«الوقف» .. هواجس اللحظة الحاكمة - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الوقف» .. هواجس اللحظة الحاكمة

نشر فى : الأحد 15 ديسمبر 2013 - 9:50 ص | آخر تحديث : الأحد 15 ديسمبر 2013 - 9:50 ص

ترى هل نملك الخروج من الدائرة المغلقة «ثنائية الاستقطاب» للموضوعات المكررة «المشخصنة» التى نلف داخلها منذ الثالث من يوليو؟

لا أعرف، ولكنى فى الطائرة العائدة من تونس؛ التى تحاول تجنب ما وصلنا اليه، أحاول أن أكتب فى شأن آخر، أرجو ألا يذهب يوما، مثل غيره ضحية «هواجس اللحظة» وثقافة «النفخ فى الزبادى» التى تبدو حاكمة لكثير مما يجرى ويتقرر. أحكاما وقرارات وقوانين.. بل نصوصا دستورية.

•••

كان الأخ الفاضل، والباحث المجد الدكتور إبراهيم البيومى غانم قد تفضل فأرسل لى بدراسة تاريخية مهمة، بمناسبة مرور مائة عام على إنشاء وزارة الأوقاف (نظارة للأوقاف بلغة ذلك الزمان) بموجب «الأمر العالى» الذى أصدره الخديو عباس حلمى فى العشرين من نوفمبر 1913. وتصادف أن الموضوع ذاته أخذ مكانه بالمصادفة الى طاولة عشاء تونسية كريمة، كما كان قد تسنى لى الاطلاع على دراستين ذاتى صلة أعد إحداهما المركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، وأعد الأخرى مركز جون جرهارت للعطاء الاجتماعى والمشاركة المدنية بالجامعة الأمريكية.

أيامٌ فى العاصمة التونسية كفيلة بأن تدرك أن هاجس التجربة الإخوانية فى مصر كامن فى كل حركة وكل نقاش. فالنهضة تحاول أن تتفادى طريقا اتضحت أخيرا نتائجه، والآخرون لا يرغبون فى دفع ثمن فادح تدفعه الديموقراطية فى مصر كنتيجة لهذا الطريق. وكان من الطبيعى ألا يسلم من ذلك مشروع قانون يدعمه حزب النهضة لإعادة العمل بنظام «الوقف» الذى كان الحبيب بورقيبة قد ألغاه تماما بعد أشهر من تحرر البلاد من ربقة الاستعمار الفرنسى (١٩٥٦)، وبعد ما كانت أصابع البايات «حكام البلاد» قد طالت الأحباس / الأوقاف مواردا وإنفاقا.

والحاصل أن الجدل التونسى الواسع حول «الموضوع» (والذى خرج فى معظمه، كما هى الحال عندنا عن «الموضوع»)، بدا مسكونا بالهواجس محكوما باستقطاب لحظة آنية قد لا تصلح لحكم متأن على قضية هى اقتصادية بامتياز.

انبرى البعض «للزود عن حياض المشروع» بوصفه «اسلاميا»، واعتبره آخرون محاولة مكشوفة «لأسلمة الدولة والاقتصاد» وتهديد مدنيتها. وتغافل المتمترسون هنا وهناك عن حقيقة أن أقباط مصر عرفوا الأوقاف، وأن «المفهوم» كان طيلة الوقت من دعائم المجتمع المدنى فى الغرب خصوصا فى المجال الثقافى والعلمى. ثم أنكم قبل ذلك وبعده «أعلم بأمور دنياكم». وكان لرد الفعل الحاد الذى تبدى فى اتهام المتحفظين على المشروع، أو على بعض تفصيلاته بأنهم «إما جاهلون بالإسلام أو أعداء له» أن أخذ الجدل الى غير ميدانه. ولم يكن ذلك طبعا فى صالح الفكرة.. ناهيك عن المنطق.

قد لا يكون هذا هو الوقت «الاستقطابى» الأنسب لطرح مثل هذا المشروع، كما قد لا تكون البيئة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هى الأكثر ملاءمة الآن، كما قد يكون للتخوف من أن يمهد اعتماده الطريق لتكوين كيانات خارج سيطرة الدولة بشكل يساهم فى تفكيك مؤسساتها شواهده المنطقية والحاضرة والبادية للعيان. ولكن هذا لن ينفى الحقائق التالية:

1ــ أن الفكر الاقتصادى فى العقدين الأخيرين قد شهد تداعيات ملموسة لمبادئ «الليبرالية الجديدة» ساهمت فى تقليص دور الدولة لصالح إحداث توسع مطرد فى دور المجتمع ومؤسساته المدنية. وأن تلك الأفكار «الجديدة» قدمت رؤية متكاملة تستلهم فلسفة السوق ومعاييره فى التنظير للأدوار المتوقعة للأفراد ومؤسسات المجتمع والدولة. مما أدى «واقعيا» الى التقليل من دور الدولة فى تقديم الخدمات الاجتماعية. مما يطرح الحاجة الى مؤسسات مجتمع مدنى تعمل كعنصر وسيط بين حركة السوق والدولة من جانب وبين توقعات المواطنين ومطالبهم. وفى هذه الحالة قد يقدم نظام الوقف حلا سياسيا لتشكيل نظام للرفاهة والتنمية عن طريق الناس وللناس بدون الحاجة الى المرور بالدولة «البيروقراطية» وهو ما يمكن أن يقدم حلولا فعلية لمشكلات قد لا تقدر الدولة المرهق اقتصادها على حلها.

2ـ أن بإمكان أموال الأوقاف، لو جرت «حوكمتها» بماهو مطلوب من نزاهة وشفافية، أن تؤدى دور وسيط مالى غير هادف للربح، مثل إنشاء بنوك للقروض الحسنة، وللمشروعات الصغيرة. فضلا عن الإسهام الحقيقى فى تنمية المجتمع من خلال تنمية «شفافة» ورشيدة للأصول الوقفية.

3ـ أن الأمر العالى للخديو عباس حلمى الثانى بتحويل «ديوان عموم الأوقاف لنظارة/ وزارة» والذى اعتبره البعض أول الطريق لهدم نظام الوقف فى مصر، صدر عندما كانت مصر رسميا مازالت «ولاية عثمانية» (!)

•••

حسنا فعلت لجنة الخمسين بإعادتها نص المادة 25 من دستور 2012 ، التى كان قد بدا للبعض أن لجنة العشرة قد أهملتها (أصبح رقمها الـ 90 / الباب الثالث) وتنص على «تلتزم الدولة بإحياء نظام الوقف الخيرى وتشجعه. وينظم القانون الوقف، ويحدد طريقة إنشائه وإدارة أمواله واستثمارها وتوزيع عوائده على مستحقيها وفقا لشروط الواقف.»، وهو نصٌ مستحدثٌ فى الدساتير المصرية، إذ لم يشر دستور 1971 للوقف الخيرى بأى صورة من الصور، بعد أن كان دستور ثورة يوليو قد ألغى السيطرة المطلقة للملك على شئون الأوقاف والتى كان دستور 1923 قد قررها بالنص على: «ينظم القانون الطريقة التى يباشر بها الملك سلطته طبقا للمبادئ المقررة بهذا الدستور فيما يختص بالمعاهد الدينية وبتعيين الرؤساء الدينيين وبالأوقاف التى تديرها وزارة الأوقاف وعلى العموم بالمسائل الخاصة بالأديان المسموح بها فى البلاد.. وتستمر مباشرة هذه السلطة طبقا للقواعد والعادات المعمول بها الآن. تبقى الحقوق التى يباشرها الملك بنفسه بصفته رئيس الأسرة المالكة كما قررها القانون نمرة 25 سنة 1922 الخاص بوضع نظام الأسرة المالكة.» (المادة 153)

•••

وبعد..

فأعرف، ربما أكثر مما يعرف غيرى، كيف أضاعت تجربة الإخوان حلم 25 يناير، فى بناء دولة ديموقراطية معاصرة تستحقها مصر وتنتظرها المنطقة مثالا ونموذجا. وأعرف، كما يعرف كثير من الإخوان التقيت بهم فى مصر وخارجها أنهم يتحملون المسئولية الأولى عن كل ما لا نرضى عنه الآن، وعن تعبيد الطريق لكل ردة باتت تسفر عن وجهها الأمنى أو الاستبدادى الكالح بلا حياء أو خجل. ولكنى لا أعرف، أو لا أتفهم مجتمعا يبدو أحيانا وكأنه يعاقب نفسه بالتبرؤ «ابتداء» ضد كل ما تثقله شبهة أن الإخوان تحدثوا عنه أو ارتبط بهم. أو بتحوط محكوم «بهاجس عودة للإخوان» يتسرب أثره الى هذه المادة أو هذا الإجراء.

أشكر للجنة الخمسين أنها لم تفعل ذلك فى مسألة الأوقاف، وإن كانت فعلته فى غيرها. ولعل منه العنوان الذى كان عليها «قانونا» أن تضعه على غلاف الدستور الذى من المفترض أن يصبح «أبو القوانين».

أرجوكم.. توقفوا عن «النفخ فى الزبادى».

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات