الإسلام كما أدين به
.. 31ــ «الزمن» فى شريعتنا - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به
.. 31ــ «الزمن» فى شريعتنا

نشر فى : الخميس 15 سبتمبر 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 15 سبتمبر 2016 - 9:33 م
يؤمن المسلمون بأن الله سبحانه هو رب كل شىء، رب المكان كله «سماء/ أرض/ بحر/ غلاف جوى/ فضاء»، ورب الزمان كله «الماضى/ الحاضر/ المستقبل/ اليوم الآخر». ولأنه سبحانه وتعالى يعلم ما خلق «أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَطِيفُ الْخَبِيرُ»، فقد اتخذ سبحانه أوقاتا محددة خصصها بعلمه وحكمته لعبادات خاصة وسلوكيات منفصلة، ولا يسع المؤمن إلا التأكد من صحة الخبر بوصوله إلينا عبر الوحى القرآنى وعبر العقل النبوى.

ــ1ــ

فكما شهدنا جلال حكمته وقدرته فى تخصيص الليل للراحة والنوم «غالبا» وتخصيص النهار للمعاش والسعى والكسب «غالبا»، فها هو الشرع يخصص أوقاتا محددة لعبادة الصلاة «الصبح/ الظهر/ العصر/ المغرب/ العشاء»، كما يخصص يوما كل أسبوع «يوم الجمعة» لصلاة جامعة هى صلاة الجمعة «تجمع أهل الحى»، كما ينظم الشرع أنواعا طارئة من الصلوات تُؤدَى حينما يحدث ظرفها المخصص لها مثل صلاة الكسوف إذا كسفت الشمس وصلاة الخسوف إذا خسف القمر وصلاة الاستسقاء إذا نضب الماء. كما أن الشرع قد حبب إلينا صلاتين دوريتين كل عام إحداهما صلاة عيد الفطر ختاما لفريضة الصيام، وصلاة عيد الأضحى مشاركة للحجيج على فوزهم بزيارة بيت الله.

كما أن الشرع قد اتخذ أشهرا معلومة مخصصة لنية فريضة الحج «شوال/ ذى القعدة/ ذى الحجة» على أن يلتقى جميع الحجيج يوم الحج الأكبر فى «زمن واحد» يوم عرفة وبمكان واحد «جبل عرفة» ثم إلى إنهاء مناسك الحج. فكل ذلك تقدير زمنى إلهى لا يسع العبد معه إلا الطاعة والامتثال.

ــ2ــ

فإذا علمنا أن الله سبحانه قد اتخذ من بين الزمن «أربعة أشهر» جعلها أشهرا حرما أى يحرم فيها العدوان والقتل على الجميع، هذه الأشهر هى «رجب» و«ذو القعدة/ ذو الحجة/ محرم». فإذا افترضنا أن العام يبدأ بشهر صفر، فالناس يعيشون: صفر، ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادى الأولى، جمادى الآخرة، يعيشون هذه الأشهر الخمسة، فإذا اضطروا إلى حرب أو قتال يجيئهم الشرع بـ«هدنة ملزمة» لجميع الأطراف مدتها شهر هو رجب. وهذا الشهر بهدنته يدفع الأطراف المتحاربة لالتقاط الأنفاس، رغم أن مدته قصيرة لا يخرج الغل والعناد من النفوس. فإذا انتهى رجب عاد القتال والحرب، لكن الشرع يتخذ مسلكا آخر، فبدلا من الأشهر الخمسة السابقة على رجب، تتناقص المدة المتاحة إلى ثلاثة أشهر هى «شعبان/ رمضان/ شوال» وبعد هذه الثلاثة يفرض الشرع «ثلاثة أشهر حرم» متواصلة هى «ذى القعدة/ ذى الحجة/ المحرم» حتى تطول الهدنة، ويطول التفكر ويتداول كل فريق شئون حياته، فإذا زرع استطاع أن يحصد، وإذا رفع بناء أتمه وسكنه، وإذا شرع فى زواج استمتع به، فيحبب إليه السلام فربما تطول الهدنة أو تعقد اتفاقيات سلام وعدم عدوان. وهكذا تكون الأشهر الحرم بحكمة توزيعها خلال السنة قد أدت مهمة عظيمة وهى تحبيب الناس فى السلام ونبذ الحرب، وما أعظمها من مهمة كبرى.

ــ3ــ

هكذا يعلمنا الشرع منهاجا قويما لاستثمار الزمن، فيضع المخططون فى حسبانهم: «أوقات الراحة/ أوقات العمل»، «أوقات الاجتماع والتواصل/ أوقات الانفراد بالدائرة الخاصة»، معرفة مواسم زراعة كل ثمرة، الاتفاق على زمان ومكان الأسواق للتبادل، كيفية تأمين شبكة الطرق العالمية لخدمة الإنسان فى اقتصاده وسياحته. أليس تنظيم الزمن نعمة؟ فأين فقه استثمار هذه النعمة والانتفاع بها؟ إنها نعمة كبرى تستحق أن نقول: «الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا..».
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات