الحرية للمعتقل الذي لا نحبه - بلال علاء - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 11:18 م القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرية للمعتقل الذي لا نحبه

نشر فى : الأحد 15 ديسمبر 2013 - 9:10 م | آخر تحديث : الإثنين 16 ديسمبر 2013 - 8:18 ص

(1)

في الجدال اليساري الكلاسيكي، حين كان يطرح السؤال عما يمكنه أن يميز السلطة اليسارية عن غيرها، إذا هي مارست نفس القمع لمخالفيها باسم ديكتاتورية البروليتالية، وحماية الثورة؟. ما الذي يجعلها مختلفة عن غيرها، إذا منعت الصحف، اعتقلت مخالفيها، ورفضت تشكيل أحزاب أخرى؟

الإجابة المتذاكية من قبل كبار المنظرين الماركسيين، كانت : الاختلاف جذري، بسبب موقع كل سلطة من حركة التاريخ، ولاختلاف "من يتم القمع لصالحهم". في السلطات البرجوازية أو الملكية، يتم القمع لحماية المصالح الطبقية لفئات ضيقة، بينما تمارس السلطات الشيوعية قمعها، لصالح أغلبية الشعب، وتم اعتبار هذا القمع نفسه، قمعا مؤقتا، عابرا، فقط لهزيمة مقاومة البرجوازيين للسلطة الشيوعية، وتم التنظير لأنه بالوقت _سيكون هذا تلخيصا مخلا قليلا_ وبعد مدة من إعادة لتوزيع الثروة وأدوات الإنتاج بشكل صحيح، ستضمحل الدولة، لصالح مجتمع بلا دولة، ينظم نفسه قاعديا على شكل سوفييتات أو وحدات إنتاج ديموقراطية غير مركزية، وبالتالي ينمحي هذا القمع نفسه وللأبد لانتفاء الحاجة إليه، بعد أن نصل لليوتوبيا . اللطيف طبعا أن هذا لم يحدث أبدا في أي دولة شيوعية . ما حدث كان العكس تماما

أحد التناقضات المثيرة في النظرية الماركسية، هو دفاعها عن المنطلق المادي للصراع /دفاع كل طبقة عن مصالحها، ثم إعفاء "المناضلين" من هذه المادية، وبالتالي افتراض إمكانية توليهم السلطة، و أن يقمعوا غيرهم بأريحية لأنهم أبدا لن يسيئوا التصرف، وسيكون عملهم خالصا لوجه الله والشيوعية. ماحدث كان أكثر اتساقا مع جوهر النظرية، بعد بناء "السلطة الشيوعية" لأجهزتها القمعية، لقمع "البرجوازية"، تصبح لهذه الأجهزة بدورها "مصالحها الطبقية" الخاصة، التي تدفعها لقمع فئات متزايدة، من الشعب، تهدد مصالحها، وأغلبية هؤلاء المقموعين متأخرا يكونون من الشيوعيين أنفسهم الذي صمتوا على بداية القمع، ثم اعترضوا حين رأوا الأمر زاد عن حده. ما حدث_ويحدث_عند بناء أجهيزة قمعية قوية لقمع المخالفين، هو تحول هذه الأجهزة لتنانين مسعورة، تحرق كل شئ وأي شئ دفاعا عن نفسها وعن ديمومية قياداتها في السلطة، في الدولة الشيوعية، لم "تضمحل" الدولة أبدا، بل تضخمت وتضخمت معها أجهزتها الأمنية، وابتعلت كل شئ

(2)

برأي المفكر اليساري السوري ياسين الحاج صالح، فالثورة السورية _ومعها بقية الثورات العربية_ تواجه معضلة الإسلام السياسي، حيث لا يمكن للإسلام السياسي أن يندمج في مشاريع بناء دول ديموقراطية، لكن أيضا لا يمكن بناء دول ديموقراطية دون الإسلام السياسي، لأنه يستحيل "استبعاد" الإسلام السياسي، إلا في سياق "استبعاد عام" لكل الشعب خارج حدود السياسة، لم يحدث أن استبعدت أي دولة "الإسلام السياسي" وأبقت على بقية التيارات داخل حدود السياسة، عملية الاستبعاد حين تتم، تتم ل"استبعاد السياسة" نفسها، القضاء على الجميع، لصالح السلطة القائمة، وحين يتم ذلك، لا يكون الأمر مؤقتا ينتهي مع الوقت، بل كلما زادت حدة الاستبعاد، ومعها زيادة خروج أفعال السلطة عن القانون وحقوق الإنسان، كلما زاد تصميم السلطة على البقاء، من أجل البقاء، لتتضخم أجهزتها الأمنية، ويضمحل المجتمع تماما

(3)

بشكل أقل تجريدا، ضابط الأمن المركزي الذي سيفض مظاهرات الإسلاميين في الصباح، بالخرطوش والرصاص الحي، لن يلقي الزهور على مظاهرات العلمانيين في المساء

(4)

المثير للسخرية أن تبريرات قمع السلطة، تأتي بشكل أساسي من "الليبراليين" أو "الليبراليين العسكريين" كما يطلق عليهم الأصدقاء، والذين يرون في "الحريات المدنية" مثل حق التظاهر أو الاعتصام، خطرا كبيرا على "الحرية"، ويأملون في الجيش أن يبني لهم دولة علمانية، ويسكتون _وأحيانا يشجعون_ على جرائم السلطة، أملا في التخلص مرة واحدة، وإلى الأبد، من الإسلاميين، ولسوء حظهم، فإن ذلك لن يحدث ابدا، وما يحدث هو أن جرائم السلطة، ساعدت الإسلاميين أكثر على لملمة ما تناثر من دوائرهم، وعلى تصدر مشهد مواجهة سلطة قمعية، فضل الآخرون التغاضي عن أفعالها، مادامت لم تصبهم بعد، وبالتالي يصبح الإسلام السياسي بالتدريج، مرة أخرى، مركز جاذب للمهمشين من قبل السلطة، بعدما كان مركزا طاردا حتى لأبناء الحركة الإسلامية نفسها، بالتأكيد لن يعود الإسلاميون كما كانوا مهما كانت الظروف، سيدفعون للأبد ثمن غرورهم وطمعهم وجرائمهم حينما كانوا في السلطة، لكن أيضا، وبسبب ممارسات الجيش والشرطة، تم إفراغ الحراك العلماني الصاعد وقت حكم الإخوان، من مضمونه التحرري، وبالتالي إفراغه من اختلافاته أصلا مع الإخوان، مجرد لعبة كراسي موسيقية

(5)

الأسطورة الكبرى لليبراليين العسكريين، هي أن التمسك بالقيم، كرفض القمع والاعتقالات والقتل والدفاع عن حقوق التظاهر والاعتصام السلمي أو رفض محاكمة المدنيين عسكريا، عمل مثالي لا "ينفع" ولا مكان له في "الواقع"، و"الواقع" أن التمسك بالقيم كدافع سياسي، والابتعاد عن حكم العسكر، هو الفعل الواقعي الوحيد لبناء تيار ديموقراطي علماني بميول تحررية حقيقية، بينما الخيار "الواقعي" للليبراليين العسكريين لن ينتج سوى تيارات رثة على هامش السلطة، بعيدة عن "الواقع" ولا يكترث لها أحد في الشارع، ومهمتها الوحيدة هي الدفاع عن السلطة ، كلما احتاجت السلطة ذلك، تماما كما كانت أحزاب دولة مبارك الكرتونية، حزب التجمع نموذجا

(6)

لم يكن على أحد الانتظار بعد رؤيته لمن "لا يشبهوننا" وهم يقتلون في الشوارع، إلى أن تأتي المذابح ل"من يشبهوننا" ليبدأ الحديث متفاجئا عن "انهيار تحالف 30 يونيو"، أو أن يختار الصمت على اعتقال " من لا نحبهم"، ثم يبدأ الكلام عن حكم العسكر عندما يعتقل "من نحبهم"، حينما تتوحش الأجهزة الأمنية تتوحش على الجميع، وعندما يعتقل الناس بتهم ملفقة، سيطال ذلك أي أحد يفكر في الاعتراض على السلطة. وعندما يتورط الحكام في جرائم واسعة، لن يهمهم حينها سوى الاستمرار في السلطة، للابتعاد عن المحاسبة، أيا كان الثمن.

لا يحتاج المرء لذكاء كبير، بعد علمه بالحكم على طلبة الازهر ب17 سنة سجنا، والحكم على فتيات اسكندرية ب 11 سنة قبل الاستئاف، بشكل سريع، ليعلم أن هناك شيئا عفنا جدا في هذه المنظومة كلها، المنظومة التي لم تجد دليلا واحدا على تورط أي أحد على الإطلاق في كل قضايا قتل المتظاهرين، شئ عفن جدا، لا يجب غض النظر عنه، بحجة الحفاظ على"هيبة الدولة"، لا يجب أصلا ان يكون للظلم هيبة

(7)

بشكل عام، يميل اليمين، للدفاع عن "الحرية " كما يراها، بسحب الحرية من الآخر، حتى لا يمثل تهديدا لحريته هو، فيما يميل اليسار _بالطبع لا يدخل داخل التصنيف المخلوقات العجيبة كالتجمع وأشباهه_ لرؤية أن الاحتياط الوحيد الممكن اتخاذه لضمان حرية حقيقية، هو منحها للجميع ، هناك جملة تنسب لماركس "لا يمكن لأمة تستعبد غيرها، أن تكون أمة حرة"، وتماما مثل ذلك، لا يمكن لتلك التيارات السياسية، التي ترى فرصتها الوحيدة للفوز، هو اعتقال كل مخالفيها، أن تكون تيارات حرة أو أن تبني دولة حرة، حتى إن تغنت كثيرا بحبها لحرية، هي في الحقيقة ترتعب من نتائجها

بلال علاء كاتب ومدون
التعليقات