحاء بأن هناك حشدا من المحامين الذين قد ينجحون فى جلب البراءة له. تنتهى خلطة الضحك والحكمة والأكشن والبحث عن طفل من زوجة عاقر إلى مجرد عناوين بدون أى رابط، ومرة أخرى سيقولون لك إنهم يحاربون فساد رجل الأعمال، ويكشفون علاقة المال بالسلطة، وكأن ذلك يعفيهم من كتابة دراما تحترم عقول المشاهدين.

فى عصر سينما الأبيض والأسود، كان لدينا «أسطوات» فى صنعة السيناريو، يمكنهم أن يحولوا فكرة أو حتى شخصية، أو خبر فى الجريدة إلى دراما متماسكة بشخصياتها وحوارتها. أعتقد أن من أسباب تهافت الأفلام المصرية الجديدة عموما غياب هذا الأُسطى، وتراجع دور كاتب السيناريو عموما فى مقابل تضخم دور المنتج والنجم، وهى مشكلة مزمنة لن يحلها سوى اعتدال الهرم المقلوب، بأن يكون السيناريو هو الأساس، بدون ذلك لن ينقذ الأفلام لا«سعد» ولا«حنكو» ولا«رجب»..
محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات