تحية العيد لشعوب أمريكا اللاتينية - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحية العيد لشعوب أمريكا اللاتينية

نشر فى : الإثنين 15 نوفمبر 2010 - 10:29 ص | آخر تحديث : الإثنين 15 نوفمبر 2010 - 10:29 ص

 لعلك تدهش عزيزى القارئ أننى أوجه تحية العيد لشعوب غالبيتها الساحقة ليست من المسلمين، بل وتعتز بثقافتها المسيحية، سوف أشرح لك السبب، ولكن دعنى أولا أقول لك كل عام وكل شعوب المسلمين فى أفضل حال.

ودين الإسلام بسماحته يدعو إلى التآخى مع كل شعوب العالم «إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا». وقد اخترت فى هذا المقال الحديث عن شعوب أمريكا اللاتينية حتى أبعدك للحظات وأنت تستعد للاحتفال بالعيد عن همومنا التى لا نرى مخرجا قريبا منها.

لا أريدك أن تتحسر على أوضاعنا السياسية ونحن مقبلون على انتخابات يندر أن تجد مثيلا لها فى أى دولة فى العالم عرف شعبها تجربة الديمقراطية، ولن تجد لها مثيلا فى الدول العربية إلا ربما فى تونس، وليس فى اليمن أو فلسطين المحتلة.

ولعل أقرب دول العالم لما نعرفه فى مصر هو ميانمار ــ سابقا بورما ــ والتى نجحت الأحزاب التى تؤيد حكومتها العسكرية بثمانين فى المائة من مقاعد مجلسها النيابى بينما قاطعت المعارضة هذه الانتخابات، ولن يكون الأمر مختلفا كثيرا عندنا بعد أسبوعين أو ثلاثة على الرغم من مشاركة كل أحزاب المعارضة تقريبا.

ولا أريد أن أحدثك عن أوضاعنا الاقتصادية، ولن أقول لك إنه على الرغم من معدلات النمو العالية قبل الأزمة المالية العالمية، تلك المعدلات التى تفخر بها الحكومة. فلسنا على الطريق الذى يمكن أن يضمنا إلى قائمة الدول الصناعية الجديدة التى حضرت اجتماع مجموعة العشرين فى بداية هذا الأسبوع فى سول عاصمة كوريا الجنوبية.

ولكن لماذا أذهب بعيدا وأحدثك عن دول تفصلها عنا صحراوات ومحيط، وتبعد عنا ساعات سفر طوال، وآلاف الأميال. لذلك سببان، أولهما أن هذه البلاد تريد أن تتواصل معنا، وشعوبها تؤيد قضايانا، كانت كل من المكسيك وشيلى تتمتعان بعضوية مجلس الأمن فسنة 2003 عندما أرادت إدارة الرئيس بوش أن تحصل من هذا المجلس على قرار يوفر الشرعية لعملها العسكرى ضد العراق.

وكان رفض هاتين الدولتين من الأسباب التى حالت دون تمكن الولايات المتحدة وبريطانيا من الحصول على أغلبية الأصوات التسعة اللازمة لاستصدار مثل هذا القرار، ولعلك تعرف مقدار تعاطف هوجو تشافيز رئيس فنزويلا مع قضايانا العربية عموما وانتقاده الدائم لسياسات إسرائيل.

بل الأكثر من ذلك أن حكومات هذه الدول اقترحت عقد لقاء قمة دورى مع الدول العربية لتنسيق وتدعيم التعاون بين المجموعتين، وقد تلقت معظم الدول العربية هذه الدعوة بكل البرود، ولم يعن معظم القادة العرب بالمشاركة فى هذه القمة، وطبعا لن تدهش إذا عرفت أن مصر لم تمثل فى أى من هذه الاجتماعات لا برئيس الدولة ولا حتى برئيس الوزراء. وقد حضر إلى مصر من رؤساء هذه الدول كثيرون، بل وحضر أكثر من رئيس لبعض هذه الدول مصر أكثر من مرة.

جاء إلى القاهرة رؤساء البرازيل والأرجنتين وبوليفيا، وغيرهم، ولم تلق زياراتهم اهتماما كبيرا لا من المسئولين ولا من الإعلام، وإذا كان رشيد محمد رشيد قد خرق هذه القاعدة بزيارة طويلة لكل من البرازيل والأرجنتين منذ شهور قليلة، وهو ما يستحق عليه التحية، فإن ذلك لم يغير كثيرا من تجاهل هذه الدول فى زيارات كبار المسئولين الآخرين.

وقد تسألنى عزيزى القارئ وهل يلحقنا ضرر من هذا التجاهل. أقول لك نعم بكل تأكيد، فنحن ننصرف عن القوى الجديدة التى تصنع مستقبل هذا العالم. ثلاث من دول أمريكا اللاتينية أعضاء ثابتون فى مجموعة العشرين، وهى المكسيك والبرازيل والأرجنتين، وتشارك البرازيل فى عضوية مجموعتين صاعدتين فى السياسة الدولية، مع الصين وجنوب أفريقيا فى مجموعة، ومع الهند والصين والاتحاد الروسى فى مجموعة أخرى، ويلتقى قادة هذه الدول دوريا لينسقوا مواقف مؤثرة فى السياسة الدولية يضيف غيابنا عنها مزيدا من انعدام الفاعلية لمركزنا على الصعيد العالمى.
وقدرات هذه الدول على مساعدتنا فى مجالات عديدة هى قدرات هائلة. أذكرك عزيزى القارئ بأن المفاعل الذرى الثانى قد بنته مصر بمساعدة الأرجنتين، كما أن العديد من الطائرات التى تستخدمها مصر للطيران فى خطوطها الداخلية هى من إنتاج شركة برازيلية تصل حصتها فى سوق الطائرات متوسطة الحجم إلى ما يصل إلى سبعين فى المائة فى هذه السوق. بل إنه من المتوقع أن يواصل الاقتصاد البرازيلى نموه فى السنوات القادمة ليصبح فى خلال أربع سنوات خامس اقتصاد فى العالم.

ولكن الذى يدعو إلى الانبهار بتجربة أمريكا اللاتينية هو تقدمها السريع فى مجال التنمية الإنسانية، أى تعظيم قدرات البشر على نحو يوسع من نطاق اختياراتهم فى الحياة، وقد شهدت التقارير الأخيرة للتنمية البشرية بأن بعض دول أمريكا اللاتينية كانت من بين الأسرع فى العالم فى تحسين مستوى التنمية البشرية، ومنها تحديدا كل من جواتيمالا وبوليفيا والبرازيل، وذلك بسبب التقدم الهائل فى رفع مستويات التعليم والصحة والدخل، وهكذا قفزت البرازيل إلى مستوى التنمية البشرية العالية بينما لا تزال مصر تقبع فى الموضع الأول بعد المائة بين الدول ذات المستوى المتوسط.

وقد كان السبب فى ذلك هو السياسات المبتكرة التى اتبعتها حكومات بعض هذه الدول لكى تحارب الفقر وضعف التحصيل الدراسى لأبناء الفقراء.

ولكن الجدير بالإعجاب حقا هو التحول الديمقراطى فى هذه الدول، والتى كانت تقبع حتى منتصف الثمانينيات فى أغلبيتها الساحقة تحت الحكم العسكرى منذ ذلك الحين أصبحت تعرف الانتخابات الحرة النزيهة، وتداول السلطة من خلال صندوق الانتخابات، وعزل الرؤساء الفاسدين وتقديمهم للمحاكمة، ووصول قوى اجتماعية وسياسية جديدة إلى أعلى مراتب السلطة فى البلاد، وتحررا حقيقيا للمرأة.

وانبثاق أفكار جديدة تتحدى هيمنة فكر المنظمات المالية العالمية. لقد أصبح العامل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الذى كسب قوته وهو فى صغره بمسح الأحذية رئيسا للبرازيل على فترتين، ولم تغره شعبيته الهائلة التى لم ينل مثلها رئيس برازيلى مثله بتغيير الدستور لينال فترة ثالثة بعد ثمانية أعوام قضاها على رأس البلاد، وتبوأت المرأة بالانتخاب مقاليد رئاسة الدولة فى شيلى والأرجنتين، وأخيرا فى البرازيل، والتى تستعد لخلافة لولا فيها ديلما روسف دارسة علم الاقتصاد، ووزيرة الطاقة السابقة، والمناضلة اليسارية فى شبابها، والتى دفعت ثمن مشاركتها فى تنظيمات ثورية بتحملها السجن والتعذيب.

هذه الانطلاقة الهائلة على طريق التحرر الإنسانى تعرفها شعوب أمريكا اللاتينية رغم أنها توجد فيما يسمى بالفناء الخلفى للولايات المتحدة الأمريكية، ورغم ميراث هائل من التفاوت الاجتماعى الذى أورثها فقرا وعنفا تبذل جهدها لمكافحته، وهى التى تمد لنا يد الأخوة والتضامن، ولكن معظم حكوماتنا لا تكاد تكترث لهذه اليد الممدودة نحوها.
تحية لهذه الشعوب فى أيام عيدنا، ونأمل أن ننضم لها ولغيرها من الشعوب التى تناضل من أجل أن تسود فى العالم أوضاع أكثر إنسانية.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات